عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

شيخ الكلام… حين تولد الحكاية كل عام

شيخ الكلام… حين تولد الحكاية كل عام

برشيد نيوز : عبدالرحيم مكرم

في ركن دافئٍ من فضاءات المعرض الدولي لكتاب الطفل والشباب بالدار البيضاء، ووسط أمواج من صغار يجرون ظلال الدهشة، وقف شيخ الكلام يحتفل بسنته الثالثة… ثلاث سنوات كاملة من الحكاية، ومن البهاء، ومن السفر بين الكلمات كما يسافر الدراويش بين المقامات.

لم يكن شيخ الكلام شخصية عابرة، ولا مجرد لباس تنكري يبهج الصغار لساعة ثم ينطفئ. لقد جاء — مذ ولد في النسخة الأولى للمعرض — بوصفه روحا تمشي على قدمين، وذاكرة من حروف طيعة، وسفيرا للطيبة المغربية في أبها صورها. بعمامته البيضاء، وعباءته التي تشبه صفحة كتاب قديم،أو سلهامه الذي يتوشى بلون الوطن، وبصوته الذي يتأتى من زمن الحكائين، صار الشيخ علامة، وصار حضوره طقسا ينتظره الجميع… كبارا وصغارا.

في عيده الثالث، بدا شيخ الكلام كمن يطفئ شمعة لا تنطفئ، بل تشعل عاما جديدا من الفرح. وقف وسط الأطفال، رفع يده متشمما رائحة القصص، ثم قال بصوت يلمع كالنور في قنديل قديم:

"يا صغاري… في الحكاية نكبر، وفي الكلمة نزداد بهاء. لا تخافوا من الكتاب… فالكتاب باب، ومن يطرقه يدخل نفسه أولا."

كان سجعه ينساب مثل ماء يمر بين الأحجار، ليترك وراءه أثرا لا يمحى.

مرة ينشد الحكمة،ومرة يروي سيرة مدينة لم تولد بعد،ومرة ينسج خرافة من خيط ضوء، ثم يضحك ويقول:"الحكاية يا أبنائي ليست كذبا… إنها صدق بلباس أجمل."

في عامه الثالث، ازدادت قصصه نضجا كما ينضج العود في صدر العازف.

حكى عن البحر الذي يشبه قلب الإنسان: هادئا حينا، هائجا حينا، لكنه يحمل دائما سر الحياة.

حدثهم عن الشجرة التي لا تسأل الواقف تحت ظلها عمّن يكون، فهي تمنح ظلها للجميع.

وروى أكثر ما روى عن وطن يشبه أما تضع أبناءها تحت جناح المسيرة، وتقول لهم:"كونوا نورا… فالطريق طويل، والبلاد تستحق."

في عيده الثالث، لم يكن الاحتفال احتفاء بعمر يقاس بالسنين، بل بعمر يقاس بقدر ما تركه الشيخ من أثر في النفوس.

فالطفل الذي سمع حكايته في السنة الأولى، عاد اليوم وهو أطول قامة، وأوسع خيالا.

والطفلة التي خجلت من السؤال، صارت اليوم ترفع يدها وتقول:

"شيخي… هل للحكاية نهاية؟"

فيبتسم، ويجيب:"النهايات يا صغيرتي لا تكتب بالحبر… النهايات يكتبها القارئ في قلبه."

هكذا أطفأ شيخ الكلام شمعته الثالثة…

لا بقهقهة صاخبة، بل بوقار الحكيم الذي يعرف أن الضوء الحقيقي ليس فوق الكعكة، بل في العيون التي تلمع أمامه.

ومع كل شمعة تنطفئ، تولد في حضرته حكاية جديدة، تخرج من عباءته كما تخرج الطيور من قفص طال اشتياقها للسماء.

ثلاث سنوات إذن…

لكن أثره أكبر من السنوات،

وصوته أبعد من القاعات،

وحكايته — كما هو — ستظل تمشي بين الأطفال… بخطوات من نور.







Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية