عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

✍️جرة قلم✍️ الحلقة الثامنة : الإستحقاقات الإنتخابية المقبلة بين رهانات الوطن و صراعات الأحزاب

✍️جرة قلم✍️ الحلقة الثامنة : الإستحقاقات الإنتخابية المقبلة بين رهانات الوطن و صراعات الأحزاب

 


برشيد نيوز: بقلم نجاة زين الدين

تعود الإستحقاقات الإنتخابية في المغرب لتضع المشهد السياسي برمته أمام محك جديد، و لتكشف ـ كما العادة ـ عن تناقض صارخ بين ما ينتظره المواطن من الطبقة السياسية التي يفترض أن تخدمه لا أن تبيعه الوهم و الأكاذيب، و بين ما ينغمس فيه العديد من الفاعلين الحزبيين من صراعات مجانية، و تشاحنات جوفاء، و ركض محموم وراء مصالح آنية ضيقة لا تمت بصلة إلى هموم الناس و لا إلى قضايا الوطن الكبرى، بل تخدم أجندات حزبية حصرية لا أقل و لا أكثر، فما هي إنتظارات المواطن المشروعة و المتكررة من هذه الإستحقاقات الإنتخابية؟؟؟ و ماهي أسباب هذه الصراعات الحزبية؟؟؟ و من هي الجهة المسؤولة عن ضياع البوصلة؟؟؟هل هي الدولة كإطار عام أم المواطن نفسه ؟؟؟ و من هي الجهة التي يجب تحميلها مسؤولية هذه السلوكات المشينة و التي لا تمت للديمقراطية المبحوث عنها بأية صلة؟؟؟ هذه الأسئلة و أخرى كثيرة سأحاول تسليط الضوء عليها من خلال هذه السطور التي تدعونا إلى وقفة حقيقية و واقعية لإستدراك ما تم ضياعه خلال كل الإستحقاقات السابقة، و إنقاذ الوطن من جلبة صراعات مجانية، لا تعمل على تطوير البلاد بقدر ما تعيق مسار خدمة المواطن المغربي، الذي ضاع بين التسويف و الوعود الكاذبة المحبطة...

أولا: المواطن بين إنتظاراته المشروعة و الوعود الكاذبة المتكررة:

يدخل المواطن المغربي إلى كل محطة إنتخابية مثقلا بالخيبات، متسائلا: متى سيترجم صوتي إلى قرار يخدم حياتي اليومية؟ و متى سيتحول صندوق الإقتراع من محطة إحتفالية إلى أداة فعلية للتغيير؟

لقد خبر الناس خطابات الأحزاب التي تتكرر كل خمس سنوات بعبارات منمقة و شعارات براقة، التي سرعان ما تتبخر بعد الإنتخابات، فالمواطن ينتظر تحسين أوضاعه من خلال تجويد كل المرافق الحيوية التي تتمحور عليها حياته و معاشه اليومي: من التعليم إلى الصحة و من الشغل إلى العدالة الإجتماعية، ليجد نفسه في مواجهة أزمة ثقة خانقة مع من يفترض أنهم ممثلوه، أو من إنتدبهم حينما باع صوته لهم ب 200,00 درهم، يعني مقابل0,10 السنتيمات لليوم الواحد، أو من فرضوا إنتدابهم بالإكراه عليه بإستحقاقات يشوبها من الخلل في شكل و جوهر العملية الإنتخابية ما يتركها محط تساؤلات و إستفسارات كثيرة بسبب تزوير إرادته الفعلية و التي لولا عزوفه اللامفسر و اللامبرر لما تمكنت الأحزاب التي تفتقد إلى برامج جادة و هادفة من الحصول على أغلبية كاسحة!!!

ثانيا: الصراعات الحزبية و ضياع البوصلة الوطنية:

فبدل من أن تتحول المنافسة الإنتخابية إلى تنافس شريف في البرامج و الرؤى، فإنها تنزلق، في كثير من الأحيان، إلى حلبة لتبادل التهم و تصفية الحسابات السياسية الضيقة، بحيث نرى أحزابا تكثر من "التشدقات الخطابية" في المنابر، لكنها تعجز عن تقديم حلول عملية واقعية و حقيقية على أرض الواقع،

فهذه المزايدات لا تزيد المشهد إلا إبتذالا، و تفرغ العمل السياسي من معناه النبيل، مما يجعل المواطن يزداد نفورا من المشاركة، إذ يشعر بأن السياسة لم تعد وسيلة لخدمته كما يجب، بل أداة لخدمة مصالح أشخاص و جماعات و أجندات حزبية ضيقة لا غير...

ثالثا: المسؤولية السياسية و حقيقة الممارسة الفعلية لسياسة مدعومة ببرامج صادقة:

المسؤولية السياسية ليست وجاهة إجتماعية، و لا سلما للإمتيازات، بل هي تكليف ثقيل يتطلب حزما و جدية في التشخيص و المعالجة لكل المشاكل التي تتخبط فيها البلاد و العباد، و المغرب، بما يمر به من تحولات إجتماعية و إقتصادية، لا يحتمل أن تظل السياسة مجرد لعبة إنتخابية، و إستحقاقات صناديق ملغومة،

إن ما يريده الشعب هو مسؤول سياسي يعي حجم التحديات: الفقر المتنامي، البطالة التي تعصف بالشباب، التفاوتات المجالية بين المدن و القرى، غياب العدالة المجالية، و ضعف الخدمات الأساسية( تعليم، صحة، طرقات و نظافة لكل المحيط الذي يعيش به، سكن كريم و لقمة عيش شريفة..)، فهذه القضايا لا يكفي أن تكون مجرد شعارات مرفوعة في الحملات الإنتخابية، بل إنها معارك حقيقية ينبغي أن يخوضها من يختار طريق خدمة الوطن ببرامج جادة، واقعية، حقيقية و صادقة لا بوعود كاذبة بعيدة كل البعد عن الواقع و الحقيقة و يعتريها من التسويف ما يكفي للتشكيك في مصداقيتها.

رابعا: متى تصبح مصلحة الوطن هي الأولوية؟

الجواب ليس يسيرا، لكنه يبدأ من إعادة الإعتبار لقيمة السياسة ذاتها، فحين يقتنع الحزب بأن رسالته ليست الفوز بأكبر عدد من المقاعد، بل صناعة قرار يخدم المصلحة العامة من الشعب، و حين تتنازل النخب الحزبية عن أنانيتها و تضع المواطن في صلب مشروع إهتماماتها، و حين يعاد بناء الثقة بين الناخب و صندوق الإقتراع، عندها فقط يمكن أن نقول أننا خطونا خطوة أولى في طريق يجعل مصلحة الوطن فوق كل إعتبار و إبتدأنا مشوار الديمقراطية الحقة.

خامسا: متى تتغير لعبة السياسة؟

ستتغير اللعبة حين تتحول السياسة من مجال للتكتيكات و المناورات و الأكاذيب و النفاق و المحاباة إلى فضاء للوضوح و الصدق، حين يفرض الرأي العام ـ عبر وعيه و مشاركته ـ قواعد جديدة على الأحزاب، فلا يمنح ثقته إلا لمن يملك برنامجا حقيقيا، قادرا على تنزيله و تفعيله على أرض الواقع بكل مصداقية و أمانة و حين تفعل آليات المحاسبة في المؤسسات التشريعية و التنفيذية، ليصبح الكرسي النيابي أو الحكومي مسؤولية تسائل و تحاسب، لا غنيمة تقتسم، عندها فقط سنتحدث على أن أسس الديمقراطية تحققت و مسار البلاد قد أدرك التغيير و إستوعب حمولة و حجم مسؤولياته.

سادسا: الديمقراطية بين النص و الواقع:

الديمقراطية ليست مجرد صناديق إقتراع، و لا مجرد دستور ينص على الحقوق، و لا مجرد شعارات ترفع بل هي ممارسة يومية تجعل من المواطن عينه محور السياسات العمومية، فتنزيل الديمقراطية الحقة يعني أن تتحول إرادة الناخب إلى قرار فعلي في المؤسسات، و أن تتمكن الكفاءات النزيهة من الوصول إلى مراكز القرار، و أن يفتح المجال أمام الشباب و النساء و كل الطاقات المهمشة الجادة و القادرة على حمل مشعل التغيير، دون نسيان أفراد الجالية المغربية بالخارج التي تشكل الآن 15٪ من مجموع سكان المغرب بعدد يصل إلى 5,2 مليون مسجلين بالسفارات الأجنبية أما إذا تحدثنا عن العدد الحقيقي الذي يضم الغير المسجلين فقد يصل العدد الى 6,2 مليون مواطن و مواطنة، عدد يبقى محروما من إبداء رأيه و المشاركة الفعلية في قرارات و برامج تغيير البلاد بمخططات و استراتيجيات واعدة و بناءة للبلاد و العباد والمساهمة في صناعة المستقبل و بلورة القرارات الفعلية لتطوير الوطن و المواطن على حد سواء.

 إن الإستحقاقات الإنتخابية المقبلة، ليست مجرد موعد دوري، بل هي فرصة تاريخية لإعادة ترتيب العلاقة بين المواطن و السياسة، فإما أن تستثمر في إعادة بناء آصرة الثقة و تكريس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، و إما أن تترك لتكون محطة جديدة من محطات الإستنزاف و الخيبات و الإحباطات.

فالكرة اليوم في ملعب الأحزاب السياسية المغربية: هل ستستمر في الدوران حول أجنداتها الضيقة و صراعاتها العقيمة، أم ستجرؤ على إتخاذ خطوة شجاعة تجعل مصلحة الوطن و المواطن هي البوصلة؟

إن تغيير لعبة السياسة ليس قدرا بعيد المنال، لكنه مرهون بوعي المجتمع، و نضج النخب، و تفعيل دور المؤسسات من خلال التشبث بمصداقية قراراتها و نجاعة سياساتها الصادقة، يومها فقط يمكن أن نرفع رؤوسنا مطمئنين إلى أننا نسير نحو الديمقراطية الحقيقية، لا في  النصوص فحسب، بل بتنزيلها على أرض الواقع أيضا.

Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية