عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

✍️ جرة قلم ✍️ الحلقة الثالثة :الإعلام المغربي بين التمييع و التضليل.. حين يصبح الغش فضيلة و الإجتهاد وصمة عار

✍️ جرة قلم ✍️ الحلقة الثالثة :الإعلام المغربي بين التمييع و التضليل.. حين يصبح الغش فضيلة و الإجتهاد وصمة عار

برشيد نيوز : بقلم نجاة زين الدين

في زمن مضطرب، تحولت فيه القيم إلى سلعة، و الضمائر إلى شعارات مستهلكة، تتقدم شاشات الإعلام المغربي بخطى ثابتة نحو تجويف العقل، و إضعاف الوعي، و تكريس الإتكالية، في مشهد مأساوي تبدو فيه العدسات موجهة بعناية لا لرصد الحقائق، بل لتزييفها، و لا لبناء المواطن، بل لهدم أسسه الفكرية و تحطيم منظومته السلوكية.

🧠 الإعلام كأداة لصناعة التفاهة:

منذ سنوات، بدأ الإعلام المغربي، بقنواته الرسمية و الشبه الرسمية، بالإنخراط في الترويج "للتفاهة الممنهجة"، و التي تشرف عليها للأسف، في كثير من الأحيان، مؤسسات مدعومة دوليا تسعى إلى نشر ثقافة الإستهلاك، و الفراغ الفكري، و تغليب "الفرجة الفارغة" على حساب "المعرفة الهادفة"، و المتعة المشوهة و المبتذلة على حساب متعة جادة و بناءة...

لم يعد مستغربا أن تخصص ساعات الذروة لبرامج تعج بالمحتوى السطحي المميع بينما يدفن المحتوى التثقيفي الجاد في زوايا معتمة من البرمجة لا يشاهدها إلا القليل، حيث المجتهد في هذا البلد يهمش، و المفكر يسخر منه، و صاحب الرأي الجاد يقصى… بينما تفتح الأبواب على مصراعيها لأصحاب "الطقطوقة"، و المحتوى الفارغ، و المستوى الدنيء و النجومية المبنية على "اللاشيء" و على "الخواء الفكري"...و على تسليط الضوء على مهرجانات البهرجة و إنعاش السفاهة الفكرية بعيدا كل البعد عن الرقي و التحضر السلوكي و الفكري المقدم للدول لا العكس...

🧬 الفصام الإجتماعي الذي تمثله المسلسلات المغربية:

في كل موسم رمضاني، تتسابق القنوات على تقديم أعمال درامية تدعي معالجة القضايا الإجتماعية، بينما تغرق المشاهد في بحر من التناقضات و الإبتذال و الفصام في الطرح.

فتارة تسرد قصصا عن الكفاح الذي لم يحقق الإنجاز، و تارة أخرى تمجد الغش و التحايل بإعتبارهما "ذكاء إجتماعيا" و "نباهة عصرية".

تعرض علينا أسرا تتعايش مع الإنحراف و الخيانة كأنها واقع طبيعي يجب التآلف معه، فيما يتم تصوير الفقر كمادة فكاهية، و العلاقات خارج مؤسسة الزواج كحرية فردية و جزء من "الحداثة المنشودة"و تعنيف المرأة و الحط من كرامتها كأمر منصوص عليه شرعا ليحملوا الدين مسؤولية السلوكيات السادية المرفوضة و النرجسية المنبوذة في الوقت الذي يبقى الدين بريئا من هذه الشوائب السفيهة و المرضية، لأنه بقدر ما كرم الله الرجل حرص على تكريم المرأة كذلك، و كل هذا بفصام فج، يتم تمرير رسائل ضمنية ترسخ سلوكات خطيرة في اللاوعي الجمعي:

*)الغش طريق مختصر للنجاح:

   **)الإحتيال ذكاء

   **)المثقف مزعج

    **)النزيه مغفل

    **)الملتزم متخلف

🧨 الغش كقيمة إعلامية "مقبولة":

لقد أسهم الإعلام بشكل مباشر أو غير مباشر في التطبيع مع الغش، و تقديمه أحيانا في قوالب تثير التعاطف أو الضحك، مما يفرغ الجريمة من بعدها التدميري للأخلاق و القيمي:

برامج "الكاميرا الخفية"، و"الكوميديا الإجتماعية"، التي تسوق لسلوك الغش و الكذب و كأنهما مجرد "مقالب طريفة"، يتم التساهل معها أو الإعجاب بها مما يبسط سبل التطبيع الضمني معها.

إن أخطر ما في هذا التوجه، أنه يعيد تشكيل وعي الناشئة، و يخلق أجيالا تعتقد أن طريق النجاح يمر عبر التحايل، وأن الجد و الإجتهاد مجرد أدوات للحمقى و للسذج المتخلفين ...

📉 تهميش النخبة... وتأليه "اللاشيء":

ففي الوقت الذي يتم فيه تسفيه المفكرين الحقيقيين، و الكتاب، و العلماء، و المجتهدين من أبناء هذا الوطن، إما بالصمت عنهم، أو بإظهارهم في صورة جامدة و منفرة و ما أكثر من تم إقصاؤهم لأنهم "أكثر مما يجب وعيًا"! لا لشيء إلا لأن وعليهم يزعج... نجد حفنة من الوجوه المستهلكة تمنح المنصات الكبرى، و المساحات الأوسع، ليصبح "صانعو المحتوى التافه" رموزا للشباب، يتداول كلامهم بين المراهقين كما تتداول الكتب المقدسة، و ينظر إليهم كمرجعيات في اللباس(و ما ادراك اللباس:السراويل الهابطة و المقززة) و اللغة( حتى غدت اللغة الأجنبية لغة طبقية و اللغة العربية لغة بلاذة و غرابة)و السلوك( الجاد مقموع و المستهتر مشجع).

🛰️ إعلام التبعية: إملاءات المؤسسات الدولية:

لا يمكن قراءة هذا الإنحدار دون ربطه بسياسة إعلامية رسمية منصاعة لإملاءات خارجية، تضغط في إتجاه تبني النموذج الغربي الليبرالي المتوحش، المنفصل عن خصوصية المجتمع المغربي، رغبة في طمس هوية الإنتماء و معالم حضارة تاريخية...

فهذا النموذج هو الذي يعتبر الحرية المطلقة فوق أي قيمة، و يغرس في النفوس أن "النجاح" هو أن تكون مرئيا لا أن تكون نافعا، حاضرا بلباسك لا بعقلك، مهدد متمما لقطيع منصاع، مساير و مطيع...

إن هذه المؤسسات، في ظاهرها تدعم حرية التعبير، لكنها في باطنها تسعى لـتفكيك الهوية، و تبليد الوعي، و خلق مواطن هش، قابل للإستسلام و الترويض و ما أدراك التـــرويـــض!!!!

📱 وسائل التواصل: حلبة لـ"المسخ السلوكي":

لم يتأخر الإعلام البديل كثيرا عن المشهد، فوسائل التواصل الإجتماعي بدورها تحولت إلى مختبرات لتفريخ الظواهر الإنحلالية.

الفتيات اللواتي يبعن أجسادهن على شكل تحديات راقصة في عري تام من الثوب و الاخلاق، و الشباب الذين يصنعون الشهرة من الشتائم و المقالب الساقطة، و الصفحات التي تحتفي بكل ما هو صادم و سفيه… كلها أصبحت أدوات ضغط إجتماعي تدفع الشباب إلى التشبه بالتافهين، و تهمش كل من يحمل رسالة جادة أو مشروعا فكريا قد يخلق الإستثناء...

💣 النتيجة: صناعة مواطن "فارغ"، هش، إستهلاكي و فاقد للثقة بنفسه: 

إن الإعلام المغربي، حين يسلّم لتيارات التمييع، يتحول إلى سلاح خطير يوجه نحو كينونة الإنسان، لا نحو توعيته.

و مع تراكم الرسائل المضادة للقيم، يبدأ المواطن بفقدان المعنى، و يتحول إلى كائن فارغ، متردد، لا يملك لا مشروعا شخصيا، ولا حسّا جماعيا، و لا قدرة على الفعل المقاوم.

ليشاهد، ليستهلك، ليقلد، و ليضحك على أثفه الأسباب… ثم ينام، بينما الوطن يتآكل، و القيم تتهاوى، و التعليم يتقهقر، و العدالة تباع على أرصفة الصمت و الخنوع الجماعي المقزز...

✊ ما العمل؟

*)إعادة هيكلة الإعلام العمومي، و توجيهه نحو خدمة الهوية و الوعي لا العكس.

*)منع الترويج للتفاهة كمحتوى رسمي أو ضمن البرامج المدرسية المقررة.

*)إنشاء صناديق دعم للإعلام الجاد، التثقيفي، و المواطني.

*)تمكين المفكرين الحقيقيين و المجتهدين من المنابر الكبرى.

*)تقنين المحتوى الرقمي بما يضمن حرية التعبير دون المساس بثوابت المجتمع و قيمه.

*)إشراك الأسرة و المدرسة في مقاومة هذا الطوفان الأخلاقي.

🔚 الخلاصة:

في زمن الانهيارات الكبرى، يصبح الإعلام الجاد فعل مقاومة،

و في زمن التهجين الممنهج، تصبح الكلمة الحرة حصنا منيعا لحماية ما تبقى من المعنى في أوطاننا.

و لن يُطكتب للمغرب غد مشرق…

ما لم نحرر إعلامه من قبضة التبعية، و نعيد له رسالته الحقيقية: بناء الإنسان لا تسليته، تنويره لا تخديره، توعيته لا إختطافه في ملذات عابرة و نشوة مميتة لعقلها و لفكره و لجسده...

Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية