إحسان حافظي: استراتيجية التعاون جنوب–جنوب منحت مبادرة الحكم الذاتي بعدًا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا متكاملًا
بقلم علي طربوز
احتضنت كلية العلوم القانونية والسياسية بجامعة الحسن الأول بسطات، صباح يوم الجمعة 26 دجنبر 2025، ندوة وطنية تحت عنوان: «خمسون سنة من استرجاع الأقاليم الجنوبية: ديناميات التنمية الترابية والاستثمار الواعد»، نظمت بشراكة مع مختبر العلوم القانونية والسياسية والإنسانية والتحول الرقمي، والمرصد المغربي للأبحاث والدراسات في العقار والتنمية.
وشهدت الجلسة الافتتاحية للندوة مداخلات لكل من عبد اللطيف مكرم، رئيس جامعة الحسن الأول، وحسنة كجي، عميدة كلية العلوم القانونية والسياسية، إلى جانب البشير الدخيل، رئيس منتدى البدائل للدراسات الصحراوية، حيث أكد المتدخلون على أهمية الأقاليم الجنوبية كرافعة للتنمية والاستثمار وفضاء استراتيجي لتعزيز مكانة المغرب إقليميًا وقاريًا.
🟫 سياسة جنوب–جنوب: بديل استراتيجي
وانطلقت أشغال الجلسات العلمية المؤطرة من طرف أساتذة وخبراء، حيث تميزت الجلسة الأولى بمداخلة للدكتور إحسان حافظي، الأستاذ الباحث بجامعة محمد الخامس بالرباط، بعنوان: «سياسة جنوب–جنوب: نحو عمق إفريقي للجوار المغربي»، والتي لاقت تفاعلًا واسعًا من طرف الحضور.
وأوضح حافظي أن التحول المغربي نحو اعتماد استراتيجية التعاون جنوب–جنوب جاء كخيار بديل بعد تعثر تجربة اتحاد المغرب العربي، التي فشلت، حسب تعبيره، بفعل الخلافات السياسية والصراعات حول القيادة، ما أدى إلى تعطيل كل آليات التكامل الاقتصادي بين دول المنطقة.
🟫الذكاء الترابي ورهان الحكم الذاتي
وأشار المتدخل إلى أن التوجه نحو الجنوب استند إلى مفهوم الذكاء الترابي، أي توظيف الموقع الجغرافي والجاذبية الاستراتيجية للمغرب عمومًا، وللأقاليم الجنوبية على وجه الخصوص، من أجل خلق دينامية تنموية جديدة، تجعل من مبادرة الحكم الذاتي آلية لتسريع الاندماج الاقتصادي والتكامل الإقليمي، خاصة مع دول الساحل ودول غرب إفريقيا، وعلى رأسها بلدان مجموعة «إيكواس».
وأكد أن سياسة جنوب–جنوب شكلت إجابة استراتيجية عن إشكالات متعددة المستويات، تشمل النزاع المفتعل حول الصحراء على المستوى المحلي، وأزمة الدولة في المجال الحيوي جنوب الحدود المغربية على المستوى الإقليمي، إضافة إلى التحدي الدولي المتعلق بتعبئة الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي، في انسجام مع القرارات الأممية الأخيرة.
🟫محددات جيوسياسية واقتصادية وأمنية
وبنى الدكتور حافظي مداخلته على ثلاثة محددات جيواستراتيجية كبرى، تجمع بين الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية.
فعلى المستوى الجيوسياسي، أبرز أهمية عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي ومؤسساتها، وتقديم طلب الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، إلى جانب إعادة رسم النفوذ السياسي المغربي داخل محيطه الإفريقي. كما توقف عند انخراط دول الساحل في المبادرات المغربية، خاصة مبادرة فتح الواجهة الأطلسية أمام هذه الدول، وإطلاق مجموعة إفريقيا الأطلسية.
وأضاف أن الهدف من هذه التحركات هو تعزيز النفوذ الجيوسياسي للمغرب، وفك العزلة الجغرافية عن دول الساحل، وتحويلها من دول حبيسة إلى فضاءات منفتحة على المحيط الأطلسي، وهو ما كرسه الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء، الداعي إلى تأهيل المجال الساحلي الوطني، بما فيه الواجهة الأطلسية للأقاليم الجنوبية.
🟫الاختراق الاقتصادي ورهانات الطاقة
أما على المستوى الاقتصادي، فقد شدد المتدخل على أن المغرب اعتمد آلية التغلغل الاقتصادي داخل دول غرب إفريقيا، حيث بات من أبرز المستثمرين في المنطقة باستثمارات تناهز 6 مليارات دولار. كما أبرز الأهمية الاستراتيجية لمشروع أنبوب الغاز المغرب–نيجيريا، الذي يربط أكثر من 13 دولة، ويستهدف أزيد من 400 مليون نسمة، محولًا المغرب إلى معبر استراتيجي للطاقة نحو أوروبا.
وأوضح أن هذا التوسع الاقتصادي يهدف إلى تعزيز استقلالية القرار السياسي لدول المنطقة عبر القطع مع التبعية الاقتصادية، رغم ما يرافق ذلك من تحديات وتوترات مع قوى دولية، من بينها فرنسا وروسيا وجنوب إفريقيا، مقابل اعتماد مقاربة «رابح–رابح» مع الصين، وتعزيز التعاون الأمني مع الولايات المتحدة في إطار مكافحة الإرهاب والتطرف.
🟫البعد الأمني والعسكري
وفي ما يتعلق بالبعد الأمني والعسكري، أكد حافظي أن المغرب بات يتعامل مع منطقة الساحل باعتبارها مجالًا أمنيًا حيويًا، ما يستوجب استقرارًا دائمًا وإبعادها عن بؤر الصراع. وفي هذا السياق، أطلق المغرب عدة مبادرات، من بينها مناورات «الأسد الإفريقي» بشراكة مع الولايات المتحدة ومشاركة دول إفريقية، إلى جانب احتضان مقر الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، ومواكبة دول المنطقة في مواجهة التطرف العنيف.
كما ربط المتدخل بين تصاعد الإرهاب وانتشار النزعات الانفصالية في إفريقيا، معتبرًا أن القارة تشهد اليوم نشاط أكثر من 17 حركة انفصالية، ما أفرز نموذجًا جديدًا لتحالف الإرهاب والانفصال، في ظل تصاعد المؤشرات الأمنية المقلقة بمنطقة الساحل خلال سنة 2025.
🟫الحكم الذاتي كمدخل للاستقرار
وختم الدكتور إحسان حافظي مداخلته بالتأكيد على أن استراتيجية التعاون جنوب–جنوب منحت مبادرة الحكم الذاتي زخمًا سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا غير مسبوق، حيث لم يعد المقترح المغربي يُنظر إليه فقط كحل لنزاع إقليمي مفتعل، بل كمدخل حقيقي للتكامل الاقتصادي، وتعزيز الاستقرار والأمن على مستوى القارة الإفريقية.

