نبش في ذاكرة برشيد
برشيد نيوز: متابعة
توجد في برشيد على الأقل ثلاثةُ أنواع من الذاكرة، كل ذاكرة لها تأويلها الخاصُ للتاريخ المحلي.
هناك ذاكرةُ
المنتصرين الذين يشكلون الأغلبية الحاكمة؛ و توجدُ ذاكرةُ المعارضة المقصية بواسطة الانتخابات؛ وأخيرا ذاكرةُ الأغلبية الصامتة المقاطعة للعملية الانتخابية.
يقولُ جاك بانفيل، "لا يمكن الاشتغال على السياسة إذا لم نأخذ في الحسبان بأن للأشياء زوايا متعددة ينظرُ إليها كل فردٍ من الموقعِ الذي هو موجودٌ فيه"."الأجيالُ متضامنةٌ مع بعضها البعض في الانتماءِ للعصر وفي ارتكاب الحماقات.
كلُ جيل جديد يعتقدُ أنه بداية التاريخ وبداية السياسة. وعندما ننظر إلى الماضي، نرى نفس الأشياء القديمة تتكرر في الحاضر"، هذا كلام جاك بانفيل.
إن الذين يطالبون بإقصاء الأميين من رئاسة المجالس المنتخبة، ويريدون الحكم لوحدهم لأنهم محصلين على الدبلومات، لم يأتوا بشيء جديد كما يعتقدون. فمنذ أفلاطون كانت التربية والتعليم المعيار الأوحد لتقلد مهام الحكم .
والفرق الجوهري هو أن أفلاطون يربط التعليم بالمنطق والحكمة، وهم يفكرون في ملأ البطون والجيوب. " ليس السياسيُ الجاهلُ من لا يعرفُ الجغرافيا أو المحاسبة التي بالإمكان تعلمها في بضع ساعات. السياسيُ الجاهلُ هو من فقد كل إحساس بالحقيقة الإنسانية وبالسخرية، لكثرة ترديده ديماغوجيا أو ببغاويا جملا جاهزة. التجربة هي التقنية الوحيدة في عالم السياسة.
فلا توجد سياسة جديدة، وتوجد السياسة فقط، وهي المبنية على التجارب، والمعرفة.
إن شباب الحاضر يثمثلون رجال الماضي على أنهم متهورين، أغبياء. وهم يحتاجون لكثير من الدراسة والتأمل وقوة الملاحظة لفهم الطبيعة البشرية التي هي نفسها لا تتغير على طول الأزمنة"، انتهى كلام جاك بانفيل...
لا يمكنُ القبول منطقيا بالافتخار بالقبيلة والفرس والعيطة وعدم الأخذ في الحسبان المخزن الذي تدور حوله كل هذه الاكسسوارات.
عندما نتعاطفٌ مع خربوشة ضد القائد عيسى بن عمار فإننا نقبلُ خارج وعينا بالرحلة خارج الزمن، ونحلمُ بالجلوس مكان القائد لأجل معاملتها بالحسنى.
يسوق الأستاذ العروي ملاحظة جميلة عندما يقول بأن المغربي تغمره النشوة وهو ينظر للغبار المتطاير من تحت سنابك الخيل في محرك الفروسية، ويبقى جامدا كجلمود صخر أمام رؤية الغبار المتطاير من تحت عجلات الجرار.
ليست المعارضة المؤسساتية في نظري سوى النمط المسالم " للسيبة العصرية" في اصطلاح المؤرخ عبد الله العروي. ويعني بها احتجاج رجال المخزن ضد المخزن، بسبب إقصائهم من وظائف المخزن، لأجل العودة إلى العمل مع المخزن.
إن قِصة الشيخة هنية، إحدى الشيخات المعْروفات بفاس في عهْد الحماية، مليئةٌ بالعبرٍ والدروس لمنْ يفكرُ في أن يتعسفَ كي يراضي أحزاب البورجوازيين ضد أهله وناسه من أصل قروي: كانت المنافسةُ قويةَ بفاس بين الشيخة زينب المطلوبة بكثرة في أعراس دار المخزن لشياكتها؛ والشيخة خدوج السبتية، التي أصلُها من مدينة سبتة، هربت مع تاجر مغربي إلى الجزائر حيث تعلمت هناك الغناء الجزائري واللغة الفرنسية، ورجعت إلى فاس كشيخة ناقلة الغناء الذي تعلمته بالجزائر؛ تليهما الشيخة بريكة بنت علال من قبيلة الشراكة، جاءت إلى فاس مع والدها، شيخ المغنى الذي علمها الحرفة فأتقنتها أحسن إتقانْ.
وفي الصف الأخير، توجد الشيخة هنية لعروبية على الرغم من كونها تغني وترقص أفضلَ منهن جميعا ( بحسب الكاتب الفرنسي الراوي). كانت مهمشةً وغير مطلوبةٍ بكثرة للشغل في الحفلات، وتحتلُ المرتبة الرابعة، أي موجودة في آخر الترتيب. لماذا؟ لأنها بدويةٌ فقيرةٌ، جاءت من نواحي الدار البيضاء لمدينة فاس، تحملُ وشمات كثيرة على وجهها، وتتحدث باللهجة البدوية. والدها شاركَ في ثورة الشاوية ضد المستعمر الفرنسي وألقيَ عليه القبض، نقلوه إلى السجن بالدار البيضاء، فانتقلت الأسرة الصغيرة من القرية للمدينة للتمكن من زيارته.
كانت هنية حين إلقاء القبض علي والدها، وانتقالها للدار البيضاء، لا تزال طفلةً صغيرةً، فلم يرحمها الذئاب وتعرضت للاغتصاب. ولأنها كانت موهوبةً في الرقص والغناء، جميلةً ورقيقةً، أصبحت شيخة في فاس...، ومع ذلك لم تحتلْ سوى المرتبة الرابعة والأخيرة، عند أهل فاس .
بتصرف عن مقال للأستاذ : طهيرالجيلالي .
صاحب الصورة هو ذ. حسن الوزاني بن الشيخ محمد الوزاني بن الشيخ العيدي بن الشيخ علي بن الحسين. مرشح حزب الأحرار، اللون الأبيض بدرب الطاهري برشيد الانتخابات البلدية ضد محمد بوعبيد باسم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. وفي التشريعية ضد سعد الله صالح .
التعليق ذ. طهيرالجيلالي.
الوثيقة : من أرشيف شامة حسون وهي تهم المهتمين بالتاريخ السياسي ببرشيد .
نستشف منها التقسيم الانتخابي لجماعة برشيد سنة 1977م .