عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

العيد بين شعائر السماء و عبث الأرض: من يذبح من؟!

العيد بين شعائر السماء و عبث الأرض: من يذبح من؟!



برشيد نيوز : بقلم نجاة زين الدين

مدخل مؤلم إلى لحظة وطنية فاسدة:

في زمن الأزمات المركبة، لم يعد من المقبول أن نلوذ بالصمت أو نكتفي بتبادل التذمر خلف الشاشات، و نحن نعيش إحتفاءات مناسبة عيد الأضحى المبارك، التي يفترض أن تكون موسما للفرح و التراحم، تتحول إلى مرآة عاكسة لحجم الفوضى الإقتصادية و الإجتماعية التي يعيشها المواطن المغربي، حيث انكشفت الأخلاقيات الفاضحة لمنظومة كاملة لم تعد تعرف من التدبير غير منطق "اللهم نفسي".

فبين نيران الأسعار الملتهبة و إحتكار السوق من قبل لوبيات فاحشة، وقف المواطن حائرا: هل يضحي بخروف العيد، أم يضحي بكرامته أمام أطفاله؟

بين خطابات التباهي بالإستيراد من البرازيل و أوروبا الشرقية، و بين صرخات مربي الماشية المنكسرين في دواوير المغرب العميق، ضاعت الحقيقة....و لأن السؤال المحوري الذي طرحته يلامس جوهر الأزمة: "فمن المسؤول عن وضعنا المأساوي؟ ألسنا نحن أيضا؟"

فلنتناول الأمر بهدوء المنطق لا بصخب الإنفعال و لا بتدليس الحقائق.. 




1)تفكيك الأزمة من جذورها:

*) تقلص القطيع الوطني: الإنتحار الزراعي الصامت:

شهدت السنوات الأخيرة نزيفا مهولا في أعداد إناث القطيع، نتيجة الذبح العشوائي و غياب الرقابة الفعلية، مما أثر بشكل مباشر على الدورة الإنجابية. هذه الجريمة "الصامتة" تمثل إنتحارا ممنهجا في حق الأمن الغذائي الوطني، ومع توالي الجفاف و تراجع دعم الأعلاف، قرر العديد من مربي المواشي الإنسحاب أو ببيع رؤوس القطيع بثمن بخس خوفا من الإفلاس.

*) الإستيراد بدل الإستثمار في سياسة محلية تنعش القطيع: الحلول السهلة للأزمات المعقدة:

إختارت الحكومة أسهل الحلول و أسرعها: الإستيراد!!! لكن هل تم دعم الفلاح الوطني؟ هل إستثمرنا في تقنيات حديثة لتحسين السلالات؟ هل جرى خلق منظومات جهوية للرعي المنظم؟ مع كامل الأسف، لا....

 لقد أطلقت يد السماسرة و ترك الفلاح الحقيقي يمــوت بصــمــــت، في غياب وعي حقيقي بطبيعة و نوعية الأزمة المستشرية و المسكوت عنها.

*)الشعب و سلوك القطيع: الوعي الغائب في زمن "اللهطة":



من قال إننا أبرياء؟

لقد أصبح العيد سباقا إجتماعيا محموما نحو التباهي، لا شعيرة دينية تهدف إلى التقرب من الله عز و جل، بحيث فضل المواطن الفقير بيع الكرامة ليشتري بهيمة، يرتكب المجازر في الإناث و يشكو من قلة الإنتاج.... يلعن الفساد بينما يمنحه الشرعية من خلال السلوك الإستهلاكي الهمجي و السكوت عن الإحتكار المنعش لتجار و لوبيات الأزمات. 

2) أزمة العيد نموذجا لأزمة الوطن: 

إن ارتفاع أسعار اللحوم لا يعكس فقط خللا إقتصاديا، بل هو علامة على إنسداد و إنحطاط في القيم و غياب الرؤية السديدة في التخطيط في السياسات العمومية، فما يجري في سوق الأكباش هو نفسه ما نعيشه في التعليم، و الصحة، و التشغيل، و العدالة الإجتماعية. نحن في أزمة رؤية، لا أزمة موارد فقط.

3) مسؤولياتنا المشتركة:

*) الدولة: غائبة عن التخطيط، حاضرة فقط عند التسويق:

🔴عاجزة عن ضبط السوق أو مراقبة جشع الوسطاء.

🔴تتعامل مع الأزمات بعقلية "المهدئات" لا "العلاجات".

*) الشعب: يعاني من ضعف الوعي الإستراتيجي:

🔴يعيش تحت سطوة الإستهلاك الإستعراضي و اللامقنن.

🔴لا يضغط على المؤسسات للمحاسبة و لا يطالب بالتغيير الحقيقي إلا عبر مواقع التواصل، خلف الشاشات، دون مبادرات و لا مقترحات جادة و ملهمة.

4) توصيات واقعية للخروج من الحلقة المفرغة:

*) تربية الوعي الجماعي:

**)بإعادة تعريف مفهوم العيد في الإعلام و المدارس: من الطقوس إلى القيم: 

عن طريق:

#حملات وطنية لتثقيف المواطنين حول أهمية الحفاظ على إناث القطيع.

#محاربة الإستهلاك و  التباهي العقيم  و تعزيز ثقافة الإقتصاد الذكي و التركيز حول المصلحة الفضلى للوطن.

*) دعم حقيقي لقطاع تربية المواشي:

**) بتمويل مباشر و صريح للفلاح الصغير و المتوسط.

**) بتشجيع المشاريع التعاونية في تربية الأغنام.

**) بخلق أسواق جهوية منظمة تحت مراقبة صارمة لمحاربة السماسرة و تجار الأزمات.

*)سياسة عمومية ذات رؤية بيئية و إقتصادية:

**) بتطوير بدائل غذائية مستدامة على مستوى البروتين الحيواني.

**) بإعادة هيكلة وزارة الفلاحة لتكون ذراعا سياديا لا مجرد جهازا تنفيذيا.

**) بربط الأمن الغذائي بالأمن الإستراتيجي السيادي للبلاد.

*) تشجيع مبادرات "العفو عن العيد" كلما دعت الحاجة و توسيع دائرة الوعي الجماهيري بالأزمة و بضرورة إنخراط الجميع فيها دون أنانية و لا تعصب فكري أو ديني.

ففي ظروف مثل هذه، لا يتجسد العيد في ذبح الأضحية فقط، بل في التضامن و مستوى اللحمة و التكافل الإجتماعي المحقق، من خلال تفعيل دور الجمعيات، التي يجب أن تلعب دورا أكبر في التوعية بطرح البدائل الجماعية (إقتناء جماعي، تعاوني، تضامني).

5) لا خلاص من هذا الوضع دون شجاعة جماعية:

نعم، المسؤولية مشتركة:

لكن بداية التغيير تبدأ منا نحن: من طريقة تفكيرنا، من سلوكنا الفردي، من رفضنا للمغالاة، من كسرنا لثقافة العيب الوهمية التي تربط الشرف باللحم، و الشعيرة الدينية بالهزيمة البطنية...

فليكن هذا العيد صرخة ضمير، لا صرخة في سوق النعاج....

ولتكن رسالتنا: كفى استغباءا لعقول المواطنين، و كفى إستنزافا للجيب و للقطيع و الكرامة.

في النهاية، العيد الحقيقي ليس في الذبح، بل في الذوبان في هموم الناس و إحياء معنى المسؤولية الفردية و الجماعية لكل مكونات البلاد فإما أن نختار طريق الوعي، أو نبقى حطبا في محرقة الفوضى التي يتغذى منها تجار الأزمات و لوبيات الإسترزاق

و كل عيد و أنتم بخير، رغم كل ما يذبح فينا قبل الأكباش... لأنه مع كل عيد تتكاثر اللوبيات و تتضاعف قنوات الإنتهازية و الإسترزاق ببلاذة شعب لا يريد ان يتغير...فكيف للمواطن ان يقبل على نفسه شراء كيلو من اللحم ب 150 درهما ؟؟؟ و أين غابت جمعيات حماية المستهلك في ظل هذه الاسعار التي التهبت لدرجة خيالية؟؟؟ و أين هي الوزارة المختصة بالفلاحة و المصالح الإقتصادية للعمالات التي تخلت عن دور الرقابة الذي كان عليها تفعيله في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى؟؟؟؟؟

Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية