أولاد حريز والسراغنة: صراع البركة
برشيد نيوز :
بقلم : الجيلالي طهير
تمتد ديار السراغنة فوق سهل واسع خصيب، تزيّنه أشجار الرمان والزيتون والنخيل والسدر يُفاخر أهله بأصولهم العربية، وينكرون بشدّة كل محاولة لوصفهم بالأمازيغ، كما ينسبهم البعض لا ازدراءً لهؤلاء، بل لأنهم يعتقدون بأن تاريخهم مكتوب على صفحات الترحيل القسري.
منذ القرن الحادي عشر، استقدمهم السلطان المنصور الموحدي مع أولى الأفواج العربية، فغُرست فيهم هوية رسّختها القرون المتعاقبة.
الجغرافيا لا ترسم حدود البلدان فحسب، بل تصوغ أيضاً مصائر البشر؛ تشكّل طباعهم، توجّه أساليب عيشهم، وتفرض على كل فصيل نصيبه من القدر ، أما الإثنوغرافيا، شأنها شأن التاريخ، فإنها تعود إلى الجذور لتضيء مسارات الاستمرار والتحوّل في حياة المجتمعات.
انطلاقاً من برشيد، وعلى نحو خمسة عشر كيلومتراً من مدينة البروج بإتجاه أم الربيع، يمتدّ مجال القراقرة – بني مسكين، وهم فخذ يقع بمجاورة دشرة السراغنة، حيث يرقد جثمان الولي الصالح سيدي عمرو بن لحسن، فوق هضبة عارية لا يعيش فيها سوى بضع أشجار سدر هزيلة.
الأرض هناك بائرة لا تكاد تُنبت زرعاً، ومراعيهم، موردهم الوحيد، أنهكها الرعي الجائر ونخرها عوامل التعرية.
يلاحظ الإسلامولوجي محمد الطوزي أن أولاد احريز يختزنون شعوراً بالاستعلاء على إخوانهم من الدشرة، بسبب فقر أرضهم الذي يشبه فقر قراقرة بني مسكين. هما فضاءان هشّان، معدمان من الموارد الطبيعية، واقعان في هوامش قبيلتين كبيرتين. ويكتب الأستاذ محمد الطوزي في هذا الصدد:
«إن العلاقات بين أولاد احريز والسراغنة بالغة التعقيد والالتباس ، فندرة الماء تضخّم البعد الدرامي للإقامة، وتزيد من حدّة الشعور بالتفوّق الذي يتوهّم الزائرون امتلاكه على مضيفيهم.
يعتبر أولاد احريز أنفسهم أرفع شأناً: فهم أبناء قبيلة حبوب، لا يرون في السراغنة إلا ضيوفاً اضطراريين للوليّ، مزوّدين بمنتجات قليلة النبل (الشعير، ثمر السدر) ووظائف ثانوية (الرعي).»
تتجسّد هذه السمعة البائسة في طقس رمزي: ففي كل عام، يشدّ أولاد حريز الرحال إلى ضريح سيدي عمرو بن الحسن. هناك يُذبح الثور كقربان للولي، ويُطلق نحو النهر. يحاول السراغنة أن يحولوا بينه وبين الماء: فإذا وصل الثور إلى النهر، كان ذلك وعداً بالخصب لأولاد احريز؛ أما إذا خرّ قبل أن يبلغ إليه، فإن بركة الولي تستقر في أرض الدشرة والقراقرة.
وعند عودتهم إلى الشاوية، يرشق صبيان أولاد حريز القراقرة بالحجارة، وكأنهم يلقون عليهم وزر النذير المشؤوم.
هذا الانقسام يعكس تصوّراً أوسع: ففي أوروبا القديمة، كان التعلّق بالأرض والبيت والحقل يشكّل أساس المدينة ودليلاً على التفوّق الاجتماعي أما في المغرب الكبير قديماً، فقد كان الأمر معكوساً في الغالب؛ إذ كانت الاستقرار علامة ضعف، في حين كان الرعي والترحال، بما يتيحانه من حركة وغزو، يُعدّ حالة أرقى، وتغيرت الأحوال بعد تفوق الاستقرار على الترحال.