عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

عبد الرزاق بن شريج.. هل أتاك حديث المادة 28 من النظام الداخلي؟

عبد الرزاق بن شريج.. هل أتاك حديث المادة 28 من النظام الداخلي؟

بين روح القانون وجمود النص: قراءة في فلسفة النصاب القانوني وانتظار الساعة في النظام الداخلي النقابي لنقابة ما.

مدخل: النصاب بين الشكل والمضمون

يفترض في النصاب القانوني أن يكون ضمانةً للشرعية الديمقراطية داخل التنظيمات النقابية والسياسية، لا مجرد رقمٍ أو إجراءٍ شكلي، فالمقصد الأسمى من اشتراط النصاب هو تحقيق الحضور الفعلي والمشاركة الواعية، حتى تعبّر القرارات عن إرادة جماعية حقيقية، لا عن إرادة الأقلية أو الفرد.

غير أن المادة 28 من نظام داخلي لنقابة ما – تنص على الآتي:

"تعقد مؤسسات النقابة اجتماعاتها بعد تحقق النصاب القانوني بحضور نصف أعضائها زائد واحد، فإن تعذر ذلك تعقد بمن حضر بعد مرور ساعة واحدة من توقيت انطلاق الاجتماع المحدد سلفا في الدعوة" - 

تثير تساؤلاً جوهريًا حول الغاية القانونية والتنظيمية من “انتظار ساعة”، وهل يتحقق بذلك المقصد الديمقراطي للنصاب أم يُفرغ النص من روحه وفلسفته؟

روح القانون في اشتراط النصاب

روح القانون، بخلاف شكله، تنبع من مقاصده ومآلاته، أي مما يرمي إليه واضع النظام من ضمان المشاركة الواسعة وتمثيل الإرادة الجماعية تمثيلاً فعليًا؛

وفي هذا الإطار، فإن تأجيل الاجتماعات في التجارب الديمقراطية لا يُقصد به مجرد الترتيب الإجرائي، بل هو وسيلة لفتح مجالٍ زمني كافٍ لتدارك الغياب وإعادة إشعار الأعضاء وتوسيع قاعدة المشاركة.

أما النص الذي يجعل الانتظار مجرد ساعة واحدة في اليوم نفسه والمكان نفسه، فهو - رغم التزامه الشكلي النسبي بالترتيب - يُفرغ الفلسفة القانونية من مضمونها، إذ لا يحقق فعليًا مبدأ “الفرصة الثانية” التي تبرر انعقاد الدورة الثانية في الأصل.

الغرابة القانونية في "انتظار الساعة"

من زاوية فلسفة القانون، يمكن القول إن الانتظار لمدة ساعة واحدة فقط:

1- لا يتيح زمنًا معقولًا لتمكين الأعضاء من الالتحاق بالاجتماع؛

2- لا يحقق مبدأ التدرج الزمني المقصود في قاعدة النصاب القانوني، والتي تُبنى عادة على مبدأيْن:

المحاولة الأولى: تشترط النصاب الأعلى (النصف زائد واحد).

المحاولة الثانية: تُعقد بعد مدة معقولة (أسبوع، أو أسبوعين حسب إمكانات الاتصال القانوني، وبعد سكن الأعضاء عن مقر الاجتماع)، وتُقبل بمن حضر؛

3- يحصر مفهوم “الدورة الثانية” في مهلة شكلية آلية، دون مضمون ديمقراطي أو بعد تشاركي، مما يحول النص إلى مجرد غطاء إجرائي لانعقاد الاجتماع بمن حضر، دون الالتزام بروح المشاركة؛

4- يفتح الباب للتأويلات والشكوك، بدل تعزيز الثقة التنظيمية؛

5- يُنتج انطباعًا سلبيًا يوحي بأن النص وُضع للتحايل على المشاركة لا لتكريسها.

مقارنة مع الفلسفة القانونية في الأنظمة الديمقراطية

في الأنظمة النقابية والسياسية المقارنة - بل وحتى داخل بعض التنظيمات المهنية المغربية - يُشترط في الدعوة إلى الدورة الثانية:

مرور أجل معقول (من أسبوع إلى أسبوعين على الأقل)؛

تجديد الدعوة أو الإخبار بالموعد الجديد؛

ضمان مبدأ العلنية والشفافية في الإخبار.

كل ذلك لضمان أن المشاركة فعل إرادي واعٍ، لا مجرد نتيجة لانتظار شكلي في قاعة مغلقة.

وهنا تبرز ضرورة توجيه الاستدعاء الثاني لكل دورة على حدة، إذ لا يجوز قانونيًا ولا منطقيًا الاكتفاء باستدعاء واحد لدورتين مختلفتين. فالمادة 28، فإذا فكرنا بعقد دورتين في اليوم نفسه، تُرتّب بذلك خرقًا شكليًا واعتداءً جوهريًا على حق الأعضاء الذين منعتهم ظروفهم أو التزاماتهم من الحضور، أو حتى أولئك الذين اختاروا الغياب للتعبير عن موقفٍ تنظيميٍّ مشروع، فالدعوة الثانية ليست إجراءً شكليًا بل حقٌّ مضمون، يترتب عليه إشعار جديد وفرصة جديدة للمشاركة.


أثر النص على الشرعية التنظيمية

اختزال فلسفة النصاب في مهلة زمنية قصيرة يُنتج شرعية شكلية هشّة، لأن:

1- القرارات المتخذة بعد مرور الساعة قد تكون صحيحة شكلاً، لكنها فاقدة للمشروعية من حيث روح المشاركة؛

2- يظل المجال مفتوحًا للطعن في صحة الاجتماعات وقراراتها أمام القضاء الإداري أو العادي؛

3- يفقد التنظيم مصداقيته الديمقراطية حين يتحول النص إلى وسيلة لتجاوز ضعف الحضور بدل معالجته.

التأويل الممكن لروح النص

من باب حسن النية، يمكن القول إن النص يروم تحقيق المرونة التنظيمية وتفادي تعطيل المؤسسات، غير أن المرونة لا تعني التحايل على المشاركة، بل تقتضي تحفيزها وتنظيمها بآجال واقعية؛

فالانتظار لمدة ساعة واحدة لا يحقق “الغاية” التي من أجلها وُضعت قاعدة النصاب المزدوج، بل يحولها إلى طقس رمزي بلا مضمون ديمقراطي.

نحو قراءة إصلاحية للمادة 28

لتحقيق التوازن بين الفعالية النقابية والشرعية الديمقراطية، يُستحسن تعديل النص ليصبح كالآتي:

“تعقد مؤسسات النقابة اجتماعاتها بعد تحقق النصاب القانوني بحضور نصف الأعضاء زائد واحد، وفي حالة عدم اكتمال النصاب، يؤجل الاجتماع إلى موعد لاحق لا يقل عن أسبوع، يتم فيه تجديد الدعوة، ويكون الاجتماع الثاني صحيحًا بمن حضر.”

هذا التعديل يحقق المقاصد التالية:

تمكين زمن واقعي للمشاركة عبر الوسائل الحديثة للتواصل؛

احترام مبدأ الدعوة المتجددة؛

ضمان التوازن بين استمرارية المؤسسة ومصداقية قراراتها.

خاتمة

إن روح القانون تقتضي أن يكون النصاب وسيلة لترسيخ المشاركة والمسؤولية الجماعية، لا مجرد شكل إجرائي لتبرير الانعقاد بمن حضر.

أما “انتظار الساعة” كما نصت عليه المادة 28، فيمثل اختزالًا بيروقراطيًا لمفهوم الديمقراطية الداخلية، ويُفرغ النص من حكمته الأصلية.

لذلك، فإن مراجعة هذه المادة – وغيرها من النصوص المشابهة – ليست ترفًا تنظيميًا، بل ضرورة قانونية لضمان شرعية القرار النقابي واستعادة الثقة في مؤسساته.

ولنا عودة لقراءة اختلالات أخرى تحتاج إلى حكمة تضع المؤسسة فوق كل التصورات الضيقة التي لم تدرك بعد معنى فصل الذات عن الموضوع في العمل النقابي.

عبد الرزاق بن شريج

Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية