عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

✍️جرة قلم✍️ الحلقة الثانية: حين تندحر القيم و تنتصر الندالة: من يسرق روح المغربي اليوم؟

✍️جرة قلم✍️ الحلقة الثانية: حين تندحر القيم و تنتصر الندالة: من يسرق روح المغربي اليوم؟

 


برشيد نيوز : بقلم نجاة زين الدين 

في زمن لم يعد فيه للكرامة وزنا، و لا للصدق مقاما، و لا للجهد معنى، تتفسخ يوما بعد يوم الروح المغربية الأصيلة التي لطالما تميزت بالنخوة، و"النية"، و البحث عن"الخبز الحلال"، لتفسح المجال الآن أمام نسخة مشوهة من الإنسان: بين إنتهازي، نفعي، و منافق متسلق، لا يرى في الحياة سوى "فرصة للربح السريع"، و لا في الآخر سوى وسيلة للإبتزاز أو مطية لمآرب ضيقة تكتسي طابع النفعية الذاتية.

فمن أين جاء كل هذا الخراب؟ و من سرق الطهر من سلوكنا؟؟؟؟و من حول مجتمعا إلى مرآة للندالة العامة؟؟؟؟

1) الإنتحار القيمي... حين يتحول الشعب إلى ضحية و متهم في نفس الآن:

ما نعيشه اليوم ليس مجرد أزمة أخلاقية، بل ردة قيمية شاملة و إنتحار سلوكي جماعي، فالسلوكيات اليومية للمغربي، تباينت من الغش في الميزان، إلى الكذب في المعاملة، إلى إستغلال الضعيف، إلى التزلف للسلطة، لتؤكد برمتها أن هناك مرضا بنيويا ينخر الضمير الجمعي.

فلم يعد الجار يحترم جاره، و لا الصديق يفي لصديقه، و لا الموظف يتقي الله في عمله، و لا التاجر يخشى الله في ميزانه، و لا الأستاذ يؤمن برسالته، و لا الإعلامي بميثاق شرفه، و لا السياسي بمسؤوليـــاته و وعـــوده  أمام الوطن.

2)من المسؤول عن هذا العار؟ دولة هشة، و مجتمع مكلوم، و نخبة متواطئة بصمتها و بإنتهازياتها:

هنا نجد أن الجهات المسؤولة عن هذا الإنهيار الأخلاقي متعددة، و لكن يمكن تلخيصها في ثلاث دوائر متشابكة:

*)الدولة بمؤسساتها المتراخية: حين تصبح السلطة قدوة في الريع، و الفساد، و التواطؤ، كيف نطلب من المواطن أن يكون نزيها؟؟؟ حين تهدر كرامته في الإدارات، و يهان في المستشفيات، و يبتز في المحاكم، و يؤدي ليعلم أبناءه...هل ننتظر منه أن يحترم القانون؟؟؟؟ في ظل مرافق دولة تحقر مواطنيها تربيهم على السخط و الحقد و التذمر لا على القيم و المباديء.

*)النخبة المتخاذلة: المثقفون، الفنانون، الإعلاميون، التربويون، كلهم إختاروا في غالبيتهم الصمت أو التواطؤ. باعوا رسالتهم مقابل إمتيازات أو مناصب، و تركوا الساحة مفتوحة التمييع و للرداءة، فمن الذي أفسح المجال للرقص الفج و البذاءة الإعلامية لتصبح هي لغة "القدوة" الجديدة؟؟؟تلك القدوة المنحطة و المبتدلة؟؟؟

*)الأسرة المهزومة و المفككة:

بفعل التفكك الإقتصادي و النفسي، إنهارت الكثير من الأسر أمام سطوة البقاء، فلم تعد تربي أبناءها على القيم، بل على الحذر و الدهاء و"دير عقلك"، و عندما يحصل على عمل تحثه على الإستهتار و اللامبالاة ب"ما تهلكش راسك دور أو تبرم حتى يوصل وقت الخروج"... فإنتهى الأمر بتكوين جيل يعتبر الإحتيال على الدولة شطارة، و الغش في الإمتحان ذكاء، والزواج للمصلحة و للنزوة هدفا مشروعا...و قس على ذلك ما بدا لك...فنحن نعيش في سوق البشرية المنحل...فعلى أونو و على دوي و على تري...حتى صار الخلوق عملة قديمة، و تحول صاحب المبدأ إلى عنصر مشاغب يهدد أمن من لا خلاق لهم...

3) الإعلام و التعليم...حين تضيع البوصلة:

*)الإعلام المغربي لم يعد منصة تنوير كما كان عليه أن يكون، بل أصبح، في كثير من برامجه، ورشة لصناعة التفاهة و تعميم النموذج المنحط للنجاح، فأين المسؤولون الذين سيحتفون بالمكافحين؟؟؟؟ بالعلماء؟؟؟؟ بالمربين الحقيقيين؟؟؟ هل يمكن أن ينتج الإعلام الذي يحتفي بالجاه و الثراء السهل مواطنا نزيها يؤمن بالكسب الحلال و الشريف؟؟؟؟ أم سيستمر الحال على ماهو عليه في بحر سفاهة الحقارة و العري و الإنحطاط الذي لم تعد له حصارات تأذيبية، فتحول الإمام فيه بكل سفالة  إلى وسيط زواج() و تحولت قنوات التواصل الإجتماعي كصورة لإعلام إفتراضي واجهة للعهر و إلى نافذة إشهارية للإعلانات اللامتوقفة تحول معها المواطن/المتلقي إلى كوطة إستهلاكية بإمتياز...  

*)أما التعليم، فهو اليوم أكبر مأساة مغربية صامتة، لأنه تعليم مفلس فكريا، تائه البوصلة، غائب عن دوره في تنمية الحس النقدي، و زرع الوعي، و غرس القيم، فكيف يمكن لنا أن  نخرج من مدارسنا مواطنا سويا، مسؤولا و مبدعا و نحن نعلمه الحفظ الأجوف، و نقهره بالفقر و الإهانة، و نجعل مصيره مرتبطا بفثات الصدقات،  ثم نطالبه أن يصير مواطنا فاضلا!!!؟؟؟؟

4) ما العمل؟ ما السبيل إلى إستعادة الإنسان المغربي؟

لن نكون عدميين. لا زال هناك أمل، و لكن يجب أن نعي أن الحل ليس أخلاقيا فقط، بل بنيويا بصورة شمولية، لن يتأتى تصحيح مساره إلا بإنتهاج الخطوات الجوهرية التالية:

*) ثورة تربوية حقيقية تبدأ من الأسرة إلى المدرسة، قائمة على الإعلاء من قيمة الكرامة، و ربط النجاح بالجهد، و الحرية بالمبدأ و الحق بالواجب و المسؤولية بالمحاسبة.

*) إعلام بديل و مناضل، يعيد للمواطن ثقته بنفسه، و يقدم له نماذج حقيقية للنجاح، و يجعل من شعار قول الحق شجاعة لا خيانة و لا جناية...

*) مراجعة المنظومة القانونية و التربوية حتى لا يبقى الفاسد في منأى عن المحاسبة، وحتى يشعر المغربي أن هناك عدالة ترد الحقوق و تكرم المجتهد و تعاقب المتواطئ و ترقي الكـــــــفــــاءة لا الســــــــــــفـــاهة.

*)بعث خطاب ديني و عقلي متنور، يخرج الدين من قوقعة طقوس الممارسات الكاذبة، إلى ساحة القيم، فيعلم الناس أن "الدين المعاملة"، و أن الغش، و النفاق، و الفساد، ظلم كبيــــــــر لا يصغر أمام صوم أو صلاة أو عمرات متكررة أو حج أصبح الذهاب إليه أو العودة منه تكلف المواطن الملايــيـــن، في وطن لازال فيه مواطنو الجهات المنسية يشترون درهم سكر و درهم حبوب الشاي ليحضروا إبريقا  ليتناولوه مع كسرات من الخبز الحافي...و من قال هذا كذب، فليزر المناطق التالية: خميس الزمامرة و سبت ݣزولة و خميس تكات و كروشن و القباب و دواوير عيون أم الربيع و دواوير إقليم الحوز و تارودانت...إلخ، ليتأكد بنفسه من معطيات ناطقة باسم معاناة ساكنة هذه المناطق بكل لــغــات الــعــالم...

*)عودة النخبة المثقفة إلى دورها الأخلاقي، فالقلم الصادق و الفكر الحر، لا يجب أن يظل صامتا، لأن الصمت تواطؤ و خنوع و تقاعس عن قول كلمة الحق، الكلمة الهادفة التي قد تغير مجريات الأحداث إلى سيناريوهات مبدعة و بناءة... 

5)لنكن شهود صدق لا شهود زور:

ما نعيشه اليوم من إندحار أخلاقي ليس قدرا محتوما، بل نتاج سياسات، و تراكمات، و إنهزامات داخلية... و لكن الأمة التي لا تزال فيها أقلام حرة، و ضمائر قلقة، و أصوات صارخة، هي أمة لم تمت بعد...لأنها ستغير وضع المأساة و تجسر لبناء الإنسان من خلال تضامن كل القوى الحية الصادقة و التي جعلت من الإنسان قضيتها الرئيسية...

Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية