✍️ جـرة قلـم ✍️ الحلقة العاشرة : جيل Z المغربي… صرخة كرامة في وجه الصمت الرسمي
برشيد نيوز : بقلم نجاة زين الدين
في السنوات الأخيرة، بزغ نجم جيل جديد من الشباب المغربي، ولد مع الألفية الثالثة، و عرف عالميا بإسم جيل Z. هذا الجيل الذي تشكل وعيه في زمن العولمة الرقمية، و ترعرع في فضاء مفتوح على قيم الحرية و الكرامة و العدالة و المساواة و الإختلاف، جيل لم يعد يقبل العيش في قوقعة الصمت التي ورثها عن أجيال سابقة، فهؤلاء الشباب، أبناء الهواتف الذكية و الشبكات الإجتماعية، لم يعودوا يقبلون بفتات الوعود و لا بترقيع السياسات العمومية الفاشلة و الفاسدة، بل رفعوا راية المطالبة بكرامة معيشية و عدالة إجتماعية و مجالية حقيقية.
1)من هم جيل Z؟ و كيف تشكلت حركتهم؟
جيل Z المغربي هو شريحة عمرية تضم الشباب الذين ولدوا ما بين منتصف التسعينيات و بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة، أي الفئة التي تتراوح أعمارها اليوم ما بين 16 و30 سنة تقريبا، جيل/ ضحية قدر له أن يأتي في زمن إنتشار المخدرات(البوڤا، الإكستاز، الهروين...) و تمييع التفاهات(روتيني اليومي، و بهرجة التيكتوك الصاخبة، و كثرة الإغراءات و اللهيات...إلى أنه إستوعب اللعبة السياسية التي تدار بها البلاد، و إن لم يتأطر و يتنظم، إلا أنه فضل الثورة على ماهو سائد بعفوية و عشوائية بسبب ضغط و أثار كل ما يعانيه من ويلات الحݣرة و التفقير الممنهج و التهميش و الإقصاء المبرمج من آليات التمويل الخارجي التي أصبحت تقرر في سياساتنا الداخلية بإملاءاتها المجحفة و الظالمة...
إنهم جيل و أبناء المدارس العمومية التي تعاني من الإكتظاظ، و من بنيات تحتية دون المستوى، إنهم خريجو الجامعات التي أنهكتها قلة الموارد و ضعف المواصلات و الحضر المفروض على إطارهم و صوتهم النقابي( أوطم) و ضحايا سوق الشغل الذي يضيق بهم حتى في مواسم الإنفتاح الإقتصادي المزعوم، بسبب غياب موازنة تكوينية تستجيب لحاجيات سوق العمل، و خضوع هذا الأخير لوصاية (باك صاحبي أو شكون يخلص باش يبدا يتخلص)، لم تتشكل حركة جيل Z عبر تنظيمات حزبية أو نقابية تقليدية، بل عبر الفضاء الرقمي: مجموعات فيسبوكية، هاشتاغات تويترية، و قنوات تيك توكية و يوتيوبية، حيث يتنفسون حريتهم الخاضعة لرقابة مارك و من ولاه، أعناق كل المجتمعات العالمية...إنهم شباب يتقاسمون قصص همومهم و إقصائهم و تنكيل التهميش بهم و إلى ما يتعرضون له من تجارب البرامج الحكومية الفاشلة التي فرضت عليهم تقشفا إستثنائيا، هاته الأخيرة التي تطالب المجتمع بالمزيد من الصبر و تحمل الضغوطات الظرفية الإقتصادية الناتجة عن تدبيرها المفتقد الى الحكامة الرشيدة: فكيف لنا أن نعمم غرس الأفوكادو و الباباي بكل الحقول المغربية، و المواطن المغربي يحتاج في معاشه اليومي إلى: القمح و الخضراوات و القطاني، و كيف تغير وجهة إستهلاكه الأساسي الى اللحوم المبسترة و المحضرة صناعيا و بلادنا تتوفر على بحرين و كانت الى زمن قريب تملك أفضل جنس من الأبقار و المواشي، حتى تحولنا بقدرة قادر الى مستوردين لأرذل الأنواع و الأجناس...الخ نعم إجتمع جيل Z على نوافذ وسائل التواصل الإجتماعي ليحولها إلى دعوات ميدانية للإحتجاج السلمي، بغية إيصال صوتهم إلى من يهمهم الأمر.
2)مطالب واضحة…و كرامة بلا مساومة:
ما يريده هؤلاء الشباب لا يحتاج إلى لجن تفكير و لا إلى بلاغات رسمية، و لا إلى مقاربة أمنية قمعية، فكل ما يطالبون به هو:
*) توزيع عادل للثروات الطبيعية (الماء" لحدود الساعة هناك دواوير لا تتوفر على آبار فلولا عمل المحسنين و تبرعاتهم لما توفر ماء الشرب للمواطن في العديد من مناطق البلاد...الخ) و لكل خيرات البلاد الأخرى التي يتقاسم مردوديتها فقط من تمكنوا من إحتلال مراكز القرار، كما طالب جيل Z بالوضوح و الشفافية في تدبير الشأن العام لهذا الوطن الحبيب بإعطاء الأولوية للمشاريع التنموية الحقيقية: بإنشاء مصانع و معامل و مراكز للتكوين المهني مواكبة لراهنية زمن الرقمنة و التحول التكنولوجي الذي يعرفه العالم...الخ
*)تعليم عمومي مسؤول يضمن تكافؤ الفرص، لا تعليما طبقيا يكرس الفجوة بين أبناء النخب و بقية الشعب.
*)مستشفيات مجهزة تستجيب للحاجيات الصحية الضرورية للجماهير الشعبية، بدل طوابير الإنتظار و فضائح غياب الأطباء و الأدوية و إنعدام التجهيزات الأساسية أو تعطلها الدائم و إرتفاع عدد الموتى بكل المستشفيات و غياب المراقبة و لجن التتبع...
*)شغل كريم يمكنهم من بناء مستقبل بعيد عن البطالة المقنعة و الهشاشة الإجتماعية الإقصائية.
*)سكن لائق و معيشة كريمة في متناول الجميع تحفظ إنسانيتهم و تقيهم مرارة السكن العشوائي و غول هول سومة الكراء, ليستشعروا الإحساس بالأمان و الإستقرار، لا العكس.
فهذه المطالب ليست رفاهية، بل هي الحد الأدنى لعيش الحياة الطبيعية الكريمة في وطن يتغنى بالتنمية و الإزدهار في كل خطب المحافل الوطنية و الدولية، و يستثمر الملايير من الدراهم في إنشاء ملاعب لكرة القدم من أجل إحتضان كأس العالم، الذي لن تتعدى بهرجته أقصى حد ثلاثة أشهر ليجد المواطن نفسه مصلوبا من جديد على مقصلة التقشف الخطير و الأزمة الإقتصادية الخانقة، التي لم يسلم من آثارها الحالكة، سوى أصحاب القرار و المواقع الإقتصادية الكبرى...
3)الإحتجاج السلمي…و الرد الأمني الصادم:
بالأمس، شهدت مدن مغربية متعددة موجة من الإحتجاجات السلمية لجيل Z حيث خرج آلاف المواطنين شيبا و شبابا إلى ساحات و شوارع المدن المغربية، رافعين شعارات الحرية و الكرامة و العدالة الإجتماعية، مطالبين بأن يسمع صوتهم و تفتح قنوات الحوار معهم. لكن الدولة إختارت – كما في محطات سابقة – لغة العصا بدل لغة الحوار و صيغة التخوين بدل الإستماع و منطق الإستبداد بدل التدقيق في الأسباب الرئيسية للأزمة و توجيه الإنتقاد لمن تسبب فيها و لمن كان وراءها بسياساته اللاإجتماعية و اللاديمقراطية و اللاشعبية، لمحاسبته و تصحيح المسار المنفلث و الذي يتغدى فساده من بؤس الجماهير المسحوقة.
بحيت تدخلت قوات الأمن بعنف: إعتقالات عشوائية، و ملاحقات قمعية بإستعمال مفرط للقوة لتفريق التجمعات و تجمهرات من خرجوا إلى الشارع: شيبا و شبابا، نساءا و رجالا بكل الوسائل في لحظات تحولت ساحات المدن إلى مسارح قمع: بالرفس و الركل و السلح و السب و الشتم الذي يندى له الجبين، و كأن هؤلاء المحتحين هم أعداء للوطن لا أبناء منه و له.
4)ما كان يجب أن يكون… دولة تصغي لا تقمع:
في دول تحترم ذكاء شبابها، يكون الإحتجاج فرصة للحوار و إلتقاط الإشارت، لا ذريعة لتوظيف كل آليات القمع، بحيث كان الأجدر بالحكومة أن تفتح قنوات للتواصل الحضاري و الراقي، بأن تصغي إلى هذا الجيل الذي لم يعد يؤمن بالشعارات الجوفاء و لا بالتسويف الكاذب. "فجيل زد"ليس قنبلة موقوتة، بل طاقة خلاقة قادرة على دفع عجلة التغيير إذا ما أحسن إحتضانها و تم الإنصات إليها بإمعان و إهتمام.
6)بين القمع و الإنزواء… معركة الوعي مستمرة:
فعلى ما يبدو، فالسلطات المغربية في شخص مسؤوليها تراهن على سياسة الإحتواء القسري: بإخافة المحتجين، و إعتقال النشطاء، و دفع الشباب إلى الإنطواء و اليأس، غير أن رهاناتها تبقى قصيرة الأمد، فجيل Z الذي تربى على حرية التعبير في العالم الإفتراضي، لن يقبل أن يسكت في الشارع الحقيقي، لقد إكتشف هؤلاء أن الكرامة لا تمنح، بل تنتزع، و أن الصوت الذي يخرج اليوم أقوى من أي جدار صامت قاتل و بائس و قامع، لأنه سئم مهانة واقعه المذل و المخزي،الذي يرفض فيه من يتحمل مسؤولية تغيير البلاد، إستيعاب مضامين المطالب الإجتماعية التي لم تعد تقوى على المزيد من الإنتظار.
إن إحتجاجات جيل Z في المغرب ليست مجرد موجة عابرة، بل هي إعلان ولادة وعي جمعي/جماعي جديد يطالب بدولة عادلة تستمع إلى نبض شبابها و شيبها بدل من أن تغلق أذنيها و تكتفي بإستعمال العنف... إلا أنه في حالة ما إذا لم تراجع الدولة أساليبها، فإن الشوارع ستظل تذكرها بأن المستقبل لا يبنى بالهراوات، بل بالحوارات، و لا يصان بتوظيف القمع، بل بتوفير العيش الكريم لكل المواطنين و القطع مع الريع و الفساد، و الإيمان بأن الوطن ملك للجميع على حد سواء، و بأن تدبير المسؤوليات داخل الدولة يجب ان يكون خاضعا لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة لا الإفلات من العقاب...و لا بخدمة الفئات الحاكمة لمصالحها الضيقة المنزوية في زاوية الأنا الذاتية بكل إنتهازية...
فالوطن ملك للجـــميـــع...
7)مقترحات إستعجالية لتجاوز مرحلة الإحتقان:
يحتاج المغرب الآن بشكل عملي و واقعي، إلى حزمة من التدابير الإستعجالية: الفورية و المتوسطة المدى و البعيدة المدى
*) إجراءات فورية (0–3 أشهر) لإطفاء فتيل التصعيد:
و تهدف هذه المرحلة إلى إمتصاص الغضب و إظهار حسن النية قبل أي إصلاح هيكلي ب:
"") إطلاق حوار وطني عاجل.
"")دعوة ممثلين عن شباب الإحتجاج (جيل Z)، جمعيات المجتمع المدني، نقابات، خبراء مستقلين.
"")وضع جدول زمني قصير (30 يوما) لمناقشة المطالب العاجلة: التعليم، الصحة، الشغل، السكن، و البث في إشكالياتها المستعجلة بسرعة و بدون تسويف.
"")وقف كل أشكال القمع و الملاحقات ب:
#إعلان رسمي يضمن حرية التظاهر السلمي.
#إطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية الإحتجاجات.
*)حزمة إنقاذ إجتماعية عاجلة ب:
"")صرف دعم مالي إستثنائي للأسر الهشة (مثل دعم النقل، المواد الأساسية).
"")توسيع الإستفادة المؤقتة من التأمين الصحي المجاني للفئات الشابة الغير الموظفة.
*)شفافية فورية في التواصل ب:
"")بيانات حكومية يومية تشرح الوضع و الإجراءات المتخذة.
"")فتح المنصات الرقمية لتلقي الشكايات و المقترحات مع التعهد بالرد خلال 72 ساعة.
*)إجراءات قصيرة و متوسطة المدى (3–18 شهرا) من خلال معالجة جذور الغضب، و يبقى الهدف هنا هو ترميم الثقة عبر خطوات ملموسة يشعر بها المواطن ب:
") إصلاح التعليم العمومي:
"")توظيف عدد كاف من الأساتذة و تحديث المناهج و ربطها بإحتياجات سوق الشغل.
"")رقمنة الخدمات المدرسية (تسجيل، تتبع، منح).
")تقوية القطاع الصحي ب:
")رفع ميزانية الصحة تدريجيا لتصل إلى 10٪ من الميزانية العامة للبلاد.
")تجهيز المستشفيات الجهوية و توفير الأدوية الأساسية بأسعار مدعمة و معقولة.
")برنامج تشغيل الشباب ب:
"")منح ضريبية للشركات التي توظف الشباب.
"")إنشاء صندوق لدعم المقاولات الصغيرة و الناشئة.
"")إطلاق مشاريع كبرى للبنية التحتية مع نسبة تشغيل مضمونة للشباب المحلي.
")تسريع مشروع السكن الإجتماعي ب:
"")إطلاق برامج سكنية ميسرة مع قروض بفوائد منخفضة و مشجعة.
"")تفعيل الرقابة على المضاربات العقارية.
*) إرساء عدالة مجالية حقيقية ب :
")توجيه الإستثمارات إلى المناطق المهمشة (الجنوب الشرقي، الأطلس، الغرب، القرى و كل دواوير دكالة و عبدة و اولاد حريز).
*)إعتماد «ميزانية تشاركية» تمكن المواطنين من إقتراح و تتبع المشاريع المحلية.
*)إصلاحات بعيدة المدى (سنتان فأكثر) من خلال بناء الثقة المستدامة و لن يتأت ذلك بدون:
")إصلاح جبائي عادل.
")ضرائب تصاعدية على الثروة و الشركات الكبرى، مقابل تخفيف العبء عن الطبقات الوسطى و المشاريع المتوسطة و الصغرى.
")لامركزية حقيقية بمنح المجالس الجهوية سلطات مالية و تشريعية أوسع لتنمية مناطقها.
*) تعزيز المشاركة السياسية للشباب ب:
")خفض سن الترشح، و تخصيص مقاعد أو حصص للشباب في المجالس المنتخبة.
*)تحويل الرقمنة إلى أداة رقابة شعبية بمنصات مفتوحة تعرض بيانات الصفقات العمومية و الميزانيات المخصصة لها لحظة بلحظة، بدل تسخيرها لخدمة التفاهة و السفاهة.
8)أركان نجاح هذه الخطة:
*)الإرادة السياسية العليا: إشارات واضحة من ملك البلاد بإعطائه أوامره السامية إلى الحكومة بتوقيف مهزلة التعنت و منطق التسيب الذي تدار به مرافق الوطن بغية تأكيد جدية الإصلاح و إنقاد البلاد من إنفلات أمني لا يخدم مخططاتنا الداخلية و الخارجية.
*)مراقبة مدنية و تسخير الإعلام الحر لممارسة سلطته الرابعة بدون قمع و لا متابعة، لضمان شفافية التنفيذ.
*)جدولة زمنية دقيقة: لتحديد مواعيد دقيقة لتنفيد كل إجراء مع نشر تقارير دورية.
")تمويل واضح: بربط كل إجراء بمصدر تمويل (إصلاح جبائي، شراكات دولية، إعادة ترتيب الأولويات في الميزانية العامة للبلاد...
إن المخرج الحقيقي من الأزمة لا يكمن في المعالجات الأمنية، بل في عقد توافق إجتماعي جديد يضمن:
"")كرامة الشباب عبر تعليم و صحة و شغل و سكن.
"")عدالة مجالية تنهي الفوارق بين المدن و القرى.
"")حوار سياسي صادق يعيد الثقة بين الدولة و المجتمع و يجسر لحوار وطني مسؤول.
ألم يحن الوقت، بعد كل هذا الغليان، لأن يجلس المغاربة(مواطنين، أحزاب سياسية، جمعيات مجتمع مدني، نقابات، و مسؤولون) على طاولة حوار وطني جاد ليسائلوا أنفسهم:
كيف نضمن تعليما يفتح أبواب المستقبل، و صحة تحفظ الكرامة للجميع، و شغلا و سكنا يحققان العدالة بين الأجيال و الجهات؟ أليست لحظة الحقيقة قد دقت لننتقل من سياسة التهدئة المؤقتة و سياسة لهي يا بوملهي إلى إصلاحات جذرية تعيد توزيع الثروة، و تحرر الإدارة من الفساد، و تشرك الشباب في القرار بدل دفعهم إلى الشارع أو إلى أمواج البحر أو إلى التخدير بكل أنواعه أو إلى الجريمة؟؟؟ إن المقترحات المطروحة هي بمثابة إستهداف دقيق للفقر، بتدريب مهني يخلق الوظائف، و حكامة رقمية شفافة، و عدالة جبائية تتكفل بتمويل الخدمات… لكن السؤال الكبير يبقى: هل نملك الشجاعة لنحول هذه الرؤى إلى واقع ملموس يوقف الإحتقان و يؤسس لتعاقد إجتماعي جديد يليق بمغرب القرن الحادي و العشرين؟