✍️جرة قلم ✍️ الحلقة الثالثة عشر:صرخة وطن.. تقرير رأي عام حول مأساة تفشي المخدرات بين الشباب و مسؤولية الدولة و المجتمع
برشيد نيوز: بقلم ذ.نجاة زين الدين
في خضم التحولات المتسارعة التي يشهدها المغرب، و على وقع الأزمات الإقتصادية و الإجتماعية المتلاحقة، تكبر في الظل كارثة أكثر فتكا، تنمو بصمت و تنهش في أجساد و عقول شباب البلاد: آفة المخدرات.
فالقضية لم تعد مجرد إنحراف فردي أو سلوك هامشي؛ إنها اليوم ملف وطني ثقيل، يمس الأمن الصحي، الأمن الإجتماعي، الأمن المدرسي، و الأمن القيمي للبلاد.
حيث بلغت الظاهرة مستوى يجعل الصمت تواطؤا، و يفرض على الجميع — دولة و مؤسسات و مجتمع — أن ينهضوا بواجبهم قبل أن تتحول هذه الجائحة الصامتة إلى زمن ضائع لا يمكن إستعادته.
أولا: حجم المأساة— حين تتحول المدرسة إلى ساحة لتجريب للسموم في أجسام أبنائنا:
تشير المعطيات الأخيرة إلى أن نسبا مقلقة من التلاميذ، لا تتجاوز أعمارهم 13 و 14 سنة، دخلوا دائرة تجربة المخدرات، سواء عبر "الشيشة"، "الحشيش"، الكحول، أو الأقراص المهلوسة التي أصبحت تباع كما تباع مختلف الحلويات في محيط المؤسسات التعليمية.
بحيث تحولت بعض الأحياء، بل و حتى بعض الأزقة المحيطة بالمدارس، إلى أسواق مفتوحة للسموم، تشتغل فيها شبكات صغيرة تابعة لمافيات كبييرة تستثمر في هشاشة الشباب، و في غياب اليقظة الأسرية، و في تقصير الدولة في المراقبة و الوقاية.
إن الطفل الذي يجرب حظه مع "سيجارة حشيش" اليوم، قد يتحول بعد سنوات قليلة إلى مدمن ضائع، فاقد للأمل، محبط العزيمة أو مشروع مجرم تدفعه المتابعة القضائية إلى متاهات لا مخرج منها.
ثانيا: أسباب الإنحدار — أين أضعنا البوصلة؟؟؟
لا يمكن أن نفصل إنتشار المخدرات عن السياق الإجتماعي العام.
فالشباب الذي يعاني من البطالة، و من إنسداد الأفق، و من غياب العدالة الإجتماعية، يصبح فريسة سهلة لشبكات ترويج أقوى منه.
فالعائلة — في كثير من الأحيان — منهكة إقتصاديا، مشغولة بتأمين القوت اليومي، أو غارقة في خلافاتها و فوضاها العارمة الداخلية، تاركة أبناءها عرضة لتأثير الشارع و لإغراءات الإنحرافات و التفاهة.
كما أن المدرسة تراجعت عن دورها التوعوي، و إنشغلت بالمناهج و الإمتحانات.
أما الإعلام غيبقى ضعيف في أدائه و وظيفته التوعوية، منشغلا في المقابل بتسويق ثقافة التفاهة و الفراغ و السفاهة .
أما الدولة، فبالرغم من جهودها التشريعية و الأمنية، فإنها لم تعلن بعد حالة الطوارئ الوطنية الحقيقية لمواجهة الإدمان كما أعلنتها لمواجهة أوبئة أخرى أقل خطورة.
و هكذا تكوّنت “الحلقة الجهنمية”:
الهشاشة الإقتصادية → الفراغ الزمني الشبابي → غياب البدائل الثقافية و الرياضية → شبكات ترويج محترفة → إدمان → ضياع → أسر محطمة → مما ينتج عنه مجتمع مهدد في عقر بيته.
ثالثا: خطورة أنواع المخدرات الجديدة — موت سريع بثمن بخس:
ظهرت في السنوات الأخيرة أنواع مبتكرة من المخدرات، أخطرها:
*)الأقراص المهلوسة التي تغير السلوك في دقائق، و تزرع العنف في العقول و اجنحه بالمتعاطي إلى إرتكاب الكثير من المصائب دون وعي منه لإنفصاله عن الواقع.
*)مخدرات خليطة مصنوعة بمواد كيميائية رخيصة، قادرة على تدمير الأعصاب في أيام معدودة.
*)"الشيشة المنكهة" التي يعتقد الكثير أنها مجرد تدخين بريء، بينما نتائجها الصحية و النفسية أشد تدميرا من السجائر نفسها.
فبعض هذه المواد يباع بثمن لا يتجاوز عشرة دراهم، مما يجعلها في متناول طفل لم يتجاوز المرحلة الإبتدائية، ليجعل منه مذمنا في المستقبل بصورة ذكية.
نحن أمام “جيل جديد من السموم” يقتل أسرع، و ينتشر بصورة أوسع، و يستهدف أصغر الفئات العمرية، التي لا تدرك خطورة البلاء.
رابعا: مسؤولية الدولة — حين يصبح التردد في مواجهة السموم جريمة صامتة:
إن مكافحة المخدرات ليست مسؤولية الأمن وحده؛ بل مسؤولية الحكومة بالكامل، بمنطق تفعيل السياسة العمومية المتكاملة، و لهذا الغرض، فالدولة .
تحتاج إلى:
1) تعديل القوانين بما يجعل الإدمان مرضا يعالج، لا ذنبا يعاقب فقط.
2) توسيع المراكز العلاجية في المدن و القرى على حد سواء في ظل تحقيق العدالة المجالية في كل المنشآت و المرافق العمومية، بدل ترك عائلات بأكملها تواجه المأساة لوحدها.
3) حملات توعية وطنية مستمرة داخل المدارس و الإعلام، لا حملات مناسباتية تتبخر بعد أسبوع.
4) سياسات بديلة للشباب: مراكز رياضية مجانية، برامج ثقافية، تشجيع الإبداع، خلق فرص عمل حقيقية.
5) تجفيف منابع تجارة السموم عبر ضرب شبكات التهريب الضخمة، لا الإكتفاء بمطاردة المروج الصغير، الذي يكون بدوره ضحية الهشاشة النفسية و الإقتصادية.
فالدولة التي تغفل عن حماية عقل شبابها، تجازف بمستقبلها، و بقوة إنتاجها، و برأس مالها البشري في أوج مرحلة عطائه.
خامسا: مسؤولية المجتمع و الأسرة — لا نجات لأحد ما دام الإبن ضائعا:
هنا نؤكد على أن المجتمع بكل مكوناته يتحمل جزءا من المسؤولية.
فالسكوت عن المروجين، و التساهل مع جلسات “الحشيش” داخل المنازل، و إعتبار الإدمان “مرحلة مراهقة” هو أكبر خطأ نقترفه في حق أبنائنا، لهذا و عليه وجب على الآباء أن يستعيدوا دورهم ب:
#الإنتباه للسلوك اليومي
#فتح باب الحوار والثقة
#مراقبة التغييرات النفسية
#عدم تبرير السلوكيات الخطيرة
و على المثقفين، المؤثرين، الإعلاميين، و جمعيات المجتمع المدني، أن يتحولوا إلى صوت يقظ يحذر و يكشف و يربي، بدل صناعة محتوى تافه يغذي الفراغ و يساهم في نشر التفاهة و السذاجة و السفافة.
سادسا: مقترحات عملية لإنقاذ شباب البلاد:
1) إطلاق برنامج وطني دائم لمكافحة الإدمان مدعوم بميزانية قارة سنوية.
2) إدماج التربية الإدمانية في المناهج المدرسية عبر حصص ثابتة.
3) إنشاء خريطة رقمية وطنية للمروجين و تحديثها يوميا بتعاون الشرطة و المجتمع و الكوتش و الأطباء النفسانيين.
4) فرض رقابة صارمة على محيط المدارس و زيادة الأمن المدرسي داخل المؤسسات.
5) إطلاق مراكز للوقاية المبكرة داخل كل جماعة ترابية.
6) تفعيل دور المساجد و الجمعيات و المجتمع المدني في حملات ميدانية.
7) خلق بدائل حقيقية للشباب: نواد رياضية مجانية، و رشات فنية، مسارات تدريب مهني، فرص تشغيل.
8) متابعة نفسية مجانية للمراهقين و الشباب المعرضين للإدمان، لأنه لايمكن لنا الوصول إلى وطن قوي بشباب محطم و مكتئب و منحرف وراء الإذمان.
إننا اليوم أمام لحظة تاريخية حاسمة.
إما أن نتعامل مع الإدمان باعتباره أولوية وطنية،
وإما سنستيقظ بعد سنوات على مجتمع يعاني من جيل تائه، مضطرب، فاقد للأمل، لا يقدر على تحمل مسؤولية نفسه، فكيف ببناء وطن؟
فالمخدرات ليست “قصة أفراد” بل قضية وطن بأكمله.
و شباب المغرب ليسوا أرقاما في تقارير… إنهم القلب الذي إن تعطل، تعطل الجسد كله.
فلنرفع جميعا الصوت،
و لنطلق صرختنا،
لنحمي أبناءنا…
قبل أن نخسر ذواتنا و كل الوطن.

