عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

✍️جرة قـــلــــم✍️ الحلقة الثالثة: من ورقة الغش في الإمتحان إلى خراب الوطن بوصلة البحث عن الخلاص

✍️جرة قـــلــــم✍️ الحلقة الثالثة: من ورقة الغش في الإمتحان إلى خراب الوطن بوصلة البحث عن الخلاص

 


برشيد نيوز : بقلم نجاة زين الدين 

في لحظة صمت داخل قاعة الإمتحان، يخرج أحدهم ورقة صغيرة كتب فيها أجوبة بلصوصية إحترافية، أو يلتفت لزميله ليسترق نظرة من ورقة إجابته، قد يبدو المشهد عابرا و عاديا في مجتمع طبع مع الغش، و قد يصفه البعض بـمجرد"شقاوة لتلميذ" أو "وسيلة بسيطة للنجاح"، غير مدركين أن تلك الورقة الصغيرة قد تكون أول مسمار يدق في نعــش وطـــن بأكمـــلــه.

1)الغش ليس فعلا فرديا... بل جريمة مجتمعية:

الغش في الإمتحانات ليس مجرد مخالفة سلوكية في سياق تربوي، بل هو مؤشر عميق على خلل قيمي ينخر جسد المجتمع برمته عن طريق فساد منظومته التربوية، فحين يكافأ الغشاش بالصمت، و يتعرض المجتهد للتهميش، تتحول المدرسة إلى مسرح لإنقلاب القيم، حيث يكافأ الزيف، و يعاقب الصدق و الإخلاص و التفاني في العمل و المثابرة، من هنا تبدأ فصول الخراب بإعوجاج المسار...

إن الطالب الذي ينجح بالغش سيصير ذات يوم:

*)طبيبا لا يتقن التشخيص، فيزهق الأرواح بدل إنقاذها...أو قد ينسى داخل جسم المريض مقصا أو مشرطا لا يهم...إلخ

*)مهندسا لا يضبط قياسات البناء، فيشيد بيوتا فوق رمال الغش قد تنهار على ساكنيها...أو جسورا بطرقاتنا الوطنية قد تترك ضحايا و صواعق كارثية بسبب سقوطها المفاجيء، دون الحديث عن حجم الغش الذي تشهده دراسات إنجاز الطرقات التي تعانقك حفرها في كل الإتجاهات و بمختلف المواقع و التي يتعرى قبحها مع أول قطرة مطر تسقيها...   

*)محاميا لا يحسن الدفاع، بل يتلاعب بالقانون لصالح الفساد...و يقلب طاولة الحق و موازين العدالة...ليقايض بالحقيقة مقابل دريهمات تنسيه واجب قسم الأمانة الذي أذاه...

*)قاضيا ينصب الحق على معيار المزاد، فيخضع بذلك صاحب الحق للإبتزاز...لتضيع بوصلة العدالة بمقر نطقها مع كامل الأسف...

*)برلمانيا يشرع للنهب، و يصفق للرداءة، و يشتغل داخل القبة لخدمة مصالحه و مآربه لا خدمة من تعهد معهم بوعود، نسيها بمجرد ما صرح بإسمه في لائحة البرلمانيين الفائزين، لينطلق في مسلسل خدمة الأجندات الحزبية و حساباته البنكية بعيدا عن خدمة من إنتذبوه في هذه المهمة ليدافع عنهم

و هكذا يتحول الوطن إلى ساحة تعج بمرتزقة المناصب لا وطنا للمستحقين و الأكفاء و ذوي الهمم و الرؤى الحكيمة...

2)حين يذبح الإجتهاد و يكرم الغش:

تطبيع المجتمع مع الغش لا ينتج فقط موارد بشرية فاسدة، بل يذيب طموح المجتهدين، و يقضي على روح الكفاح في نفوس الشباب، حين يرى التلميذ المجتهد أن زميله الغشاش نال نفس الشهادة، و ربما تفوق عليه، دون تعب أو سهر، فتنهار المنظومة القيمية في وجدانه، و يصاب بـ"متلازمة العبث"، فلا يرى معنى للكد، و لا غاية للعلم و لا هدفا من إجتهاده...

بل الأخطر من ذلك، أن الدولة لا يمكنها أن تصحح مسار التخلف، أو أن تلحق بركب التنمية، إذا لم تبدأ بإصلاح قطاع التربية و التعليم لأنه القطاع الحاسم في معركة النهوض أو السقوط لأي دولة، فكل مشاريع الإصلاح الإقتصادي و السياسي و الإجتماعي، تبقى حبرا على ورق إذا كان من ينفذها قد عبر بوابة الغش ذات زمن و تدرج فيه ليصل إلى منصب المسؤولية دون محاسبة و لا عقاب و لا تصدي...و قمة الإستهتار و ضرب النصوص القانونية و القواعد القيمية عرض الحائط عندما يصل العبث إلى درجة الإتجار بالشواهد و تمكينها لمن لا تأهيل لهم، و بذلك يتمكن منها من لا حق له فيها...و هنا كم يلزمنا من كلمة الأسف و التحسر على واقعنا المرير و الخطير الذي أصبحنا نتخبط فيه من جراء صدمات المفاجآت الغريبة و المرئية التي أصبحنا نستفيق عليها هنا و هناك!!!

3)الغش جريمة... و القانون سلاح الردع:

على الدولة، إن كانت جادة في حماية كيانها من التآكل، أن تتعامل مع الغش كجريمة حقيقية ضد المجتمع، و ليس مجرد مخالفة مدرسية، وفي هذا السياق، يجب تفعيل القانون 13/2 بقوة و بصرامة على كل من سولت له نفسه أن يساهم في هدم مستقبل أمة، سواء كان تلميذا، أو أستاذا متواطئا أو متاجرا بالشواهد أو إطارا إداريا يغض البصر، أو حتى شبكة خارجية تسرب المواضيع و تحلل المحظورات، و تتاجر في قيم بلاد...

فالصرامة القانونية ليست قسوة، بل هي رعاية حقيقية لمستقبل أبناء الوطن، و تطهير للمؤسسات من عبث العابثين و فساد الفاسدين...

4)حين تصير المهرجانات عقيمة...و تنسى عقول البلاد:

من المفارقات الصادمة في واقعنا، أن تنفق الدولة الملايين أو الملايير أحيانا على مهرجانات الغناء و الميوعة، بينما لا تحتفي بعقول أبنائها المجتهدين و لا تكرم المكدين المثابرين من طلبتها، و هنا أتساءل معكم:

أين مهرجان الوعي؟؟؟

أين مهرجان النبوغ و التفوق؟؟؟

أين التقدير الوطني للكادحين الصادقين؟؟؟

أليس من الأولى أن ينظم مهرجان وطني سنوي لتكريم المئة الأوائل من الناجحين بمختلف الأسلاك على المستوى الوطني؟

و أن تهديهم الدولة رحلة علمية إلى اليابان أو الصين مثلا أو غيرها من الدول التي بنت مجدها على الإجتهاد و الالتزام و الإنضباط ؟؟؟؟

بهذا فقط نعيد الإعتبار لقيمة الكفاح و نحفز شبابنا على بناء وطن بالأخلاق و المعرفة، لا بالأغاني التافهة و الفراغ و التباهي الأجوف...

5)الإعلام شريك في التربية أو في التخريب:

لا يمكننا الحديث على بناء وطني دون نقد جاد و تحديد دور الإعلام في ذلك من خلال التدقيق في مضمون المسلسلات التي تبث يوميا في البيوت أو بالأحرى التي سكنت منازلنا حلقاتها الطويلة، لقد تحول الإعلام من وسيلة للتنوير إلى أداة لتعميم الرداءة، و تسفيه المشهد عبر مسلسلات لا تقدم إلا الحب الخائن، و الفتاة السطحية، و المرأة الباكية الشاكية، المظلومة و الراكضة وراء الماركات العالمية و لو ببيع كرامتها و  الشاب الفارغ الذي جعل من جسمه مسودة لطاطواج مقزز و من شعره حلاقة غريبة تبعث على التقيؤ أو بوضع لسرواله المتصارع مع جسمه برفضه الثبات على خصره كما عهدنا ذلك في جيلنا القديم، ليوطد بذلك للنجاح المضمون دون كفاح...المدعوم بالزبونية و المحسوبية و التركيز على أن التحصيل المالي لا يتأتى إلا بالإنضمام الى مافيات الأسلحة و شبكات تجار المخدرات و الدعارة المنظمة المسوقة لجسد المرأة كعبدة في سوق النخاسة بالله عليكم ماذا سننتج من كل هذا الكرنفال التسويقي الذي يعج بكل هذه النثاءة من الإنحطاط الأخلاقي و الإنحدار القيمي...؟؟؟؟

فبدل هذا، نحتاج إلـــــى:

*)برامج تحسيسية مدرسية ترسي قيم الصدق، و تنشر ثقافة الجدية و تحث على الكفاح و التباري الشريف...

*)روبورتاجات و برامج وثائقية تعرف الشباب بنماذج ناجحة وصلت لما هي عليه بالكفاح و الكفاح فقط...

*)أعمال درامية راقية تزرع في النفوس معنى الوطنية، و التضحية، و الإصلاح الذاتي...و تثقل عقلهم  بمهارات أخلاقية بناءة و هادفة. 

6)الأسرة... حجر الزاوية الذي أهمل:

لا تعليم بدون أسرة واعية، و لا تنشئة بدون أم وأب يدركان حجم المسؤولية التي يجب أن يتحملاها مناصفة و بالتساوي... إن تربية الأبناء على النزاهة تبدأ من البيت، حين يمنع الطفل من الغش في لعبة إلكترونية، قبل أن يمنع من الغش في الإمتحان...و حين يكون الأب و الأم القدوة و النموذج الصالح للإحتداء بهما من خلال رمزية أخلاقية حقيقية و صادقة...

لذا، من الضروري:

*)توفير برامج تأطيرية مستمرة للأسر...

*)تدريبهم على مواكبة مسار أبنائهم الدراسي و النفسي...

*)جعلهم شركاء في ترسيخ أخلاق الصدق لا شركاء في الغش و التواطؤ و التطبيع مع الكذب و التباهي الفارغ و الأجوف...

7)الكوتش الأسري و المدرسي: مرافقة ضرورية لتعزيز العطاء و المنافسة الشريفة:

من بين الحلقات الغائبة عن منظومتنا التربوية، و التي بات من الضروري الإسراع بتفعيلها، حضور "الكوتش" الأسري و المدرسي، كرافعة تربوية و مرافقة نفسية و سلوكية تساعد التلميذ على تجاوز التحديات، و تنير له طريق الإجتهاد بثقة في النفس و توازن حقيقي .

ففي زمن كثرت فيه الضغوطات النفسية، و ضاعت فيه البوصلة القيمية، بات التلميذ في حاجة ماسة لمن يرافقه لا فقط على المستوى المعرفي، بل أيضا على مستوى التحفيز، و ضبط النفس، و ترسيخ روح التباري الشريف، و كل ذلك لا يمكن للأسرة أو المدرسة أن تقوم به وحدها دون دعم متخصصين في المجال.

من هنا، فإن الدولة مدعوة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى إحداث مراكز للكوتشينغ التربوي و الأسري في كل إقليم أو مديرية تعليمية، بحيث يكون هناك:

*)مدربون تربويون و نفسيون يشتغلون على تحفيز المجتهدين وتوجيههم و تقويم الإعوجاجات  السلوكية لكل من تعذر عليه المواكبة من خلال تتبع حضوري فعال و ناجع. 

*)تنظيم ورشات تواصلية مع الأسر لتعزيز دورهم الإيجابي كمرافقين لا كمشاركين في الغش...

*)جلسات فردية و جماعية تعالج التردد، و الضغط، و ضعف الثقة بالنفس لدى المتعلمين...

*) تنظيم لقاءات لتقوية روح التحدي الإيجابي، و حب النجاح النزيه و الشريف...

بهذا فقط، نعيد بناء تلميذ واثق من نفسه، مشبع بالقيم، مؤمن بأن طريق النجاح هو الإجتهاد لا الإلتفاف على مجهود المجتهد و سرقته بالغش.

*** الغش خراب مؤجل... و الصدق طريق النجاة***بارقة المقال:

الغش ليس فعلا بسيطا في إمتحان عابر...إنه نواة خراب وطني، و شرارة حريق مؤسساتي لا يرحـــم.

من هنا، يجب أن نستفيق كدولة و كشعب، يجب أن نعيد بناء بوصلتنا القيمية، فالأمم لا تنهض بالشعارات، بل برجال و نساء  مروا من قاعة الإمتحان بكرامة و نجحوا بشرف، و رفضوا أن ينجحوا بالغش لأنهم علموا أن النجاح الحقيقي ليس ما يكتب على ورقة، بل ما يبنى في ضمير حي متقظ...

إن أردنا مستقبلا للوطن، فلنصنعه بنزاهة...من الورقة البيضاء التي يملؤها المجتهد بكفاءة، لا من ورقة الغش التي تملى معطياتها عبر الأجهزة الإلكترونية التي أخترعت لتنمية عقل الإنسان لا لتجعله بليدا و فاسدا...

Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية