عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

بقلم الجيلالي طهير : المركب الرياضي القديم ودرب آرلو (الجزء 2)

بقلم الجيلالي طهير : المركب الرياضي القديم ودرب آرلو (الجزء 2)

برشيد نيوز: بقلم الجيلالي طهير
أولا: ولادة المركب  الأصلي
لا جدال بأن تاريخ كرة القدم ببرشيد مرتبطُ بتاريخ الاحتلال الفرنسي  لأولاد حريز، إذ انطلقت ممارسة اللعبة بداخل الثكنة العسكرية الفرنسية من طرف الجنود الفرنسيين، قبل أن يستأنس بها الشباب المغاربة عن  طريق الألعاب المدرسية. لذلك نجد  الجيل الأول من لاعبي "الكاب" كلهم من المتعلمين،  على الرغم من تفشي الأمية في عصرهم، مثل الحارس ولد بريقة، الريحاني، ولد الهلومي، بن يخلف، البورو، بولعقول، خليفة، الخ. في البداية، كان ميدان اللعب يقتصر على أرض عارية،  في الهواء الطلق، يعلوها الغبار صيفاً، وتغرق في الوحل شتاء. وكانت  طريق الدار البيضاء القادمة من مديونة تمر  بجانب مقبرة  سيدي زاكور جنوباً، وتتقاطع  مع الطريق القادمة من بوسكورة عند محطة السكة الحديدية  العسكرية التي شيدت سنة 1908.  وفي سنة 1932، أجرى  المراقب المدني بيلي Claude Pillet  تعديلا  على الخريطة الطرقية لبرشيد، بعد إبطال العمل بمحطة السكة الحديدية العسكرية،  تجلى في تمديد طريق مديونة  إلى حدود تجزئة  آرلو  المرخص لها سنة 1929، فوق العقار المسمى "أرض لكداني طالح". الشيء الذي مكنه من تحويل الأرض الفلاحية التي تم توفيرها بين الطريقين الأصلية والجديدة،  ومساحتها أزيد من ستة هكتارات، إلى منتزه ترفيهي ورياضي، للاستجمام والترويح عن النفس، زوده بملاعب لمختلف الأنشطة الرياضية: كرة القدم، كرة السلة، الكرة الحديدية، التنس، السباق، القفز، الرماية، الخ.  وقد تم تدشين هذا المركب الأخضر في جو بهيج لم يسبق له مثيل، بفضل الترويج له على الصفحات الرياضية  لجريدتي " لوبوتي ماروكان" و"لافيجي ماروكان"، ساعد على خلق حركة سياحية لم تعرفها برشيد من قبل، فازدحم شارعها الرئيسي بالسيارت القادمة من كل النواحي، وفَتحت إحدى شركات النقل العمومي للمسافرين خط خاصا  لنقل الزوار بواسطة الحافلات من أمام مقهى فرنسا بالدار البيضاء إلى برشيد .
 شاركت في المهرجان الاحتفالي فرق رياضية من مدن الدار البيضاء، سطات، وادي زم، فضالة، ابن أحمد، الكارة، تمثلن مختلف الرياضات: كرة القدم (كبار وصغار)، كرة السلة، التنس (رجال ونساء)، الرماية، الكرة الحديدية. لم يغب سباق الدراجات عن الحفل، فانطلق المتسابقون من حديقة ليوطي (حديقة الجامعة العربية)  بمدينة الدار البيضاء صوب برشيد، عبر طريق مديونة، وعادوا  إليها  عبر طريق عين سيرني ( طريق السوالم) ، بعد مرورهم  بأهم شوارع برشيد. تزامن الحفل مع حلول فصل الربيع، فجاءت طائرات سياحية مباشرة من مهرجان برشلونة،  رست بجانب المركب، وقامت بجويلات جوية فوق المدار الحضري للمدينة الصغيرة، لفائدة  الزوار  الراغبين في الاستمتاع بمناظر الحقول المزهرة، مقابل أجرة بسيطة. كانت تلك أحد أدوات الحداثة المستعملة في التعريف بالمركب الأخضر لبرشيد، والتسويق للسياحة البيئية بمنطقة أولاد حريز،. أين نحن الآن؟ تم مؤخرا  تدشين ملعب  معشوشب  لكرة القدم ببرشيد، وجيء بكبش  ذبحوه أمام اللاعبين، وسط رقعة الملعب، لاستمالة وإرضاء الأسياد الذين يسكنون العالم السفلي.  هذا عصر جديد تسود فيه المعلوميات وما زلنا نسير على نفس خطة الأجداد الذين كانوا يقدمون الذبائح والقرابين للأولياء، من الإنس والجن، يستنصرونها كي تنصرهم. على الرغم من  انتشار قيم وأنماط سلوكية جديدة تتميز بالفردانية، جعلت الأشخاص يلعبون أكثر لأجل التواصل الإجتماعي عوض حب القميص، ومن أن سلوكنا الظاهر قد أبطل السحر، لا تزال الخرافة تعشش في الأعماق (الصورة).
 انتقل المراقب المدني بيلي إلى العمل بمراكش وخلفه زميله تيسييهThessier  على رأس الإدارة المحلية ببرشيد. هذا الأخير قام سنة 1937 بإتمام الانجازات التي بدأها سلفه على صعيد البنيات التحتية، فأجرى تعديلات هندسية  على المجمع الرياضي الأخضر، أضفت عليه المزيد من الرونق والجماليةّ، وكان أهمها: تغيير المدخل الرئيسي للمركب؛ تكسية  أرضية المدخل القديم بالعشب؛ تحويل ملعب كرة القدم الذي كان يوجد في الجهة الجنوبية من المركب (تيران ساليكان)  إلى الجهة الجنوبية؛ بناء حديقة مائية للأطفال؛ بناء برجولات pergollas؛ بناء حلقة دائرية للسباق، الخ. ما كان ينقص المركب الرياضي هو المسبح، لكن غطاسي نادي "الكاب"، فرع السباحة،  كانوا يقومون بالتداريب  في مسبح جوزيف مارتنيز، بإحدى الضيعات الفلاحية. تم استغلال اليد العاملة الجنائية في الأشغال الأرضية للمركب، إي نزلاء السجن المدني، فكانوا يُربطون إلى بعضهم البعض بسلاسل، كل مجموعة على حدة، مُشكلين عناقيد بشرية كي لا يتمكنوا من الفرار. وهم الذين أنجزوا عمليات الحفر، وتكسية الأرض، والتنقية  من الأحجار والأعشاب، وغرس الأشجار، وأزلوا بناية محطة السكة العسكرية  التي استُغلت أخشابها  وقضبانها  الحديدية  في بناء " دار الدرويش"، المخصصة لتجميع المشردين والمصابين بمرض الطاعون،  فوق أرض الشيخ على  ولد الركيك العباري، بطريق سطات ( "أرض بوكليب" في السجلات العقارية ).
ظلت الأشجار الشائكة  تلف المحيط الخارجي  لملعب كرة القدم التابع للمركب. ولم يكن هذا الأخير يتوفر على مستودع للملابس، ولا  على أي حاجز يفصل بين اللاعبين والجمهور دون خط الشرط. وفي عهد يوسفية برشيد، تم  تحصينه بحائط وقائي  وسياج حديدي. لكن طال الإهمال باقي مرافق المركب الذي أصبح فضاؤه يحتضن المصلى في أيام الأعياد، والسيرك المتنقل خلال أيام العطل. في الولاية الأولى للرئيس عبد الله  القادري، وهو لاعب سابق في صفوف "الكاب"، وسليل الأسرة التي فوتت نحو 12 هكتار للمعمر آرلو،  أعاد هذا الأخير الاعتبار  للمركب الرياضي تحت اسم " مركب المسيرة الخضراء"، فأصبح يتوفر على ملاعب لمختلف الرياضات و " دار الشباب " . كما جهز ملعب كرة القدم بمدرجات ، وأضاف مقهى و 15 دكانا  بواجهته الخارجية. وفي الولاية الثانية له،  فوت  نحو أربع هكتارات من أرض المركب لشركة الخطوط الجوية المغربية سنة 1989، ووقع شهادة وفاة المركب  في إطار إعادة  هيكلة وتهيئة شارع  محمد الخامس،  بمقتضى القرار رقم 04/ 88 بتاريخ 05-10- 1988. 
ثانيا: علاقة الملعب البلدي بدرب آرلو
لا يمكن ذكر تاريخ كرة القدم ببرشيد دون ذكر واحد من أفضل الأحياء المحلية على مستوى كرة القدم ببرشيد، وهو درب آرلو، الحي العتيق، الغني بالمواهب والطاقات الرياضية، بفضل موقعه المتميز كامتداد لجغرافية المركب الرياضي القديم . " بدون الأساس الجغرافيا يبدو  لنا الناس الذين يصنعون التاريخ كما لو كانوا يمشون في الهواء، أي على غير أساس كالرسوم المتحركة. المكان له  تأثير على الجماعات البشرية يتجلى في أشكال عديدة، وهو  يؤثر في الجماعات كما يؤثر في الأفراد"، يكتب ميشليهMichelet  في تاريخ فرنسا. تنطبق هذه النظرية على صناع التاريخ في الجغرافيا العامة  مثلما تنطبق على  الميكر- تاريخ  في الجغرافيا المحلية. ويتعلق الأمر هنا بتأثير جغرافية الملعب البلدي على أولئك  اللاعبين الذين صنعوا تاريخ وأمجاد فريق يوسفية برشيد لكرة القدم. ليس درب آرلو مجرد بيوت صماء وأزقة ساكنة، بل وعاء بشري تحركه الأحاسيس والطموحات والمشاريع، يؤثر ويتأثر بمحيطه الرياضي الذي أكسبه  سيمات  ومميزات  الدلع  الكروي.  وعلى سبيل المقارنة مع  درب جديد المتواجد بالقرب من  مقر السلطة المحلية (البيرو)، كان شباب هذا الحي يتعرضون يوميا للمطاردة من  طرف  أعوان السلطة، يمنعونهم من اللعب خلف بناية المحكمة ومن اصطياد العصافير بحديقة الباشا، فتولدت لديهم  حساسية تجاه السلطة المحلية، استثمرها  حزب الاتحاد الاشتراكي كأرضية خصبة للاستقطاب. بالفعل، كانت حديقة الباشا مغرية وجذابة، عندما كانت في غاية الأناقة، تتوفر على مسبح وملعب للتنس، ويزهو في أرجائها الطاووس. إذ في مطلع الستينات تجرأ أحد الصبيان على اختراق تلك الحديقة وسطا على قمصان الباشا مولاي الطاهر العلوي المنشورة على حبل الغسيل. ولما  جاء الرئيس العموني سرح فيها الغنم التي  كان يهديها له أعيان النخالة والقرض الفلاحي،  ولم يعد فيها ما يغري بالمغامرة. "ليالي الأنس في فينيا ليست كليالي الأنس في دار الروزاني زعيط، الله الله هذا شْنو، هذا شْنو؟"، كان يردد أولاد درب جديد.
هناك فارق كبير بين تصرف الآباء في درب آرلو الذين كانوا  يذهبون لتشجيع أبناءهم في الملعب وبين ما كان يحدث بين الآباء والأبناء بدرب جديد من أجل اللعب. والطرائف في هذا الباب كثيرة. ما  يميز درب آرلو عن درب جديد  كونه  فضاء منفتح على الأفق البعيد لمدينة الدار البيضاء، بفضل تواجده  في ملتقى الطريقين الرئيسية والثانوية. بينما يعتبر درب جديد  جيبا منغلقا،  حبيسا بين أربع  جدران، محكوما عليه بالانكفاء والتقوقع على الذات.  إنه تعصبٌ كروي هناك، وتعصبٌ حزبي هنا، غير ناجم  عن قناعات فكرية ولا عن  ميولات انتهازية، بل مجرد  تنفيس جماعي عن المعاناة من كرب المظلومية وعقدة الضحية. إن كل بيئة عمرانية لا تعزز العلاقات الإجتماعية، وكل خضوع للعزلة الذاتية، يعطينا  النفور من الغير،  خشية التهميش من طرفه أو الذوبان فيه.  لهذا السبب رفض شباب درب جديد، بطريقة تضامنية، التوقيع  واللعب في صفوف فريق يوسفية برشيد، بينما احتكر شباب حي آرلو  صفة اللاعب الرسمي في صفوف الفريق لمدة طويلة.  ولما وقع القائد عمرو " النحيلة"، وهو ابن بطوطة  درب جديد، ونجمه الصاعد آنذاك، مع الفريق الأول للمدينة في مطلع السبعينات، من أجل  المساعدة على متابعة الدراسة بثانوية ابن عباد بسطات،  حصل معه مثل "أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون". ضاق صدره بالجلوس في  غَيابة الجُب، على كرسي البدلاء، فاستاء غيضا وقال لهم: " هداك التيران،سيرو حفضوه  وتيتروه.  بينا وبينكم الحدود،  وبراكة  عبد الله ميرم اللي حدا لغابة الخياط هي الديوانة، قولو للشيخ صالح يعلق  عليها راية".  وإلى الآن لا تزال لعنة التهميش/ النقابة تطارد القائد عمر، مع إحدى عشر كوكبا، في انتظار التكريم المحتجز الذي قد يأتي أو لا يأتي.  ليس تحليلا، نحن نشخص الواقع بكل احترام. ما كان يتخوف منه درب جديد كرويا، سقط فيه حزبيا، عندما لحقه التهميش والابتلاع من طرف الاتحاد الاشتراكي الحاكم بالمجلس البلدي، وأصبح العضو المنتخب من طرف السكان باسم الحزب يتكلم باسم الحزب ويدافع عنه على حساب الحي الميت. في صراعهم الكروي من أجل الريادة، كان أولاد درب آرلو  يلقبون أولاد درب جديد ب " ليهود".  وأثناء إحدى اللقاءات التي جمعت الغريمين في دوري رمضان، تألق فريق درب جديد، وأمطر  شباك الحي آرلو، فقال المصطفى الزنكي، نجم زمانه مع الحي العتيق، لزملائه: " معامن لاعبين، ليهود شاحطينو".  
.مع  التمدن الكثيف  والسريع لمدينة برشيد وإعادة النظر في  تصفيف شارعها الرئيسي،  تم ترحيل  المركب الرياضي الترفيهي إلى جهة أخرى من المدينة، وبذلك اختتمت حلقة النفوذ  التي كان يمارسها حي آرلو على " حكومة يوسفية برشيد . كل شيء انتهى، تراجع وزنه، ولم يعد حجرا أساسا في تشكيلة يوسفية برشيد.. لكن على الرغم من قتل الملعب وانسحاب الجغرافيا نحو الموت(المكان)، فإن التاريخ (الزمان)  الذي جمع درب آرلو بفريق يوسفية برشيد  في يوم من الأيام لم يمت أبدا، وهو حاضرٌ في مقاومة الإقصاء وتغيير  قواعد اللعبة. متواجدٌ في المراحل المتوالية من التفاهم تارة، والتصادم تارة أخرى، بين الفعاليات الرياضية لهذا الحي  والمكاتب المسيرة للفريق، منذ 1992  على الأقل وإلى الآن.
يتبع الجزء 3

Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية