عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

✍️جرة قلم✍️ الحلقة السادسة : العطلة الصيفية في المغرب بين مطرقة الغلاء وسندان الفشل الإقتصادي الصامت

✍️جرة قلم✍️ الحلقة السادسة : العطلة الصيفية في المغرب بين مطرقة الغلاء وسندان الفشل الإقتصادي الصامت



برشيد نيوز : بقلم نجاة زين الدين

في كل صيف، تعود الأسئلة الحارقة إلى واجهة النقاش المجتمعي:

هل من حق المواطن البسيط أن يحلم بعطلة صيفية مريحة؟؟؟ أم أن هذا الحق بات ترفا لا يليق إلا بأصحاب الإمتيازات بهذا البلد؟؟؟ 

في هذه السنة، لا يبدو الصيف عاديا: غلاء فاحش في الأسعار، إرتفاع صاروخي في أثمنة النقل و العبور، إنفجار تكاليف الإيواء، و عزوف مقلق لمغاربة العالم عن زيارة وطنهم الأم.

الكل يئن تحت وطأة الغلاء و يتخبط في أزمة إقتصادية مسكوت عنها، فالأسواق تشتعل نارا و مراكز الإصطياف باتت بورصة حقيقية للفوارق الطبقية، تقصي الفقير، و تحتضن من يملك الإمكانيات المادية فقط و إن لم يكن مغربيا و نواياه من زيارته للبلاد يدركها القاصي و الداني.

 1)صيف الغلاء... وصيف الخذلان:

ما إن يبدأ موسم العطلة حتى تسجل الأسعار قفزات مفجعة و مستفزة:

 لقد تضاعفت أسعار الكراء في المدن الساحلية ثلاث مرات، حيث لا يقل ثمن كراء شقة بسيطة في الحسيمة أو أكادير أو تطوان عن1500 درهم لليلة الواحدة

أثمنة المظلات و الكراسي على الشواطئ تتجاوز 50 درهما في بعض المناطق، و كأن المواطن يستأجر الشمس في وطنه الموزع بين لوبيات تجار الصيف في البحر.

النقل بين المدن بات رفاهية، فثمن تذكرة القطار أو الحافلة في بعض الخطوط تجاوز 200 درهم للفرد الواحد، ناهيك عن سيارات الأجرة الكبيرة التي تستغل غياب المراقبة.

أما الفنادق و المركبات السياحية، فقد إختارت سياسة "السائح الأجنبي أولا نعم هو الوحيد المرحب به بكل الطرق، تاركة المواطن المحلي يتسكع في ممرات الغلاء، يبحث عن متنفس لطفله، أو فسحة تقيه مرارة الحصار الإجتماعي و إلحاح طلب الأبناء بحق العطلة المبثور من قاموس الدولة التي لا تفكر بتوفير فرصة للإستمتاع و التنفيس عن كربة و تعب سنة كاملة من العمل.

 2)مغاربة العالم يردون بالصمت:

 إن عزوف الجالية المغربية المقيمة بالخارج هذا الصيف عن زيارة الوطن، لم يكن خيارا شخصيا عابرا، بل رسالة قوية محملة بدلالات إقتصادية و شفرات إجتماعية قاسية.

فأثمنة العبور عبر الطيران قفزت إلى مستويات غير مسبوقة، حيث وصلت أسعار بعض التذاكر من أوروبا إلى المغرب  إلى 700 يورو للفرد الواحد!!!

أما تذاكر العبور البحري، فلقد إرتفعت بنسبة تجاوزت 60% مقارنة مع صيف 2019، دون تفسير رسمي واضح.

و كأننا نستخلص إستنتاجا واحدا هو أن المواطنين المغاربة في الخارج لم يعودوا قادرين على دفع "ضريبة الحنين للوطن" من جيوبهم كل صيف.

لهذا السبب ماذا كانت النتيجة؟؟؟؟

خسائر إقتصادية بالملايير، ضربات موجعة للقطاعات المرتبطة بالمواسم الصيفية: النقل، السياحة، العقار، التجارة، الخدمات، و المقاولات الصغرى(مطاعم، مخبزات، الشركات الغذائية، التعاونيات النسائية، أصحاب الحرف التقليدية، و قطاع خياطة الملابس التقليدية...)هي من سيؤدي الثمن لأن أهدافها و مراميها من حصيلة الانجاز التجاري لم يتحقق.

3) الفشل المسكوت عنه : صيف بلا عدالة إقتصادية أو إجتماعية أو مالية :

من المعيب أن تختزل أزمة العطلة الصيفية في الغلاء فقط:

فما يحدث أعمق من ذلك، نحن أمام صورة مصغرة لأزمة إقتصادية و إجتماعية و مجالية و بنيوية مركبة تتجسد أساسا في:

*)فشل في توزيع الثروة: حيث تستأثر أقلية من المستثمرين و المضاربين بموارد السياحة و الإصطياف.

*)غياب سياسات عمومية عادلة: لا يوجد دعم صيفي للأسر المحدودة الدخل، و لا عروض حكومية أو جماعية حقيقية للطبقة المتوسطة، التي إنصهرت في الفقيرة و لم يعد لها وجود.

*)إقتصاد ريعي هش يعتمد على عائدات مغاربة العالم و "المواسم "الموسمية دون إستثمار مستدام، يتكفل بتحقيق تنمية حقيقية و فعلية  دائمة...

*)غياب التوازن الجهوي و المجالي: بحيث لازال الإصطياف متمركزا في مدن محدودة (طنجة، أݣادير، مراكش، الحسيمة، البيضاء...) بينما تظل المناطق الأخرى مهمشة و غائبة عن كل الإسترتبجيات التنموية الوطنية.

4) فما هي الحلول أو الرؤية الموضوعية أو الإستراتيجيات الواقعية الممكنة:

 *) حلول عاجلة و مباشرة:

🟢 تحديد سقف للأسعار الصيفية في السكن و النقل و الخدمات من خلال لجان التتبع و المراقبة الفعلية.

🟢 إعادة الإعتبار للشواطئ كمرافق عمومية بإلغاء إحتكارها من طرف "لوبيات الكراسي و الحراسة " و المقاهي العشوائية.

🟢 تقديم دعم صيفي تحفيزي مباشر للأسر الهشة (قسائم تخفيض، دعم التنقل، إعفاءات ضريبية...).

🟢 تشجيع المبادرات الجمعوية و المخيمات المحلية الجادة و الهادفة المنظمة مع تعزيز مجانيتها.

 *)حلول متوسطة المدى:

🟢 إحياء مراكز الإصطياف العمومية التابعة للوزارات و المؤسسات العمومية، و فتحها أمام جميع المواطنين بتكلفة رمزية.

🟢 تسويق السياحة الجهوية البديلة (الجبال، الواحات، القرى الجبلية و كل دواوير المدارات القروية...) كخيار أقل كلفة و أكثر إستدامة و دعما للمناطق الهشة إقتصاديا.

🟢 خلق بطاقات إصطياف وطنية تمنح للأسر المحدودة و المتوسطة الدخل فرصة الإستفادة من العروض الصيفية بثمن مناسب.

🟢 وضع خطة وطنية لإستعادة ثقة مغاربة العالم، من خلال تخفيض أثمنة التذاكر، و محاربة مافيات النقل، و تيسير ظروف العبور.

*)حلول إستراتيجية بعيدة المدى:

🟢 إدراج الحق في الإصطياف ضمن الحقوق الإجتماعية التي يكفلها الدستور و تترجمها السياسات  العمومية.

🟢 تحرير الإقتصاد من الريع الموسمي و تنويع مصادر الدخل المحلي.

🟢 بناء نظام سياحي بديل يعلي من قيمة الإنسان قبل الربح، و من كرامة المواطن قبل أرقام السياحة الرسمية.

 5) صيف الكرامة... لا صيف الإمتياز

حين يحرم الطفل المغربي من فسحة شاطئية بسبب الغلاء، و حين يطرد المواطن من مدينته لصالح السائح الأجنبي، و حين تغلق أبواب الوطن في وجه أبنائه في المهجر بسبب غلاء تذاكر العبور، نكون أمام سؤال وجودي:

فأي صيف هذا الذي سيقسم المجتمع إلى من يملكون الحق في الحلم، ومن يطالبون به بالصمت؟

إن العطلة ليست ترفا: إنها إستراحة وطن، و جزء من العدالة الإجتماعية التي نطالب بها منذ سنوات.

فإما أن نصنع صيفا للجميع، أو أن نقر بأننا نعيش شتاء سياسيا و إجتماعيا طويل الأمد… لا ينهيه إلا صوت شعب يعرف أن العيش لا يعني مجرد البقاء بالحياة و إن كانت ممرغة في إحساس الذل و وحل الإمتهان، و إنما عيش حياة كريمة كما كفلها الدستور و تتشدق بها ساساتنا الأجلاء...

Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية