✍️جرة قلم✍️ الحلقة الرابعة عشر: من الفرد الى العالم.. كيف تقود الفرضيات اللغوية العصبية إلى تحول سلوكي شامل
برشيد نيوز: بقلم ذ. نجاة زين الدين
إن الأزمات التي تمزق المجتمعات المعاصرة ( من عنف أسري، و صراعات إجتماعية، و جرائم، و حروب ) سوى نتيجة مباشرة لتشوهات عميقة في الوعي الإنساني، و إختلالات مزمنة في أنماط التفكير، و سوء إدراك في إدارة الإنفعالات، و عجز في التواصل و قصور أو تشوه في الإستيعاب.
و من هنا يبرز السؤال الجوهري:
ماذا لو تغير الإنسان من الداخل؟؟؟
و ماذا لو أعيد بناء السلوك الفردي على فرضيات عقلانية و إنسانية، لتجعل الفهم سابقا للحكم، و التواصل بديلا للصدام، و المرونة أقوى من القسوة و الوعي أحسن و أولى من العنف؟؟؟
أكيد أن الفرضيات اللغوية العصبية، في هذا السياق، لا تقدم كعصا سحرية، بل كـمنظومة وعي، لو إستوعبت بما يكفي و مورست بعقلانية و بكل حكمة، لأفرزت نتائج منطقية و حتمية تتجاوز الفرد إلى الأسرة، و من الأسرة إلى المجتمع، و من المجتمع إلى الدولة، و ربما إلى العالم برمته لما لا؟؟؟
أولا: حين يتغير الفرد… تتغير نقطة البداية لكل تقويم:
إن تعليم الفرد فرضيات مثل:
*)الخريطة ليست هي الواقع
*)لا يوجد فشل بل خبرة
*)وراء كل سلوك نية إيجابية
*)معنى التواصل هو الأثر لا النية
سيحدث إنقلابا جذريا في طريقة إدراكه لذاته و للآخرين.
و عليه فإن النتائج المنطقية على السلوك الفردي ستكون كالآتي:
*)تراجع التشنج و الإنفعال
*)إرتفاع مستوى ضبط النفس
*)تحمل المسؤولية بدل لعب دور الضحية
*)إستبدال رد الفعل الأعمى بالفعل الواعي
فالفرد الذي يفهم أن الآخر لا يعاديه بل يراه من خريطته الخاصة، يتوقف عن العنف بوصفه وسيلته الوحيدة للتعبير عن إحتجاجه الخاطيء، ليبحث عن لغة بديلة متفهمة، منقبة عن السبب الرئيسي الذي كان وراء السلوك و بالتالي البحث عن الحل، بعيدا عن التعليلات المغلوطة.
ثانيا: من الفرد إلى الأسرة… تفكك الصراع و بناء الأمان:
الأسرة هي المختبر الأول للسلوك الإنساني.
و حين يدخل أحد أفرادها أو أكثر إلى منطق الفرضيات اللغوية العصبية، تبدأ التحولات العميقة:
*)داخل الأسرة:
-يقل الصراخ لأن التواصل يصبح أوضح
-تتراجع الإتهامات لأن النية الإيجابية بدأت تفعل
-يدار الخلاف بدل أن ينفجر
-يحتوى الطفل بدل قمعه
-تفهم المراهقة بدل شيطنتها
و ستكون بذلك النتيجة الحتمية:
-إنكماش العنف الأسري، و تراجع الطلاق، و إنخفاض الصدمات النفسية المبكرة التي تعد الوقود الرئيسي للجريمة في المرحلة الآنية و في المستقبل.
ثالثا: من الأسرة إلى المجتمع… حين يهدأ الداخل ينضبط المحيط الخارجي:
بما أن المجتمع ليس كيانا مستقلا، بل مجموعة من السلوكيات الفردية.
