✍️جرة قلم✍️ الحلقة الثالثة :الغش في الإمتحانات.. إنحطاط قيمي أم إفلاس تربوي؟؟؟
برشيد نيوز : بقلم نجاة زين الدين
في زمن لم يعد فيه الخجل من الباطل فضيلة، برزت إلى السطح ظاهرة خطيرة أخذت في الإتساع و التغلغل، حتى كادت تصبح أمرا عاديا مستساغا، بل و مطلوبا أحيانا بإحتجاجات مريبة و أكثر من غريبة... إنها ظاهرة الغش في الإمتحانات، التي تحولت من فعل فردي مدان إلى ممارسة جماعية طبع معها الجميع: التلميذ، الأسرة، المؤسسة التعليمية، الإعلام، وحتى جزء من المنظومة الرسمية للتعليم ذاتها.
فما الذي حدث حتى صار الغش حقا مكتسبا عند البعض؟؟؟
و من المسؤول عن هذا الإنهيار القيمي؟؟؟؟
و كيف يمكن إنصاف المجتهدين في ظل مشهد تتساوى فيه الجدية بالإستهتار و لا يكرم فيه الإستحقاق؟؟؟
1) تشريح الظاهرة – كيف تحول الغش إلى “حـــق”؟؟؟؟
الغش، في أصله، سلوك مخالف للقيم، يعكس خللا بنيويا في الضمير، و رفضا لتحمل المسؤولية، لكن ما نعيشه اليوم هو تطبيع ممنهج مع الغش، حيث لم يعد التلميذ يخجل من محاولته، بل يتباهى بها، و ترافقه دعوات و مباركة من الأسرة “دبر راسك”، و”راك خصك تجيب النتيجة بأي طريقة”، فيما تغض المؤسسة التعليمية الطرف عن إنتشاره، أو تجد نفسها عاجزة عن التصدي له أمام ضغوطات المجتمع، فما يهمها هو نسبة النجاح داخل المؤسسة لتعزيز دعاية مجانية للموسم الدراسي الموالي.
و في مشهد معكوس و غريب، أصبحت الأسر تحتج ضد الأساتذة الذين يقومون بواجبهم في الحراسة، و تستنكر “تشددهم”!!! و هنا يا للعجب من هذه الطامة المزلزلة للمنطق و العقل!!! و كأن المدرسة تحولت إلى مكان لتزكية الغش بدل محاربته؟؟؟!!! متناسية أن تلميذ اليوم هو مهندس و طبيب و محام و قاض و معلم و مؤطر و مسؤول و رئيس الجماعة و برلماني و وزير الغد... إلخ
2) الأسباب الكامنة وراء الظاهرة:
ظاهرة الغش لم تنبع من فراغ، بل لها جذور متعددة:
*) فقدان الثقة في المدرسة كمصعد إجتماعي:
حين يرى التلميذ أن شهادته قد لا تضمن له وظيفة، أو أن سوق الشغل تحابي العلاقات و الزبونية و المحسوبية و منطق "باك صاحبي" على الكفاءة، فإنه يفقد الدافع للجد و الإجتهاد، و يبحث عن “أقصر طريق” لتحصيل "الكارتونة " لا الكفاءة و المهارة...
*)الضغط الأسري و الإجتماعي:
كثير من الأسر ترى في النقطة الجيدة هدفا و ليس نتيجة لعمل دؤوب، و بالتالي، تغدو الوسيلة (الغش) مبررة إن أوصلت إلى المعدل المرتجى و لو لم تتوفر الكفاءة أو غيب الإستحقاق فهذا الأخير ليس بالمهم، مع كامل الأسف الشديد...
*)منظومة تعليمية متهالكة:
•}المناهج المملة •}غياب التقييم المستمر.
•}الإكتظاظ
•}ضعف التكوين
•}غياب المتابعة النفسية و الإجتماعية... كلها عوامل تخلق بيئة مناسبة لتبرير الغش.
*)الإعلام و دوره السلبي في تمييع الحديث عن الظاهرة:
و هنا نجد الإعلام، عوض أن يلعب دور الموجه و المحفز، غالبا ما ينقل صورا مضحكة أو مثيرة عن الغش، مما يفقد محتوى الروبورتاجات المتناولة للظاهرة/الكارثة قدسيته في الإحتجاج على الفعل كسلوك مدان و مرفوضا قلبا و قالبا...
*) ضعف العقوبات و غياب الردع الزجري:
فحين لا يشعر الغاش بأي عقوبة حقيقية، و يتلقى نفس النتيجة أو أفضل من المجتهد، فكيف نلومه؟! و هل حققنا العدالة البيداغوجية التي طالما نظرنا إليها، و هل أنصفنا ذلك المجتهد المكد الذي إنضبط طيلة السنة الدراسية؟؟؟
3) تداعيات الظاهرة – إنهيار المنظومة الأخلاقية و القيمية:
*)ظلم المجتهدين:
تلميذ إجتهد طوال السنة الدراسية، و سهر الليالي، و ضحى براحته لأجل التفوق، ثم يساوى في النتيجة مع من نام و إستهتر و تواكل و عربد و تسكع و عنف الأستاذ و المعلم و الأب و الأم؟
أي عدالة هذه؟ أي رسالة نرسلها له عن قيمة الجهد و العمل؟؟؟ ألا نتسبب بذلك في زرع الإحباط و تيئيس ذلك الذي صادق الكتاب و أمن بأن للمجتهد نصيب؟؟؟
*) إنتاج جيل غير كفء و بليذ:
نجاح بلا إستحقاق = كفاءة مزيفة = خريجون بلا مهارات = مؤسسات تعاني = و وطن ينحدر و متخلف
*) إفشال منظومة القيم:
حين يكافأ الغش، ينهار الصدق، و تندثر المسؤولية، و يصاب المجتمع بلعنة “اللاجدوى”، و يصبح الغش قانونا غير مكتوب لكنه قاعدة عملية ضمنية بكل القطاعات، فهل هذا معقول؟؟؟
4) كيف نتصدى للظاهرة؟ مقترحات عملية و مسؤولة:
🔹 تجريم الغش بوضوح ضمن القانون التربوي بوضع نظام عقوبات تربوية صارمة و عادلة مثل:
•}إلغاء الإمتحان.
•}إعادة السنة الدراسية في حال التكرار.
•}التوقيف المؤقت عن الدراسة لفترة قصيرة.
🔹 إعادة تأهيل دور الأسرة:
عبر حملات توعوية موجهة تشرح خطورة الغش، و تبرز أن الغاية ليست النقطة، بل الكـــفــــاءة و المـــــهـــــارة يجب تحويل الأسرة من “ضاغطة نحو النتيجة” إلى “شريكة في التحصيل المسؤول لها”.
🔹 التحفيز و التمييز الإيجابي للمجتهدين:
بإعطاء جوائز، و منح، و شواهد تقديرية علنية لمن إجتهدوا، لنبعث برسالة مفادها أن النجاح الحقيقي لا يأتي من طريق مختصر بل هو كفاح و إيمان بالإستحقاق يستدعي نفسا طويلا.
🔹 تطوير المناهج و أساليب التقييم
بإعتماد هذه الأخيرة بصورة مستمرة، و دمج النقط على الحضور و الإلتزام و الإنضباط السلوكي في تحديد معدل النجاح بدل الإعتماد على الإمتحان الوحيد الذي لا يجدي طالما الغش غدا هو سمته بالتطبيع معه:
•}بتنويع أشكال الإختبار (مشاريع – عروض – بحث ميداني)
•}بتقليص الفجوة بين الحياة الواقعية و المحتوى الدراسي.
🔹 تكوين الأستاذ في البيداغوجيا و الصرامة التربوية:
يجب دعم المعلم لا محاسبته عند تصديه للغش، و تدريبه على ضبط القسم و تحفيز الضمير الذاتي لدى المتعلم لا معاملته كأنه "الجلاد" و أن التلميذ الغاش كأنه "الضحية".
🔹 تفعيل دور الإعلام التربوي:
بإنتاج برامج و أفلام قصيرة، و حوارات، و ربورتاجات توعوية و تحسيسية تفضح خطر الغش و تمجد العمل الجاد، لا العكس بإظهار أن الغش و الخيانة و الكذب و التحلي بالإنتهازية و كل الشوائب المقيثة شطارة و ذهاء و فهلوة.
5) إنصاف المجتهد واجب وطني و أخلاقي:
لن تنهض أبدا أمة تساوي بين الجدي و الكسول، بين من يعمل بهمة و إنضباط و بين من يتواكل و يتكاسل.
إنصاف المجتهد ليس فقط عدلا تربويا، بل إستثمار في الأمانة الوطنية، لأن أولئك الذين إحترموا أنفسهم و خاضوا غمار طريق التعب، هم من سيحملون شعلة الوطن، و سيقودون مسيرته نحو الرقي لا أولئك الذين بدأوا مشوار حياتهم بالغش و الفساد.
فالغش، مهما زينوه، نمقوه، برروه خيانة،
و المتغاضي عنه، شريك في الجريمة.
و المحتج لصالحه، مساهم في قتل روح الأمة و إندحار الوطن.
6) لا تهاون مع الثوابت و القيم:
في زمن التيه و شيوع الهشاشة الخلقية و غياب المعايير القيمية، علينا أن نتمسك بالبوصلة، و نعيد تعريف النجاح في وعي الأجيال:
•} النجاح ليس رقما في شهادة، بل قيمة في الضمير.
•}ليس تجاوزا للإمتحان، بل تفوق على الذات.
•}ليس التفوق على الآخر، بل تفوق لأجل الذات لبناء الوطن.
فلنجعل من مواجهة الغش معركة حقيقية، نربي فيها وعينا، و نستعيد فيها مجد و شرف التعليم الذي يغتال أمامنا و نحن صامتون و متواطئون، فإما أن نختار طريق النزاهة، أو نستعد لدفن الأمل مع شهادة مزورة تبطن لفساد مشرعن!!! فماذا إخــتـــرتم يا تـــرى؟؟؟