✍️جـرة قـلم✍️ الحلقة التاسعة: الحركات الإحتجاجية بالمغرب..غضب الشارع بين أوجاع الواقع و عطب الوعي
برشيد نيوز : بقلم: نجاة زين الدين
تعيش مدن مغربية عديدة منذ أشهر على وقع حركات إحتجاجية متصاعدة، تنبض بشوارع مكتظة بالآهات، و تختزن في صدى هتافاتها وجع كل المواطنين من جراء خيبات خدمات كل القطاعات الحيوية، التي أرهقتها سياسات التدبير المرتبك و أثقال الفوارق الإجتماعية و المجالية، و خزي المهانة التي تتخبط فيها الأمة العربية و الإسلامية، بسبب إستمرار مسلسل التطبيع مع كيان غاصب و محتل... فلم تعد بذلك هذه الإحتجاجات محصورة في مطالب فئوية محدودة، بل غدت صرخة جماعية تعبر عن إختناق شامل مس الصحة و التعليم و البنية التحتية( نظافة، وضع الطرقات المأساوي و الكارثي، مؤسسات تعليمية لا يتجسد فيها و لو معيار بسيط من الإسم لخلوها من الأساسيات الرئيسية لحياة تعليمية حقيقية...)، مما يكشف لنا هشاشة العدالة المجالية و إنعدام جانبها الإجتماعي، عدالة إن توفرت بالفعل كانت ستجعل من الإنتماء الجغرافي معيارا للفرص و حقا في العيش الكريم للجميع بكل مسؤولية و إلتزاااااام و إنضباط.
1)أزمة القطاعات
الحيوية… جسد بلا أوعية:
يأتي قطاع الصحة في مقدمة الأزمات، حيث تعاني المستشفيات من خصاص مهول في الموارد البشرية و التجهيزات، دون نسيان إكراه التنقل، الذي يضطر معه المواطن في القرى و المناطق النائية إلى قطع عشرات الكيلومترات بحثا عن إسعاف عاجل أو دواء مفقود، و بالموازاة مع هذا و ذاك، ينهار التعليم بين مناهج متقادمة و مؤسسات متهالكة و أقسام مكتظة، مما يكرس هجرة العقول و يغذي الشعور العميق بإنسداد الأفق أمام الأجيال الصاعدة/ الضحية الأولى و الأخيرة.
أما البنية التحتية، فتكشف لنا واقع الطرق المحفرة و الجسور المتهالكة و الأحياء المهمشة بسبب تلاشي وعود التنمية الكاذبة، لنتجرع معها بذلك مرارة الحقيقة المؤسفة، فيما تتسع الهوة بين مدن كبرى تغدق عليها الإستثمارات بسخاء و أخرى تترك للإهمال و نهب المجالس الجماعية المدبرة لشأنها دون حسيب و لا رقيب...
2)عدالة مجالية غائبة و أرقام فقر صادمة:
تتعرى الأزمة لتصبح أوضح ما يكون في غياب العدالة المجالية و المناطقية؛ إذ تتكدس المشاريع في محور الدار البيضاء–الرباط، بينما تظل الدواوير و الجبال و الأحياء الهامشية مجرد فضاءات منسية، يقتات أهلها على وعود إنتخابية موسمية ترمي المواطنين في أحضان المزيد من الإنتظار و التسويف اللامنطقي و اللامبرر. و تكشف الأرقام الرسمية عن عمق الهوة: ف11.7٪ من المغاربة يعيشون تحت خط الفقر النقدي، بينما يعاني 36٪ من سكان القرى من فقر متعدد الأبعاد يمس التعليم و الصحة و الخدمات الأساسية، مقابل أقل من 10٪ في المدن.
3)بطالة خانقة و طموحات شباب في مهب الإنتظار:
لا يقتصر الخلل على الفقر، بل يمتد إلى البطالة التي بلغت 13.5٪ على المستوى الوطني خلال الربع الثاني من عام 2024، في حين يقف شباب الفئة العمرية ما بين 15 و 24 سنة أمام واقعٍ أكثر قسوة بنسبة بطالة تقارب 33٪، بينما تتجاوز بطالة خريجي الجامعات 20٪، ما يجعل الإحتجاجات تعبيرا عن إنسداد أفق إقتصادي يهدد بتفكك النسيج الإجتماعي.
4)المواطن… بين إستهتار الذات و الهروب المخدر:
هنا نستنتج أن الأزمة لا تقف عند حدود تدبير الدولة، فالمواطن نفسه شريك في هذا الإنحدار، إذ يلجأ الكثير من الشباب إلى الهروب من واقعهم عبر إستهلاك المخدرات أو الإدمان على ملذات التخدير الناعم؛ من كرة القدم التي تحولت إلى مسرح لتفريغ الغضب، أو إلى منصات التواصل الإجتماعي التي أضحت مرتعا للتفاهة بدل أن تكون فضاء للتنوير و تطوير الذات و تفتيق المهارات و إكتشاف أفاق معرفية جديدة. إن هذا الهروب الجماعي يضاعف من هشاشة المجتمع، و يجعل الإحتجاجات مجرد لحظة غضب عابرة ما لم تترجم إلى وعي نقدي و مسؤولية مواطنة تبتغي تأسيس مجتمع ناضج و ملتزم بقضاياه الداخلية و آصرته القومية من خلال إستشعار لمسؤوليات أمته التي غدت في ذيل الأمم و محط تهكم سيناريوهات الإمبريالية الصهيونية.
5)مدن تستقبل زوارها بالأزبال… حين تتحول النظافة إلى رفاه و حكرا على مدن المركز:
هنا يكفي أن نقوم بجولة قصيرة عند مداخل الكثير من المدن المغربية لإكتشاف حجم التناقض الصارخ: أزقة و أسواق حضارية أو أسبوعية مكدسة بالنفايات، أكياس تتناثر على الأرصفة، و روائح تزكم الأنوف، في وقت تخصص فيه الجماعات الترابية قروية كانت أم حضرية، ميزانيات ضخمة لقطاع النظافة، و رغم أن الإنفاق المحلي على النظافة يلتهم في المتوسط ما بين 20 و25٪ من ميزانية التسيير، و تصل عقود التدبير المفوض في مدن كبرى كـالدار البيضاء و الرباط إلى أكثر من مليار درهم سنويا، إلا أن الواقع البيئي لا يعكس حجم هذا الصرف، لتبقى الأحياء و مداخل المدن شاهدة على سوء التدبير و غياب الرقابة بسبب إنعدام مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
6)برشيد و مديونة و النواصر… عينات من واقع خانق:
تجسد عمالات برشيد و مديونة و النواصر نماذج صارخة لهذا الوضع، فالمشهد عند مداخل مدنها و دواويرها يختزل معادلة قاسية: أزبال متراكمة، طرق محفرة، إنارة غائبة، و مرافق حيوية تترنح بين ضعف التجهيز و إنعدام الصيانة، و مراتع للدعارة و نقط سوداء لتجارة المخدرات بالجملة، ففي المستوصفات المتهالكة يطول الإنتظار، و في المؤسسات التعليمية يتقاسم عشرات التلاميذ مقاعد ضيقة، فيما الأمن يتأرجح بين محدودية الموارد و تزايد الجريمة، و إستفحال تجارة المخدرات...لدرجة أنه لا توجد عائلة إلا و يوجد وسطها ضحية و متعاطي...و الأخطر من كل هذا و ذاك غياب جسور التواصل الحضاري بين المواطن و المسؤول المحلي؛ إذ يختزل الحوار في شكاوى فردية أو صدامات ظرفية، بدل أن يتحول إلى آلية مستدامة لتصحيح المسار بنقاش حضاري و راقي دون حسابات ضيقة و لا صراعات مجانية بسبب إختلاف في الرؤى و التصورات، ليحول بذلك إلى بؤر خلاف دائم، يتغذى على القيل و القال و ضيق الأفق و المزيد من الضحايا...
7)المطالبة بالحق في العيش الكريم بين فساد التدبير و إستراتيجية المواجهة:
إن مواجهة هذا الواقع لا تقتصر على فضح فساد التدبير أو المطالبة بالمحاسبة، بل تقتضي إستراتيجية مزدوجة: إصلاح إداري يقطع مع الزبونية و الريع، و تربية مواطنة تعيد للإنسان المغربي وعيه بحقوقه و واجـــبـــــاته. فالإحتجاج وحده، مهما علا صوته، يبقى ناقصا إذا لم يترافق مع سلوك مواطن يومي مسؤول يرفض التواطؤ مع الفساد(بيع صوته ب 200درهم عند كل إنتخابات تشريعية!!!)، و يرفض في الآن ذاته أن يكون مجرد متفرج على إنحدار وطنه.
إن ما يعيشه المغرب اليوم هو لحظة إختبار تاريخي: فهل سينجح المواطن في تحويل غضب الشارع إلى قوة إقتراح و إصلاح؟؟؟أم سيظل رهين دوامة الإحتجاجات الموسمية التي تحركها آلــيـــات و دواليب الإنتخابات التشريعية الموسمية؟؟ أم ستبقى تعالج واقع وضعها بالهروب الجماعي إلى المخدرات و التفاهة و نقاشات المقاهي العقيمة؟؟؟ إن الإجابة لا تملكها الدولة وحدها، بل هي ثمرة وعي جمعي/ جماعي يوازن بين الحق في المطالبة بتصحيح المسار و كذلك الإرادة في البناء، و بين مساءلة السلطة و مســـاءلة الــذات؟؟؟فهل سنكون في الموعد بكل حزم و مسؤولية أم سنستمر في البكاء على الأطلال و نرمي المسؤولية على الآخر بكل إتكالية و دون مواجهة حقيقية لمطبات تقصيرنا كمواطنين؟؟؟.
التغيير مسؤوليتي أنا و أنت، لأننا نحن من يشكل الوطن...