و حين ينتشر الوعي القائم على:
*)إحترام الإختلاف
*)المرونة الذهنية
*)إدارة الإنفعال
*)تحميل الذات مسؤولية التغيير
فإن النتائج ستنعكس بصورة أوتوماتيكية في:
*)تقلص النزاعات اليومية
*)إنخفاض العدوانية في الفضاء العام
*)تراجع خطاب الكراهية
*)إرتفاع ثقافة الحوار بدل التصادم و يتم بذلك تقليص دائرة العنف
و مع هذا التحول، تبدأ الجريمة في الإنكماش بصورة تلقائية، لأنها في الأصل:
*)فشل في التواصل
*)عجز في التعبير
*)إنفجار إنفعالي غير مدار بصورة هادئة و حكيمة.
رابعا: الأثر الحتمي على الدولة… من منطق الردع إلى منطق الوقاية:
حين يتراجع العنف، تتغير تلقائيا بنية الدولة و وظائفها.
*)النتائج الإقتصادية و المؤسساتية:
-تقليص ميزانيات السجون
-تخفيف الضغط على المحاكم
-تراجع الحاجة إلى التوسع الأمني المفرط
-إنخفاض كلفة المعالجة النفسية و الإجتماعية
-تحول الدولة من جهاز زجري إلى جهاز مرافق
فالدولة التي تستثمر في الوعي الوقائي، لا تحتاج إلى إنفاق المليارات على علاج نتائج الفشل السلوكي.
خامسا: الإعلام… الحلقة الحاسمة في التحول الجماعي:
*)لا يمكن لأي مشروع وعي أن ينجح دون إعلام واع.
فلو وظفت الدولة إعلامها لـ:
-تبسيط الفرضيات اللغوية العصبية
-إدماجها في البرامج التربوية
-إنتاج مواد درامية و تربوية راقية
-تقديم نماذج تواصل صحي
-تفكيك ثقافة العنف و الإنتقام بالتماس العدر للآخر.
*)لتحول الإعلام من:
- محرك للإنفعال
إلى مهذب للسلوك الجمعي عندها فقط تصبح الرسائل اليومية:
-كيف نختلف دون أن نتقاتل و دونما ان نجعل من الإختلاف بؤرة خلاف مجانية، غير محسوبة العواقب بسبب التهور و الإندفاع الغير المبرر؟؟؟
-كيف نخطئ دون أن ندمر؟؟؟
-كيف نحاسب دون أن نهين؟؟؟
سادسا: من الدولة إلى العالم… حين تتراجع ثقافة الحرب بالوعي و التفهم:
فالحروب ليست سوى:
*)تضخم في الأنا الجماعية
*)فشل في إدارة الإختلاف
*)شيطنة متبادلة للآخر
و لو ساد منطق:
- “الخريطة ليست هي الواقع ”
-“الآخر يتصرف وفق أفضل ما يعرفه و ما فهمه”
لتراجعت إحتمالات الصدام، لأن العالم لا يحترق إلا حين تعجز العقول عن الفهم.
إن الفرضيات اللغوية العصبية، حين تفهم بوصفها فلسفة حياة لا حيلا تدريبية، عندها فقط سندرك سلسلة من النتائج المنطقية و الحتمية:
فرد أكثر وعيا
أسرة أكثر توازنا
مجتمع أقل عنفا
دولة أقل كلفة و أكثر عدلا
عالم أقل حروبا و مآسي
من هنا نستنتج أن المدينة الفاضلة ليست حلما مستحيلا،
بل نتيجة طبيعية لوعي يدرس، و سلوك ينمى، و إعلام يربي لا يهيج إعلام يبني لا يحطم بالثفاهة و السفاهة و أفلام الأكشن و مباريات الرياضات العنيفة و اللعب الإليكترونية التي تحرض و تشجع على تبادل العنف الذي تحول الى مورد رزق عند لوبيات و مافيات خاصة بالترويج له في السوق السوداء، نهارا و ليلا في قاعات محظورة على العموم...
فلنجعل الإنسان أينما وجد قضيتنا، لتنتصر الإنسانية فينا و لنا...

