عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

الإمتحان فرصة لإختبار الذات، لا شبح للفزع و شيوع الرهاب: نحو بناء ثقة راسخة في قدرات أبنائنا

الإمتحان فرصة لإختبار الذات، لا شبح للفزع و شيوع الرهاب: نحو بناء ثقة راسخة في قدرات أبنائنا

 


بقلم: نجاة زين الدين

بين دفاتر المراجعة و أصوات التوجيه و القلق و الضغط النفسي الذي يخيم على البيوت، نستقبل في هذه الأيام موسم الإمتحانات السنوية في مختلف مؤسساتنا التعليمية، من الإبتدائي إلى العالي، موسم تحول عند الكثير من التلاميذ و الطلبة إلى كابوس ثقيل، يقظ مضجع الجميع: متعلما و أسر، لا لشيء سوى لأننا كبالغين، آباءا و أمهات، مربين و مؤطرين، غالبا ما نغفل عن الجانب النفسي و المعنوي الذي يرافق الإستعدادات، لكن هل الإمتحان في حقيقته مدعاة سببية لهذا  الفزع، و لهذا الضغط أم أنه فرصة لإختبار مكتسبات الذات و صقل المهارات؟ لماذا يرتبك الأبناء رغم الإستعداد؟ و كيف يمكننا أن نساعدهم فعلا، لا فقط بالوعظ و الإرشاد أو بإضافة الى ذلك كما من النصائح التوجيهية المجانبة للصواب في قالب من القمع و الأوامر، و إنما يتأتى  ذلك بأدوات علمية و نفسية تمكنهم من الثبات و النجاح و التفوق بكل تميز و تألق؟

1) لماذا يخاف التلميذ و الطالب من الإمتحان؟

- تتعدد الأسباب و تتشابك الإكراهات،  لكن جوهر الخوف غالبا ما ينطلق من عدة دوافع نفسية و تربوية:

*)الخوف من الفشل: إذ غالبا ما يربط الإمتحان بالحكم على الكفاءة و الجدارة، فيختزل مستقبل التلميذ في نقطة تقييمية واحدة، قد تكون ظالمة و مجحفة، فيشعر بأنه على حافة الهاوية لا على عتبة تفتيق المهارات الشخصية التي تم نقلها و صقلها في موسم دراسي، كانت غايته السامية: البناء و الإستثمار في العنصر البشري، لإخراج أجود ما فيه، هذا الأخير، الذي يجب أن ينتظر الإمتحان بحب و شغف، ليعطي أجود ما عنده في هذا التباري الإختباري، زاده المنافسة الشريفة و عتاده الثقة في النفس.

*)ضغط الأسرة و المجتمع: الأسرة أحيانا دون وعي تحمل الإبن مسؤولية النجاح، لرفع رأس العائلة، فتثقل كاهله بإرهاصات مطالبته بالنجاح، كيفما كانت صورته و صيغة الحصول عليه، بدل من أن تواكبه  و تدعمه نفسيا.

*)تجارب سابقة سيئة: رسوب سابق، أو إرتباك في إمتحان قديم، كفيل بزرع رهاب الإمتحانات مدى الحياة إذا لم يعالج و يتم تجاوزه بإستعادة الثقة في النفس.

*)سوء الإستعداد و التخطيط: غياب منهجية واضحة في المراجعة يولد التوتر، حتى لدى من يمتلك قدرات معرفية عالية، لأنه سمح للخوف أن يزعزع ثقته بنفسه و تشكيكه في مؤهلاته و مهاراته.

- الحلول العلمية الداعمة:

*)تدريب التلميذ على تقنيات إعادة التمثل المعرفي لتصحيح تصوره عن الإمتحان.

*)إستعمال تقنيات التحصين التدريجي ضد القلق عبر محاكاة الإمتحان للتغلب على ضغوطاته.

*)تعزيز الصورة الذاتية الإيجابية عبر دفاتر الإنجاز الشخصي بدل التركيز فقط على النتائج.

2) هل يمكن للمتعلم إجتياز الإمتحانات بثقة و ثبات؟

الجواب بكل تأكيد سيكون: نـــــعـــــم. لكن ليس المطلوب هنا ألا نخاف، بل أن نتعلم كيف نحول هذا الخوف إلى طاقة إيجابية منضبطة، و محفزة للثقة، التي ليست وليدة اللحظة، بل ثمرة إستعداد متوازن على ثلاثة مستويات:

*)الإستعداد العقلي: بتنظيم الوقت، و توزيع الجهد على المواد، و تقنيات الحفظ الذكي طيلة السنة و من أول حصة في التلقين المعرفي، لا إنتظار الدقيقة 90 لبدأ رحلة السباق المحموم مع الحفظ و المراجعة...!!!

*)الإستعداد الجسدي: عبر التغذية السليمة، و النوم المنتظم، و ممارسة الرياضة الخفيفة لتبديد ذلك التوثر، و الإبتعاد قليلا عن الهاتف المحمول، و تعويضه بالكتاب الورقي لاهميته.

*)الإستعداد النفسي: بترسيخ حديث الذات الإيجابي، و تعلم تقنيات التنفس العميق و تصفية الذهن، من كل الشوائب و المواضيع الثانوية المزعجة.

- الحلول العلمية الداعمة:

*)إدراج برامج قصيرة في الذكاء الإنفعالي داخل المؤسسات التعليمية خلال فترة الإمتحانات.

*)تفعيل حصص للإسترخاء موجهة  داخل الأقسام للتنفيس على المتعلم المضغوط.

*)تنظيم لقاءات تحفيزية مع خريجين ناجحين، لتقريب النماذج الإيجابية من التلاميذ، كدعم بالقوة النموذجية....

3) كيف نساعد أبناءنا كتربويين و أولياء أمور؟

المسؤولية لا تقع فقط على التلميذ، بل على المحيط بأكمله. فالتلميذ لا ينمو في الفراغ، بل في بيئة كاملة و شاملة للعديد من المكونات، يمكن أن تكون إما داعمة أو مثبطة.

*)الدعم الأسري: يجب أن يتحول من ضغط إلى إحتضان و إحتواء، بحيث لا ينبغي أن يسمع التلميذ تهديدا، بل دعما غير مشروط،  مضطرد و دائم.

*)الدعم التربوي: عبر تقوية الجانب الإرشادي داخل المؤسسات التعليمية، و مرافقة التلميذ أو الطالب على مدار السنة، لا فقط في أيام الإمتحان، لتعزيز ثقته بنفسه و في محيطه، من خلال الإشادة بملكاته و مهاراته الإيجابية من باب التشجيع و الدعم النفسي...

*)تأكيد ثقافة الحوار بين المعلم و المتعلم: يجب أن يشعر التلميذ أو الطالب هنا، أنه يستطيع التعبير عن مخاوفه دون أن يسخر منه أو يتهم بضعف المستوى.

- الحلول الممكنة:

*)تنظيم ورشات تفاعلية مشتركة بين أولياء الأمور و المؤسسات التعليمية.

*)إعداد دليل عملي لكل أسرة تحت عنوان: كيف أساعد إبني على النجاح في الإمتحان دون أن أقتله قلقا و ضغطا؟

*)إعداد فقرات إذاعية مدرسية صباحية يومية تحفيزية قبل الإمتحانات لتتبدد المخاوف و تشحن إرادة الممتحن برصيد هام من الطاقة الإيجابية.

إن الإمتحان ليس لحظة رعب، بل فرصة ذهبية لإختبار الذات و مكتسباتها المعرفية، لصقل المهارات، و لتنمية  النضج التدريجي نحو الحياة، لهذا علينا أن نحرر أبناءنا من قيد المقارنة، و نمنحهم الثقة في قدراتهم على التميز بطريقتهم الخاصة. بتقديم الدعم النفسي الكافي، و التهيئة الذهنية اللازمة، و المرافقة التربوية البناءة، التي ليست رفاهية، بل ضرورة. فلتكن إمتحانات أبنائنا محطات إشراق، لا لحظات إختناق، و لنعد بناء علاقتنا ككبار بمفهوم "النجاح" حتى نساعد الصغار على عبور الجسور بثبات... نحو غد واعد يستحقونه.

Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية