بقلم الجيلالي طهير : البـرشيـديـاتُ المنسـيـات (1)
برشيد نيوز/ الجيلالي طهير
توجدُ طريقتان لاستدراج الكتابة عن المرأة بمدينة برشيد. واحدةٌ مباشرةٌ، لا نميلُ إلى الأخذ بها، تتناول أمورا حاضرة لذاتها، في متناول السمع والبصر، وإما تعتيمٌ عقابيٌ أو تكريمٌ محابيٌ، أباك صاحبي. والأخرى غير مباشرة، تدخلُ في نطاق ثقافة الاعتراف، نسلكها في الاحتفاء بعيد المرأة، لنفض الغبار عن مقام سيدات غائبات، وأيقونات مغيبات، ساهمن في صُنع تاريخ المدينة الملفوف بالنسيان.
أولا: بدايات التمدرس
لا نبتعد عن الحقيقة لو قلنا بأن أول فتاة اشتهرت بولوجها المدرسة العصرية بأولاد حريز هي فاطنة هلال، الملقبة بالسكويلية، عمة المقاوم الاتحادي بوراس، وزوجةُ محمد بلمعطي بلمنصر، أستاذ اللغة الفرنسية بمدينة الدار البيضاء في عهد الحماية. وفي غياب المعطيات الكافية عن تاريخ تمدرس الفتيات ببرشيد، يكتفي البعض بالتمييز بين مرحلتين أساسيتن، أشارت إليهما فاطمة زرويل في كتابتها عن المرأة والتشغيل، وهي مرحلة ما قبل سنة 1947، ومرحلة ما بعد سنة 1947 التي برزت فيها الفتيات الثلاثة الأوائل الملتحقات بمقاعد الدراسة ببرشيد، وهن: زهور ادريس، فاطمة بوزيد، ورقية عمرو .
عرفت مدرسة الإناث النور مع أول مجلس بلدي بعد استقلال المغرب. ويرجع الفضل في ذلك إلى الحاج بوطربوش الذي تبرع على المدينة بقطعة أرضية من أملاكه الخاصة. وهنا وهناك، كانت بعض البيوت اليهودية ومعامل الطرز والخياطة، مثل معمل الحاجة فاطمة أمان، تستقبل الفتيات الراغبات في تعلم الأشغال اليدوية. وفي مطلع السنة الدراسية 1966، بلغ عدد الفتيات في سن التمدرس 350 تلميذة، واضطر المجلس البلدي وقتها إلى تأجير أحد البيوت السكنية، من أجل تلبية الإقبال النسوي المتزايد على الدراسة. وفي نهاية السنة الدراسية 1964/ 1965، تمكنت ثلاثة فتيات فقط من الحصول على شهادة التعليم الثانوي بثانوية برشيد، وهن على التوالي: فطومة بلقاضي ، بنت قائد سرية الدرك الملكي برشيد؛ وزبيدة رشد، بنت الشاوش محمد بن علي؛ ومحجوبة الوادي، بنت التاجر بوجمعة الوادي. وفي متم السنة الدراسية 1966/ 1967، ارتفع عدد الفائزات بنفس الشهادة إلى سبعة فتيات، وهن: السعدية بلمقدم، بهيجة مسترشد، خدوج طهير، زبيدة البلازي، خديجة المسعودي، ليلى الجوالي، الحداوية القصاصي. نحن نسير ببطء، لكن لا يجب النظر إلى الماضي بعيون الحاضر. للتوضيح، وعلى سبيل المقارنة، بلغ عدد الفرنسيين الحاصلين على الشهادة الابتدائية ببرشيد سنة 1934 خمسة أفراد فقط، من ضمنهم أستاذ الأجيال هنري فالنتان.
ثانيا: بدايات الحق في الشغل
لا جدال بأن المرافق السباقة إلى فتح أبوابها أمام تشغيل العنصر النسائي ببرشيد، هي التعليم، والصحة، والإدارة العمومية. يضم الفوج الأول للممرضات كل من زهور التازية، المتوفية في ريعان الشباب؛ وعائشة مغلوض قبل أن تغادر إلى ميدان التعليم؛ وفاطنة بوزيد قبل أن تصبح مضيفة طيران. وانضافت إليهن لاحقا فاطمة باحمان، وزهور المرابط، وفطومة بندادود عريف، ويامنة الرفالية، وخديجة الزيدي، والزيتونية زوجة بلمامونّ، وفاطمة رشد، وفضيلة الحداد، زهور بن الستي، وفاطمة زهير، والسعدية زروق ، وفاطنة العساس، وفاطمة الرفالية . وفوينة النعيمي، واللائحة طويلة بأسماء الموظفات الوافدات من سطات ووادي زم، ومدن أخرى.
ويلي القطاع الصحي على مستوى التشغيل قطاع التعليم. وقد برزت فيه من الأوائل، كل من مغنية بلخدير، فاطنة زهير، السعدية ايدوبلا، الشعيبية فتيتة، الكنبوشية الذهبي، الخ. بينما تأخرت الادارة العمومية في توظيف المرأة قبل أن يلجها الفوج الأول للراقنات، وعلى رأسهن السعدية المؤذن وزميلتها فاطمة بشر، من أبواب باشوية برشيد، وهن من مواليد آسفي، كن يتقاضين أجورهن من الميزانية العامة للدولة. وأما على مستوى الميزانيات الجماعية، فأن أول موظفة تقاضت راتبها من ميزانية البلدية برشيد هي مليكة زديرة ، بينما كانت زميلاتها عائشة براح تنتمي لميزانية جماعة رياح، وفاطمة أمزوغ لميزانية السوالم، والسعدية عريج لميزانية الدروة، والسعدية محسن لميزانية جاقمة. وعن باقي الإدارات العمومية برز اسم خديجة الجوهري كأول موظفة تلتحق بقباضة برشيد، في الوقت الذي كانت فيه فاطمة بكار تشغل راقنة بمركز الشبيبة والرياضة، وحليمة كارو، راقنة بثانوية برشيد المختلطة. وأخيرا، تعتبر حليمة شكيب، والدة المهندس مراد شكيب، زميلنا أنذاك في الثانوية، أول أستاذة مغربية تضع رجلها بثانوية برشيد المختلطة؛ وزهور الجارديني، أول فتاة من بنات برشيد تنخرط في صفوف القوات المسلحة الملكية. ولا يغيب عن الأذهان بأن الشرف يعود لفضيلة قديري، المرأة الخلوقة والمتواضعة لله، لتكون أول حريزية تدخل قاعة مجلس النواب.
ثالثا: بدايات العمل في الحقل الاجتماعي
أحدثت منظمة الاتحاد النسوي بمبادرة من جلالة المغفور له الحسن الثاني سنة 1969 ، من أجل تطوير وضعية المرأة وإشراكها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية. ضم المكتب الإقليمي للاتحاد النسوي المؤسس سنة 1969، عقيلات رجال السلطة ورؤساء المصالح الإقليمية، وعقيلات الأطباء والمحامين المغاربة، ومن بينهن عقيلة مولاي عبد الله العلوي، قائد المركز المستقل ببرشيد ، والأستاذة حليمة شكيب، زوجة مدير مكتب البريد ببرشيد. وعلى المستوى المحلي، ضم مكتب الاتحاد النسوي ببرشيد في صفوفه التالية أسماءهن: زوبيدة بنمريم، مديرة مدرسة عائشة التيمورية للبنات (رئيسة المكتب(؛الحاجة مليكة لبريني، مديرة مدرسة ادريس الحريزي للبنات (النائبة الأولى(؛ خديجة الجوهري،موظفة بالقباضة (النائبة الثانية(؛ نوارة عائشة، زوجة مدير المدرسة المركزية للبنين(الكاتبة(؛ باحمان فاطمة، ممرضة، (نائبة الكاتبة(؛ الشعيبية الرفالية، ربة بيت، (أمينة الصندوق(؛ بنجرود خديجة، هرامي فاطمة، دياني مليكة، بنيامين فاطنة، دعنون السعدية (مستشارات(.
رابعا: بدايات العمل السياسي والنقابي
تعتبر المناضلة الياقوت الرودانية، زوجة فراج الواصيف، أول امرأة متحررة سبقت غيرها إلى الانخراط في العمل الحزبي والنقابي. أشاد بها علال الفاسي، قائلا بأنها تساوي 100 رجل . والأمر هنا يتعلق بموقف سياسوي ، يقصد به زعيم حزبه النكاية ب 100 رجل أدوا القسم على الوفاء له، على طريقة عبيد البخاري، ثم غادروا إلى حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
كان يجب انتظار سنة 1983، كي يتم انتخاب أول مستشارة في تاريخ برشيد، وهي الادريسية الرفالية، المنتمية لحزب عبد الله القادري. خلال الحملة الانتخابية، استدعى باشا المدينة مناضلا من الاتحاد الاشتراكي، في سن والده، كان يشتغل ضد المرشحة الديموقراطية، وصفعه على وجهه، وهو يقول له: " علاش تخاف من المكي لكبابطي، ومتخافش مني". تنتمي الحاجة الادريسية لأسرة متعلمة، حصل والدها محمد الرفالية بن الغزواني الشرقاوي، على الشهادة الابتدائية بأبي الجعد سنة 1932 ، وكان بها تلميذا عند المعلم علي قميحة، والد عبد الرزاق قميحة الذي شغل منصب رئيس دائرة برشيد، ثم عاملا على إقليم سطات. التحق محمد الرفالية بالمدرسة العسكرية الدار البيضاء بمكناس، الأكاديمية الملكية العسكرية، لكن أباه رمى بسلهامه فوق تابوت الولي بوعبيد الشرقي، ودعا ربه بأن يبعد ابنه من صفوف جيش الكفار . وكانت تلك الواقعة سببا في تركه المدرسة العسكرية ، والقدوم إلى برشيد، مع أخيه الجيلالي، كي يشتغل بمصالح البريد، براتب شهري جد محترم، تم خصم النصف منه بعد الاستقلال، على يد الوزير عبد الرحيم بوعبيد، حتى أصبح مثل يا أيها الجاهلون.
وفي سنة 1992 ، شهدت الساحة السياسية جرأة ميلودة مغلوض، من حزب عبد الرحيم بوعبيد، في مقارعة الرئيس البرلماني عبد الله القادري، بدائرة الموت. كان الكثير من المتبجحين بالانتماء إلى حزب الاتحاد الاشتراكي يرتشعون وهم يقفون أمام عبد الله القادري، يتوسلون شيكا بنكيا أو بقعة أرضية، بسيدي رحال الشاطئ. وكان الأمر جد عادي بالنسبة للمحامية ميلودة مغلوض أن تمضي قدما في منافسة الرجل القوي بمعقله الانتخابي، كونها تؤمن من تلقاء نفسها بأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية. وقد أسفرت نتيجة الاقتراع عن فوز الزعيم الديموقراطي ب 400 صوت من أصل، وحصلت ميلودة مغلوض ب 215 صوت. وقال شقيقها أحمد مغلوض، من الكنفدرالية الديموقراطية للشغل: "ما عرفناها بلدية، ما عرفناها زاوية قادرية" . وبعيدا عن دائرة الموت، كان حضور المرشحة أمينة مزوارة ، من حزب أحمد عصمان، جد باهت وكأنه لم يكن.
خامسا: لا تضرب المرأة ولو بوردة.
تعاملت برشيد مع مقولة " لا للعنف ضد النساء" واقعا ملموسا، قبل أن ترفعه المنظمات النسائية شعارا دعائيا، في مواجهة واقع ما كان يجب أن يكون. بتاريخ 14 يونيو 1939، كتبت جريدة " لوبوتي ماروكان"، الناطقة بالفرنسية، بقلم مراسلها من برشيد، هذه المقولة: " لا تضرب المرأة ولو بوردة"، وذلك في سياق تعليقها على الحكم بالسجن لمدة ثمانية أيام الصادر من طرف القائد محمد بن عبد السلام برشيد، في حق رجل يدعى محمد بن صالح، قام بتعنيف فتاة تسمى سارة، لا لسبب سوى لأنها خرجت تتنزه في الحقل بدون استئذانه . قام الرجل بالتحرش بالفتاة ، وهي أخت زوجته، وعندما صدته و لم يبلغ مراده، لم يجد سبيلا آخر غير الانتقام منها. وهكذا انتظر خروجها للتنزه في الحقل المزهر، والفصل ربيع، ليلحق بها ويشبعها ضربا، معللا تصرفه العدائي بكونها غادرت البيت بدون استئذانه. قدمت الفتاة شكايتها للقائد برشيد، فأنصفها بالحكم عليه بالسجن لمدة ثمانية أيام، قضاها في التفكير في المثل الفرنسي القائل :" لا تضرب المرأة ولو بزهرة". رفقا بالقوارير، قال النبي صلى الله عليه وسلم.
){kind=link}