عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

بقلم الجيلالي طهير : حين زارنا الطاعون

بقلم الجيلالي طهير : حين زارنا الطاعون

برشيد نيوز/ تلخيص الجيلالي طهير 
استرعى انتباهي  مقالة  قرأتها هذا الصباح، عنوانها " حين زارنا الطاعون"، للكاتب الصحفي اللبناني عامر محسن، حول أسباب انتشار جائحة كورنا ومفاعيله على الاقتصاد والمجتمعات، وارتأيت تلخيصها لفائدة القراء الأوفياء ل "برشيد أخبار" على النحو التالي.  في تأريخه لولادة مدينة روما، حلّل الكاتب الروماني شيشرون Cicéron  الأسباب التي دفعت روميليس لإختيار موقع  روما، عند تأسيسها في القرن الأوّل قبل الميلاد، قال : "هي قريبةُ من البحر ولكنها ليست على الساحل، تقوم على تلالٍ متجاورةٍ يمرّ بينها نهر، لا لسهولة الدفاع عنها فحسب، بل أيضاً لأنّ التّلال أمّنت مناخاً صحيّاً مرتفعاً، في محيطٍ يعجّ بالأوبئة ". 
الاعتقاد السائد في عصرنا هو أننا قد تخلّصنا من الأمراض المعدية. وهذا ما جعل الكثيرين يستهينون بخطر فيروس «كوفيد-19» حين ظهر، ويعتبرونه حالة ذعرٍ طبيّ ستنتهي خلال أسابيع وتمرّ.وقد انتقد الفيلسوف الفرنسي  ألان باديو  Alain Badiou هؤلاء المستهينين بالعزل الطبي، وقال: أنا لا أحتاج أصلا إلى سببٍ طبّي لكي أمارس العزل الاجتماعي على نفسي. ولأنّني أعرف حظّي، فقد عاملت نفسي سلفاً على افتراض أنّي مصابٌ بالفيروس، وكان همّي الأساسي أن لا أنقل العدوى إلى كبارٍ في السنّ وأحمل وزرهم.
ومنذ أكثر من عشر سنوات خلت،  كتب طبيبٍ أميركي ، باحث في مجال التغذية، اسمه مايكل غريغر، عن الأمراض المعدية وتكاثر ظهورها على المستوى العالمي في العقود الأخيرة. وقال: الإشكالية الحقيقية تكمن في الطابع «الصناعي» للفيروس، بمعنى أنّ العملية التي أنتجته ستفرز غيره في المستقبل. أي أنّ حالة الوباء والخوف والإقفال قد تصبح أمراً يجب أن نعتاد عليه. إن أكثر الأوبئة والفيروسات المعدية لم تكن موجودةً على مدى التاريخ البشري. بل نشأت في الحيوانات، ثمّ تطوّرت وانتقلت إلى البشر حين روّضنا هذه الحيوانات وبدأنا بتربيتها والعيش بالقرب منها. وهكذا أخذنا الأنفلونزا من البطّ، والتيفوئيد من الدجاج، والزكام من الحصان الخ.  إن هذه الأوبئة كانت «ثمن الحضارة»، قبل أن نكتشف لها لقاحات ويكتسب الناس مناعة ضدّها.
في القرون الماضية، كانت الأمراض الجديدة تظهر غالباً حين تدخل المدنيّة إلى أدغالٍ ومناطق نائية، ويحصل اتصالٌ مع أنواعٍ حيوانية جديدة، أو حين ينقل الناس إلى بعضهم البعض هذه الأمراض مع الغزو والسفر والتجارة. مثلا: الطّاعون الأسود، على ما يرجّح العديد من العلماء اليوم، انتقل إلى البشر في البداية من نمطٍ من القوارض يعيش في سهوب آسيا، وكان المغول يصطادونها ويأكلونها. غير أن عودة هذه الأوبئة، وظهور فيروسات جديدة وخطيرة تنتشر بين البشر على نطاق عالمي، هي ظاهرة القرن الواحد والعشرين. ورغم أنّ البعض منها، مثل ايبولا وربما كوفيد-19،  قد ظهرت عبر التواصل مع حيوانات برّيّة، فإنّ الخطر الحقيقي هو من الفيروسات التي نقوم باستيرادها في «أوعية مختبرية» أي مزارع الحيوانات التي تنظّم على مستوى صناعي.  شكلت الأنفلونزا الاسبانية عام 1918 تحذيراً مبكراً من خطر المزارع الحديثة، وقدرتها على توليد أوبئة جديدة ومميتة تنتقل إلى الإنسان . إذ خلال اقل من سنة،   قضى في موجة تلك الأنفلونزا عدد أكبر من ضحايا الحرب العالمية الأولى. إنه  ثمن الإنتاج الصناعي للحوم، ودخول اللحوم بكثافة إلى العادات الغذائية لأغلب شعوب الأرض، وتحويل القطاع الزراعي بالكامل، من أميركا إلى الصين، إلى قطاعٍ رأسمالي يقوم على الاستغلال الكثيف.
أنت لا تعرف متى سيخرج المرض المعدي الجديد ولكن، طالما أننا نستعبد مليارات الحيوانات بالشكل الصناعي الحالي، فهي حسابياً مسألة محتّمة. وأنت لا يمكن أن تتنبأ بموعد أو إمكانية ظهور فيروسٌ جديد، يخرج من إحدى المزارع في أميركا أو من سوقٍ للحيوانات في الصين، ينتشر بسرعة الأنفلونزا ويقتل مثل الايبولا. 
في أوّل بدايات المرض، يكون البيروقراطيون والحكّام أمام خيارٍ فعليّ بين التضحية بالاقتصاد أو التضحية بالأرواح. بمعنى أنه يمكنك أن تبالغ في الإجراءات وتقفل كلّ شيء فوراً، أو أن تراهن على مرور الموجة من دون تحمّل هذه الكلفة، وتأمل بأن لا يكون المرض خطيراَ وأن لا يموت كثيرون. والمفارقة هنا هي أنّ العديد من الدول السلطوية،  مثل الصين حين اتّضح حجم الوباء، اختارت فوراً إجراءات الحدّ الأقصى، في حين أن  الأنظمة الليبرالية  التي يفترض بها أن تكون الأكثر حرصاً على حياة المواطنين اختارت الطريق الآخر، وتأخرت واشنطن في وقف الرحلات الجوية من آسيا خوفاً على شركات الطيران، وأبقى حاكم ولاية فلوريدا على الشواطئ والمقاهي والفنادق مفتوحة، حتى بعد أن كان العالم كلّه يعرف بخطر الوباء، حتى لا يخسر الموسم السياحي. 
إن الدّولة الرأسمالية المهيمنة دائماً مستعدّة حين تتعرّض إلى تهديدٍ حقيقي لاتخاذ قراراتٍ جذريّة، وفرض انضباطٍ قاسٍ على شركاتها، بل وتوزيع رواتب البطالة على النّاس، من أجل الحفاظ على وجودها. ستقوم واشنطن مجدّداً بخلق المال وتوزيعه على الشركات بفوائد منخفضة أو معدومة، كما حصل عام 2009 المالية.  ولكنّ كلّ مرحلةٍ تجري في سياقٍ مختلف وستكون لها مفاعيل جديدة. فحجم الحقنة المالية هذه المرة سيكون أكثر من تريليوني دولار  في اميركا وحدها ، أي ضعف حزمة 2009 تقريباً، وقد تصل إلى تريليونات إضافية في المستقبل. وسيزداد معدّل الاستدانة على المستوى العالمي، ويزيد اللجوء إلى الدّولار كما حصل من قبل ولكن: هل سيكون لمحاولات الإنعاش الأثر ذاته؟  هذا هو السؤال الحقيقي. كتحوّلات الفيروس، لا يمكن التنبّؤ بشكل السياق الجديد ومفاعيله السياسية.
كما هو معلم، من مفاعيل أزمة عام 2009 أن الانهيار المالي كان عاملاً أساسياً في اكتساح المتطرفين للحزب الجمهوري في أميركا بدلاً من أن يظلّوا أقليّة على هامشه. حتّى لو انحسر الوباء بعد أسبوعين، فإننا سنخرج إلى عالمٍ ازدادت تناقضاته. سنجد سوق نفطٍ مختلفاً بالكامل، مع تراكمٍ لفائض أشهرٍ من الإنتاج، وهذا سيغيّر شكل السياسة في منطقتنا كما يحصل مع كلّ هزةٍ نفطية. الوباء لا يلغي مفاعيل القوّة، ولكنّه قد يعيد تشكيلها.  لا معنى لأن تنتظر التغيير من مرض؛ جلّ ما في وسعك فعله في هذه الأثناء هو أن تحمي نفسك وأهلك ما استطعت، وأن تعمل وتفكّر من أجل بديلٍ يشبهك.

Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية