✍️جرة قلم ✍️ الحلقة الثانية عشر:التعثرات البنيوية في تدبير المشاريع المحلية بين تعقيدات المساطر الإدارية و عبث الصراعات السياسية - حد السوالم نموذجا
برشيد نيوز: بقلم ذ.نجاة زين الدين
في الزمن الذي تتسارع فيه حاجيات المواطن و تتشابك فيه أولويات التنمية، تقف العديد من الجماعات الترابية في المغرب عاجزة، أو شبه عاجزة، عن مواكبة إيقاع التحولات، عجز لا يفسر دائما بقلة الموارد أو ضعف الإمكانيات، بل غالبا بأمراض بنيوية ضاربة في العمق، تبدأ من تعقيدات المساطر الإدارية و لا تنتهي عند الصراعات السياسية الصبيانية التي تجهض أي إرادة إصلاحية جنينية.
أولا: تعقيدات المساطر الإدارية… حين تتحول قواعد الجودة إلى مقصلة للتنمية:
من حيث المبدأ، تعد المساطر الإدارية إحدى ضمانات الجودة، و الحكامة، و النجاعة في التدبير، لكن المبدأ شيء، و واقع الحال شيء آخر: فالكثير من المشاريع المحلية تتعثر لسنوات طويلة، لا لأن الدراسات رديئة، أو لأن التمويل غير متوفر، بل لأن مسار الموافقة عليها يشبه رحلة التيه البيروقراطي اللامفسر:
*)مرة بسبب التدقيق المبالغ فيه في الوثائق التقنية.
*)و مرة بسبب تضارب التأويلات القانونية بين المصالح المركزية و الإقليمية.
*)و مرة ثالثة — وهي الأخطر — بسبب التسويف المقصود من جهات وصية تستعمل سلطة “التأشير” كسلاح سياسي، لا كآلية للمراقبة المشروعة.
و حين تختزل التنمية في ختم إداري، يصبح المشروع رهينة مزاج موظف، أو حسابات فصيل سياسي، أو صراع خفي بين لوبيات تبحث عن مواقع نفوذ داخل الرقعة الترابية.
ثانيا: الأجندات السياسية الضيقة… حين تتحول الجماعات إلى ساحات لتصفية الحسابات:
لا يمكن الحديث عن تعثرات المشاريع دون الحديث عن الضغائن الحزبية، فالجماعات الترابية كثيرا ما تتحول إلى مربع صراع لا ينتهي، تستنزف فيه الطاقات، و يخنق فيه المنتخب النزيه، و تجهض فيه المبادرات.
إن ما تعيشه العديد من الجماعات هو صورة قاتمة من التراشق المجاني و التخوين المتبادل و الإتهامات بالفساد بلا أدلة، مما يخلق مناخا مسموما ينسف الثقة، و يحبط الإرادات الطموحة.
فحين ينشغل المنتخبون بـ"الحسابات الصغيرة" تضيع "الأولويات الكبيرة":
تضيع البنية التحتية، و النظافة، و الصحة، و التعليم، و الطرق، و الصرف الصحي… و تضيع معها سنوات من عمر المدن و الكثييييير من الزمن السياسي الذي يجمد أو الذي يهدر في هامش القضايا المحورية العالقة.
ثالثا: حين يدار ظهر الجماعات لهموم الناس، يبقى المواطن هو الضحية الأولى:
يفترض أن يكون المواطن مركز إهتمام المنتخبين، لكن واقع الحال يظهر العكس، فالكثير من المجالس تتقاذفها النرجسية السياسية، ويتيه منتخبوها في متاهات الصراع بدل التركيز على لب الإشكاليات البنيوية التي يئن تحتها السكان:
*)تهميش
*)غياب المشاريع
*)نقص المرافق
*)هشاشة في الخدمات
*)غياب رؤية متكاملة.
ليقف المواطن في النهاية وحيدا، يراقب العبث، ليطلب منه فيما بعد أن يجدد الثقة فيمن خذلوه، و أن يصوت لأحزاب راكمت الفشل، بينما حقه في التنمية يؤجل بلا نهاية...
رابعا: منتخبون بلا كفاءة… أمية سياسية تسيء إلى مستقبل المدن:
من غير المعقول أن تستمر بعض الجماعات في إنتاج رؤساء و منتخبين يفتقرون إلى:
*)المستوى التعليمي المناسب
*)القدرة على قراءة ملف تقني
*)فهم الهندسة المالية
*)إستيعاب فلسفة السياسات العمومية
*)أو حتى أساسيات التواصل مع الساكنة.
فحين تسند القيادة لمن لا يملك أدوات القيادة، يصبح الفشل أمرا طبيعيا، و يبقى التعثر قاعدة، و الإرتباك حقيقة يومية.
لهذا يصبح من الضروري — بل من الملح — فرض سقف تعليمي واضح للترشح لرئاسة الجماعات، فالتنمية لا تدار بالعشوائية، و لا بالجهل، و لا بالإرتجال.
خامسا: حد السوالم نموذجا… مدينة تعيش على هامش التنمية بسبب الصراعات المجانية:
جماعة حد السوالم واحدة من النماذج الصارخة لما يمكن أن تنتجه الصراعات السياسية العبثية من إنحدار تنموي.
مدينة مهمة، حيوية، صناعية، تحتل موقعا إستراتيجيا، و تتوفر على إمكانات ضخمة، لكنها تعيش:
*)صراعات داخلية مستمرة داخل المجلس
*)إتهامات متبادلة بلا أدلة
*)غياب أي توافق على أولويات المدينة
*)إنشغال المنتخبين بـ"القشور" بدل "لب الإشكاليات المطروحة"
*)إقصاء واضح من برامج الدولة بسبب ضعف المرافعة الجماعية
*)تعطل ملفات حيوية بسبب سوء التنسيق مع الجهات الوصية و بين أعضاء المجلس، الذي تتأكل حيويته و ديناميكيته في التراشق و القيل و القال الأجوف
*)تراجع ثقة المواطن في مؤسساته المنتخبة.
و المؤلم أن حد السوالم، بصفتها رابع قطب صناعي و وجهة إستثمارية جد مهمة، كان يفترض أن تكون في مقدمة المدن صعودا، لكنها اليوم تبحث عن تعريف لأبسط حقوقها في البنية التحتية، و النظافة، و الطرق، و المرافق الأساسية.
والسبب؟
مجلس مشغول بـ"الهوامش"، و منتخبون ممزقون بين أحزابهم و صراعاتهم بدل الإنكباب على خدمة المدينة و مواطنيها و التطلع إلى مستقبلها. مع محاولة النيل من إرادة كل العناصر الثواقة إلى التحرر من سلبية وهجانة الوضع العام للمدينة وتصفيد إرادة من يريد الإشتغال بجدية بسبب نفث سموم الإحباط وعرقلة العمل وبرمجة المشاريع.
سادسا: كيف نغير مسار العمل داخل الجماعات الترابية؟
التغيير لا يحدث بالصدفة، بل بالقرار. و لا يتحقق بالشعارات، بل بالإجراءات.
و هنا أتقدم إليكم بمجموعة من المقترحات العملية:
1) إصلاح نظام إنتخاب المنتخبين:
*)وضع شرط تعليمي واضح لمنصب الرئيس و نوابه.
*)إعتماد مباريات تكوينية إجبارية للمنتخبين الجدد.
*)منع الترحال السياسي بصرامة، إلا إذا ما تبين تعارض الإستمرار داخل الحزب مع خدمة الصالح العام للمواطن و للجماعة.
*)ربط الدعم الحزبي للمترشح بسجله الأخلاقي و الكفاءة المهنية.
2) تبسيط المساطر الإدارية و تسريعها:
*)رقمنة كل مسارات الموافقة على المشاريع.
*)تحديد آجال قانونية ملزمة للإدارات المعنية.
*)إحداث “لجنة إستعجالات التنمية” داخل الوزارة الوصية.
3) تفعيل حقيقي لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة:
*)محاسبة رئيس الجماعة و نوابه على أساس مؤشرات منجزة لا وعود قيلت أو مقدمة.
*)نشر تقارير نصف سنوية حول تقدم المشاريع.
*) القيام بندوة صحفية دورية لإبلاغ مواطن الجماعة بتطور الأشغال و بمواقع التعثر، ليصبح بدوره شريكا في الترافع.
*)تفعيل آليات العزل في حالة التقصير الجسيم.
4) تعزيز مشاركة المجتمع المدني في الرقابة:
*) فتح جلسات المجالس للعموم و الإبلاغ عنها أسبوعا مسبقا ليتسنى لكن يهمه الأمر الحضور و الإطلاع عن كثب على محاور النقاش.
*)إشراك الهيئات المدنية في صياغة الأولويات.
*)نشر كل الصفقات و الطلبات العمومية للعموم.
5) إصلاح ثقافة المواطن:
*) الإستثمار في تكوين المواطنين حول دور الجماعات.
*)حملات توعوية بأن الصوت الإنتخابي أمانة لا يباع بثمن بخس و لا يشترى مهما كانت السومة المقدمة.
*)دعم المرشحين النزهاء لا المرشحين السخيين لحظة الإقتراع.
سابعا: ما هو الأثر الفعلي للمنتخب الكفء؟؟؟
المنتخب الكفء ليس مجرد ممثل، بل هو:
*)صوت مدينته أمام الحكومة.
*)مفاوض و مترافع قوي داخل أقسام و جلسات مناقشة السياسات العمومية
*)صاحب رؤية قادرة على تغيير مصير مدينة بأكملها بقوة مقترحاتها و ديناميكيته
*)عنصر أساسي في تحديد أولويات الإستثمارات
*)طاقة قادرة على جلب التمويل و تعبئة الشركاء.
****الحصيلة:مدينة واحدة قد ترتقي أو تنحدر فقط لأن المنتخب كان كفئا… أو كان ضعيفا***.
متى نصل إلى*** التغيير الحقيقي؟؟؟؟***
**نصل إليه حين يدرك المنتخب أنه خادم و منتذب من المواطن لا خادما للحزب.
**نصل إليه حين يدرك المواطن أن صوته ليس سلعة، بل سلطة.
**نصل إليه حين تتوقف الوزارات الوصية عن إستعمال المساطر كسياط سياسي في ظل الإملاءات الحزبية الضيقة.
**نصل إليه حين يختفي التخوين، و يظهر التعاون و تتآزر المجهودات و تتظافر النوايا الحسنه.
**نصل إليه حين تصبح الجماعة الترابية فضاء للعمل لا حلبة للصراع.
فحينها فقط يمكن لمدن مثل حد السوالم أن تستعيد حقها في التنمية، و حقها في الهيكلة البنيوية، و حقها في الإستثمارات العمومية و الخاصة، و حــقـــها فــي الحـــيــــاة.

