✍️ جرة قلم ✍️ الحلقة السادسة: العطلة المدرسية بين الضياع الذهني و البناء القيمي.. نداء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه
برشيد نيوز : بقلم نجاة زين الدين
في زمن تتسارع فيه وثيرة الإنهيار القيمي، و تتهاوى فيه أركان البناء التربوي داخل الكثير من الأسر، نقف اليوم على مفترق طريق حاسم: إما أن نعيد البوصلة إلى مسارها الصحيح، أو نواصل الإنحدار نحو المجهول، حيث لا صوت يعلو على صرخات الندم المتأخر.
نعم، إنها العطلة المدرسية… ذلك الفراغ الزمني الذي قد يكون فرصة لإعادة البناء أو بوابة لإنهيار لا يرجى بعده صلاح.
لقد تحولت العطلة الصيفية، في كثير من البيوت، إلى مرادف للفوضى، للنوم النهاري المفرط، و إلى السهر الليلي المدمر، و إلى بيئة خصبة لتغذية الإنحرافات السلوكية التي تبدأ بريئة، و تنتهي مدمرة، أطفالنا و مراهقونا اليوم، مع كامل الأسف، تائهون بين شاشات جوفاء، و منصات ملوثة تعتريها نقاشات غوغاء، و كل ذلك في غياب تام لدور الأب و الأم.
1)حين تتحول العطلة إلى أرض خصبة للإنهيار:
كم من مراهق بدأ تجربته مع المخدرات في الصيف؟
و كم من فتاة تم إستدراجها تحت غطاء الحرية الزائفة فزلت قدماها نحو الهاوية دون فهم لا متى و لا كيف؟؟
و كم من شاب إنغمس في ألعاب إلكترونية مسمومة، ليخرج منها بعد ذلك بمعجم عدواني، و سلوكيات لا تمت للتربية بصلة؟
و في وسط كل هذا و ذاك، أيــن هــي الأســــــــرة؟؟؟
الجواب صادم نعم صادم: إنها غائبة، أو منشغلة، أو مستسلمة…
لقد تحولت الكثير من البيوت إلى فنادق مؤقتة: يدخلها الأبناء للأكل و النوم و تغيير الملابس فقط، و يخرجون منها بحثا عن "الإنتماء" المفقود بها في الشارع، أو في فضاء إفتراضي مليء بالوحوش المتخفية في ثياب ألعاب أو مؤثرين أو ذئاب بشرية يبيعون الوهم لكل مراهقينا الباحثين عن بديل واقعهم المرفوض...
2) أين يكمن الخلل؟؟؟ ومن المسؤول؟؟؟
المشكلة لم تبدأ اليوم، إنها تراكم من اللامبالاة الأسرية، و إستهتار المسؤولية، فهاته الأسر التي إنسحبت من واجبها التربوي، و أسندت تربية أبنائها لليوتيوب، و للألعاب القتالية، و لمنصات "تيك توك"، حيث يصبح المراهق بطلا بعدد المشاهدات لا بقيمة فكره و قدرته على التحليل و التعليل لماهية وجوده مع إستيعاب حقيقي لأصل و مضمون رسالته في الحياة.
فغياب البرنامج الصيفي داخل الأسرة، بإنعدام الحوارات اليومية، ضعف الإنصات العاطفي للأبناء، و الهروب من المسؤولية التربوية… كلها مقدمات حتمية لإنفجار الكارثة.
و ما يؤلم أكثر، هو أن زمرة من الآباء يعتبرون العطلة وقت راحة مطلقة، و يفسرون الراحة بـ "أتركه يرتاح، راه في عطلة"، بينما الأبناء يركضون نحو الهاوية!
3) العطلة فرصة ذهبية ضائعة…
هل يعلم الآباء أن العطلة هي الزمن الأنسب لتقويم السلوك؟ و بأنها اللحظة الذهبية لإكتشاف ميولات الأبناء؟
و بأنها متسع نادر لإصلاح ما أفسده ضغط السنة الدراسية و البعد الروتيني المفروض طيلة مدتها
و عليه لو أدركنا ذلك، لما أهدرناها في اللاشيء و العدمية و اللاهدف...
✅ العطلة يجب أن تكون:
🟢زمنا لتعليم القيم.
🟢مجالا لتقوية الذكاء العاطفي و القيادي.
🟢فرصة للتقرب من الأبناء، لتقوية أواصر المحبة و الفهم.
🟢وقتا لإعادة صياغة العلاقة الأبوية و الوالدية على أساس الإحترام و الحوار لا الأوامر و الخوف.
4) كيف نستثمر العطلة بشكل ذكي؟؟؟
🟢الجلوس مع الأبناء يوميا و لو لساعة واحدة.
🟢وضع برنامج صيفي متنوع: تعلم – رياضة – مهارات – مرح – قراءة – حوارات- مشاهدة أفلام جادة و هادفة .
🟢تشجيعهم على التسجيل في ورشات و دورات: لغات، برمجة، تفكير نقدي، فنون…
🟢تنظيم رحلات جماعية داخل البلاد، لإستكشاف المدن و الدواوير النائية و الجزء المنسي منها، في سفريات إستقصائية، للتعرف اكثر على تقاليد و عادات كل المناطق و الإطلاع عن كتب على وضع البلاد البنيوي و إختلافه التضاريسي، لزرع قيم المواطنة و التواضع و إنعاش إقتصادنا و تشجيع منتوجنا الوطني بدل السفر إلى الخارج و التشبث بالتباهي الأجوف و الكاذب...
🟢مشاركتهم في اللعب… نعم، اللعب. فالأب الذي لا يلعب مع أطفاله، لا يعرفهم جيدا...
5)ما لا يجب أن نغفل عنه:
*)إذا لم نملأ العطلة بمعنى و أهداف، سيملؤها التيه و الإنحراف.
*)إذا لم نجعلها زمنا للبناء، ستكون لحظة للإنهيار.
*)و كل أب يتقاعس اليوم، سيحاكم غدا أمام نتائج لم يكن يتوقعها.
6)"الأبوة ليست لقبا بيولوجيا… إنها مشروع حضاري":
❗ من لا يزرع القيم اليوم، سيحصد الخراب غدا.
❗ من يستهتر بالعطلة، فإنه يستهتر بمستقبل إبنه.
❗ ومن ينسحب من ميدان التربية، فليعلم أن هناك من ينتظره خلف الشاشة ليملأ الفراغ!
7) النموذج الصيني و السنغافوري: دروس بليغة:
🟢في الصين:
لا وجود لشيء إسمه"عطلة بدون برنامج".
*) كل بيت صيني يعد فضاءا تقويميا صيفيا لأطفاله.
العطلة هناك: (* مخصصة لتعلم المزيد من المهارات الإضافية: لغات، مناظرات، رياضيات، فنون قتالية، تفكير إستراتيجي.
*)الأسرة خلية إنتاج… لا إستهلاك.
🟢و في سنغافورة:
*)التعليم لا يتوقف في الصيف… بل يتخذ شكلا مبهجا و مبدعا.
*)يتم تنظيم ورشات لمهارات الحياة، لإدارة الوقت، و للمشاريع المجتمعية.
*)يتعلم الطفل كيف يكون مسؤولا، منتجا، و كيف يخدم بلده، لا نفسه فقط.
7)فهل نحن أقل منهم وعيا؟؟؟ و أقل حبا لأبنائنا؟؟؟؟
بالطبع لا… لكننا نحتاج إلى أن نستفيق من سباتنا و إستهتارنا قبل فوات الأوان.
8)كلمة أخيرة... صرخة ضمير و نداء صحوة:
أيها الآباء، أيتها الأمهات...
العطلة إمتحان لكم قبل أن تكون راحة لأبنائكم.
فإغتنموها لصناعة إنسان راق و متحضر و مسؤول، لا نسخة مشوهة من عالم إلكتروني فاسد.
إقتربوا من أطفالكم... عانقوهم، قبلوهم قبل أن تبتعد عنكم عقولهم و قلوبهم.
غيروا بيوتكم... يتغير الوطن.
إغتنموا العطلة... قبل أن تغتنم أبناءكم أياد لا تعرف الرحمة و لا الشفقة، فأعادي الإنسانية يتربصون بأبنائنا و بنا من كل حدب و صوب فلا تمنحوهم فلذات كبداتكم بالمجان...