عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

بقلم التهامي حبشي : إقليم برشيد ... مجال فلاحي غني وشاسع.. في حاجة إلى تسويق ترابي ناجع...

بقلم التهامي حبشي : إقليم برشيد ... مجال فلاحي غني وشاسع.. في حاجة إلى تسويق ترابي ناجع...

إقليم برشيد:
مجال فلاحي غني وشاسع..
 في حاجة إلى تسويق ترابي ناجع...
برشيد نيوز : بقلم  التهامي حبشي
على سبيل الاستهلال...
    على هامش تنظيم النسخة الأولى من فعاليات وأنشطة المعرض الوطني للحبوب والقطاني، من طرف جمعية المعرض الدولي للحبوب والقطاني...ما بين 12 و 15 أكتوبر الجاري بمدينة برشيد، تحت شعار: ((الحبوب والقطاني أساس الأمن الغذائي...))، و في إطار مشروع للتواصل المؤسساتي، في بعده المتعلق بالتسويق الترابي لإقليم برشيد، وكمساهمة منا في التوصيف المجالي والتشخيص الترابي لهذا الإقليم الجديد، تقدم هذه المقالة الوصفية التحليلية، بعض المعطيات المونوغرافية، والخصائص السوسيواقتصادية لإقليم ذي طابع قروي، ما فتئ يتحول تدريجيا نحو النمط الحضري، إقليم ارتبط في المتخيل الجغرافي المغربي، وفي الذاكرة الجماعية للمغاربة، بكونه (مطمورة) الشاوية على مستوى إنتاج الحبوب...، والقصد من ذلك، لفت الانتباه إلى ضرورة حسن الاستثمار الترابي لهذا المجال الجيوـ استراتيجي والحيوي بجهة ميتروبول الدار البيضاء، للمضي به بعيدا على مستوى مدارات ورهانات التنمية المجالية الشاملة والمستدامة...
1ــ إقليم برشيد: الموقع والمجال:
   يمتد إقليم برشيد على مساحة جغرافية قدرها 2530 كلم مربع، من أصل 25830 كلم مربع كمساحة عامة لجهة الدار البيضاء ـ سطات. يحده شمالا إقليم النواصر، وجنوبا إقليم سطات، وشرقا إقليم بنسليمان، وغربا إقليمي الجديدة وسيدي بنور، ومياه المحيط الأطلسي ( شريط ساحلي إقليمي على طول 10 كلم)، مما يجعل تراب الإقليم متميزا بموقعه الجغرافي والتواصلي الاستراتيجي على مستوى الجهة والوطن ككل، في وسط وغرب سهول الشاوية الخصبة فلاحيا، وعلى ملتقى شبكة طرقية في كل الاتجاهات، وبالقرب من مطار محمد الخامس الدولي، وميناء الدار البيضاء، وميناء الجرف الأصفر بالجديدة...، فالإقليم يوجد داخل رقعة جغرافية متاخمة لعدة مدن كبرى كالدار البيضاء والجديدة، ومدن متوسطة كسطات، وبرشيد، والدروة، وحد السوالم، والكارة وسيدي رحال الشاطئ، علاوة على عدة مراكز قروية نامية، كأولاد عبو والغنيميين وقصبة بن مشيش.. وتدلنا القراءة الوصفية الأولية لهذا المجال الشاسع، الذي يحتله إقليم برشيد، على وجود علاقة بين التنوع الإيكولوجي الذي يعرفه هذا المجال الترابي، الذي يجمع بين تضاريس سهلية وأخرى ساحلية وأراض صالحة للزراعة، وبين التنوع في السلوك الاقتصادي الذي يجمع بين ممارسات وخبرات وعادات، مترسخة ومتوارثة تاريخيا ،على مستوى مزاولة النشاط الفلاحي (الزراعة وتربية المواشي)، وتحولات واتجاهات نحو ممارسة النشاط الصناعي أو التجاري المرتبط بالقطاع الفلاحي (تسمين القطيع والصناعات الغذائية والعلفية..).  ولذلك، لا ينبغي لنا في توصيف هذا المجال الترابي الوقوف عند حدود القراءة الإيكولوجية لمحيطه الطبيعي والجغرافي فحسب، بل ينبغي أن تدفعنا هذه القراءة الأولية للمجال إلى قراءة الإنسان الذي يحتله ويكيفه حسب مقتضيات اقتصادية، اجتماعية وسياسية أيضا. ــ د. رحمة بورقية، الدولة والسلطة والمجتمع، دراسة في الثابت والمتحول في علاقة الدولة بالقبائل بالمغرب، دار الطليعة، الطبعة الأولى، بيروت،1991،ص.15.
   2 ـــ الديمغرافيا أو جغرافية السكان:
   يتميز الإقليم بدينامية ديمغرافية ملحوظة من حيث تنامي وتيرة تعداده السكاني الذي بلغ برسم الإحصاء العام للسكان والسكنة سنة 2014 ما مجموعه 484518 نسمة ( 103803أسرة)، بكثافة سكانية تصل إلى 191.5 فرد في الكيلومتر المربع. ويمثل عدد سكان إقليم برشيد نسبة 7.06بالمائة من ساكنة جهة الدار البيضاء سطات ، التي بلغ تعدادها سنة 2014 ما مجموعه 6861739 نسمة (1559404 أسرة)، بنسبة 20 بالمائة من إجمالي ساكنة المغرب). ويعد محور الدار البيضاء، مديونة، الدروة، النواصر، برشيد الشريط الأكثر تعرضا للتعمير والإسكان بالجهة، بنسبة تمدن بلغت 73.6 بالمائة.
التراب
المساحة الإجمالية كلم2
عدد السكان
بالنسمة (2014)
عدد الأسر (2014)
الكثافة السكانية
نسمة/كلم2
عدد الجماعات الترابية
إقليم برشيد
2530
484518
103803
191.50
22 جماعة
جهة الدار البيضاء سطات
25830
6861739
1559404
265.65
168 جماعة
المغرب
453730
33848242
7313806
74.60
1683جماعة

 وفي ما يلي التوزيع السكاني حسب الجماعات الترابية لإقليم برشيد ( سنة 2014):
الإقليم/الجماعة/الدائرة
عدد السكان (2014)
عدد الأسر (2014)
إقليم برشيد
484518 نسمة
103803 أسرة
برشيد (البلدية)
136634
31705
الدروة (البلدية)
47719
10596
الكارة (البلدية)
20855
4833
حد السوالم (البلدية)
36765
8454
أولاد عبو (البلدية)
11299
2277
سيدي رحال الشاطئ (البلدية)
20628
4919
دائرة برشيد
131084
26121
ابن معاشو
8458
1676
لغنيميين
17513
2978
لحساسنة
9315
1693
الساحل أولاد حريز
38156
7250
سيدي عبد الخالق
6122
1007
سيدي المكي
8920
1711
السوالم ـ الطريفية
33079
7970
زاوية سيدي بنحمدون
9521
1836
دائرة الكارة
79534
14898
الفقرا أولاد عامر
6256
1223
جاقمة
10306
1850
قصبة بن مشيش
14905
2603
لمباركيين
8559
1604
أولاد صباح
7606
1524
أولاد زيان
17095
3306
اولاد زيدان
6434
1297
رياح
8373
1491
المصدر: المندوبية السامية للتخطيط، الإحصاء العام للسكان والسكنى سنة 2014.

  3 ــ على المستوى الإداري والمؤسساتي:  
    في الفترة المعاصرة، لا يمكن قراءة مجال برشيد، إلا داخل التقسيم الإداري الجديد عقب مرحلة الاستقلال، الذي قسم المغرب إلى مناطق وعمالات وأقاليم ودوائر وجماعات حضرية أو قروية، ليعبر عن أحد أوجه تدخل الدولة في تنظيم المجال واستكمال إرساء المقومات الإدارية لهيمنتها. وبعد مرحلة الاستقلال، وبحكم الترتيب الإداري الجديد والتطور الاقتصادي للعاصمة الاقتصادية للبلاد، استطاعت برشيد، أن تدخل ضمن مصاف المراكز الحضرية الصغرى، بعدما تمكنت من أن تصبح مركزا مستقلا سنة 1969، بعد إحداث إقليم سطات سنة 1967 وفصله عن عمالة الدار البيضاء، لتصنف مدينة برشيد   في رتبة بلدية ابتداء من سنة 1982، فجماعة حضرية منذ سنة 1992 تابعة لإقليم سطات إلى حدود أواخر سنة 2009، تاريخ إحداث إقليم برشيد ، باقتطاعه من تراب إقليم سطات المجاور له من الجهة الجنوبية. وبموجب التقسيم الجهوي المغربي الجديد (مرسوم رقم 2.15.40 صادر في 20 فبراير 2015 ، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6340 بتاريخ 5 مارس 2015 بتحديد عدد الجهات وتسمياتها ومراكزها والعمالات والأقاليم المكونة لها.)، أصبح الإقليم تابعا لجهة الدار البيضاء ــ سطات، التي تتكون من تسع عمالات، ثمانية منها بمدينة الدار البيضاء وواحدة بمدينة المحمدية، علاوة على سبعة أقاليم  هي: الجديدة، سيدي بنور، النواصر، مديونة، بنسليمان، برشيد، وسطات. ويتكون إقليم برشيد من 22  جماعة ترابية (من أصل 168 جماعة ترابية بالجهة)، وهي جماعات في أغلبها ذات سمات قروية، منها فقط ست جماعات ذات طابع حضري، بكل من: عاصمة الإقليم برشيد (136634نسمة)ــ الدروة (47719ن) ــ حد السوالم(36765ن)،ثم الكارة(20855ن)ــ سيدي رحال الشاطئ (20628ن)، فأولاد عبو(11299نسمة).
العمالة أو الإقليم
عدد الجماعات
عدد السكان سنة 2014
عمالات الدار البيضاء
17 جماعة حضرية
3359818 نسمة
عمالة المحمدية
06 منها 04 قروية
404648 ن
إقليم بنسليمان
15 منها 12 قروية
233123 ن
إقليم مديونة
05 منها 02 قروية
172680 ن
إقليم النواصر
05 منها 02 قروية
333604 ن
إقليم برشيد
22 منها 16 قروية
484518 ن
إقليم سطات
46 منها 41 قروية
634184 ن
إقليم الجديدة
27 منها 24 قروية
786716 ن
إقليم سيدي بنور
25 منها 23 قروية
452448 ن
جهة الدار البيضاء ـ سطات
168 جماعة ترابية منها 124 جماعة قروية.
6861739 نسمة
المصدر: التقسيم الإداري في المغرب، ويكيبيديا ـ الموسوعة الحرة.
4 ـــ على المستوى السوسيواقتصادي (الفلاحي):
    يمتد إقليم برشيد فوق تضاريس سهلية خفيضة وخصبة بالمنطقة الوسطى الداخلية والمنطقة الساحلية المعتدلة، وسط  المجال الترابي الشاسع جهة الدار البيضاء سطات التي تتركز بها 10.4 بالمائة من المساحة الفلاحية الصالحة للزراعة( SAU)،)حوالي 350000هكتار)، والتي تساهم بحوالي النصف في نمو الاقتصاد الوطني (48.1 بالمائة)، وتساهم في الناتج الوطني للقطاع الفلاحي بنسبة 5.4 بالمائة ــ عماد ع. معدل الفوارق بين الجهات...حسب معطيات للمندوبية السامية للتخطيط، جريدة الاتحاد الاشتراكي، عدد 11733 ليوم 20/09/2015،ص.2. وتنتج جهة الدار البيضاء سطات حوالي 16 بالمائة من حجم الإنتاج الوطني للحبوب، وذلك بفضل أقاليم ذات امتدادات قروية: سطات، بنسليمان، النواصر، مديونة، الجديدة، وسيدي بنور، علاوة على إقليم برشيد الذي تبلغ المساحة المزروعة بترابه ما قدره  203.000 هكتار، أي ما يعادل 80 بالمائة ن مجموع مساحة الإقليم، وتمثل هذه المساحة نسبة 3 بالمائة من المساحة الوطنية الصالحة للزراعة، وتساهم بنسبة 13.25 بالمائة في الإنتاج الفلاحي الوطني. ويجر الفلاحون بالمنطقة وراءهم تجارب وممارسات مهمة وقديمة في الميدان الفلاحي بنوعيه (الزراعة وتربية الماشية)، كما يستفيد القطاع من عدة مؤهلات بشرية وتقنية تساعد على تطوير الزراعة، بالإضافة إلى تطور أشكال الاستغلاليات الفلاحية التي غدت تعتمد بشكل ملموس على المكننة ووسائل عصرية في الحرث والزراعة والحصاد، والتسميد والتسمين، والسقي بالتنقيط واستعمال البيوت البلاستيكية، حيث عرف الإقليم تجربة نموذجية لسقي 700 هكتار. ــ استراتيجيات وأشكال صمود الفلاحين في وجه التمدين بإقليم برشيد، الجغرافيا التطبيقية، بحث منشور على النت: تاريخ الولوج 20/09/20147: http :www.geographie.com/2015/10/quiz4.html 
 وتتوزع المساحة المزروعة بإقليم برشيد، من حيث النظام العقاري(مقارنة مع إقليمي سطات وبنسليمان) على الشكل التالي :
الإقليم
الملك
الجموع
الإصلاح الزراعي
الحبوس
ملك الدولة
المجموع
برشيد
175080 هكتار

10652 هكتار
11883 هكتار
674 
هكتار
4711 هكتار
203000 هكتار
سطات
373789
113102
17729
31
16493
521144
بنسليمان
108559
1796
7804
939
14822
133920
المصدر: المديرية الإقليمية للفلاحة بسطات، المندوبية السامية للتخطيط، النشرة الإحصائية الجهوية لجهة الشاوية ورديغة، سنة 2014، المديرية الجهوية للتخطيط بسطات، دجنبر 2015،ص.18.
5ــ التفاتة تاريخية للفلاحة الماضية:
   شكلت الأراضي الفلاحية الخصبة ببلاد الشاوية، الهدف الرئيسي الذي أسال لعاب المعمرين الأجانب الذين تهافتوا على السيطرة عليها واستغلالها بشتى الطرق.  ويستفاد من إحدى المونوغرافيات السوسيولوجية الكولونيالية حول مدن وقبائل الشاوية حتى سنة 1913 أن المعمرين الأجانب استطاعوا بسط أيديهم على ما يقرب من 30 ألف هكتار من أخصب الأراضي الفلاحية، بكل من تراب قبائل اولاد حريز ( حوالي 12000 هكتار= 30 معمر أجنبي)، والمذاكرة وأولاد علي (4900 هكتار)، وأولاد زيان والسوالم (5919 هكتار، وأولاد عبو الهدامي (6381 هكتار).. وهي الأراضي التي امتازت، لقرون عديدة، بتوفير مجال شاسع وخصب لرعي قطعان الأغنام والأبقار والماعز، والخيول والحمير والبغال والجمال.. كما تميزت بإنتاج محاصيل زراعية مهمة من الحبوب (القمح الصلب، الشعير، الخرطال..) ومن القطاني ( الذرة، الحمص، العدس، الفاصوليا، الحلبة، الكزبرة، وبذور الكتان...)، يمكن تقدير كميتها الإجمالية سنة 1913 ــ حسب المعطيات الإحصائية الواردة في المونوغرافيا المشار إليها ــ بما يفوق من 250 ألف قنطار. 
القبائل ومركزها
عدد المعمرين الأجانب
عدد هكتارات المعمرين الأجانب
قيمة الممتلكات بالفرنك الفرنسي
أولاد حريز/ برشيد
30
12000
481000
المذاكرة/ الكارة
77
4900
57000
أولاد زيان/الدروة
86
5919
331650
الهدامي/ أولاد عبو
14
6381
75000 (تقدير)
المجموع
207
29200
944650
Villes et Tribus du Maroc, Casablanca et les Chaouia, ,tome2,Ernest  Leroux,Paris,1915,P:114.
   ويستفاد من الجداول والمعطيات التي جاءت في مونوغرافية مدن وقبائل المغرب حتى بداية الحماية الفرنسية، أن النشاط الفلاحي بشقيه الزراعة وتربية المواشي، بإقليم برشيد، يقوم على أساس ممارسة تاريخية متجذرة في العمل والسلوك لدى أغلبية سكان الإقليم، فلساكنة المنطقة خبرة مهمة وقديمة في الميدان الفلاحي، تعود إلى شدة تعلق أهل المنطقة بالأرض والقطيع، وإلى ما خبروه من تقنيات ومهارات من جراء عملهم كعمال زراعيين ومربين للمواشي داخل الضيعات الفلاحية للدولة، أو داخل الاستغلاليات الفلاحية الكبرى والمتوسطة للرأسمالية (البورجوازية) الزراعية التي استوطنت بالمنطقة منذ فترة ما بعد الاستقلال...ولذلك، فإن حاضر وواقع القطاع الفلاحي بإقليم برشيد اليوم هو نتيجة سيرورة تاريخية أو استمرارية، في الزمان والمجال، لمجموعة من المراحل التي مر بها الإنسان في علاقته وحراثته للمجال الإيكولوجي المحيط به.( يشير واتربوري في مؤلفه ص.197 إلى أن فترة الاستقلال تميزت ببروز فئة جديدة من الملاكين العصريين، تتكون من أبناء الملاكين القرويين الذين شرعوا في تحديث طرق استثمار الإرث العائلي، وأبناء الأسر التجارية الحضرية المقيمين بالمدن، وجماعة استغلت نفوذها الإداري لشراء ضيعات المعمرين (موظفو وزارة الداخلية والضباط). وفي سنة 1963 كان ما يقرب من 20 بالمائة من الأراضي الزراعية يستثمر بطريقة عصرية، وكان ثلث هذه المساحة بين أيدي معمرين أجانب بلغ عددهم 5903 معمرا، كانوا يستغلون مليون و17000 هكتار، منها 189000 هكتار في ملكية الاستعمار الرسمي، و 728000 هكتار يستغلها الاستعمار الخاص. وقد تركزت جل هذه الأراضي في مناطق السهول الشاطئية الخصبة، وفي أودية الأنهار الكبرى المسقية... ومنها سهول الشاوية ودكالة..، وفي هذه المناطق بالذات استقرت البورجوازية الفلاحية المغربية الجديدة. وتقدر المساحات التي اشتراها المغاربة من المعمرين بما بين 300 و500 ألف هكتار جلها من أراضي الاستعمار الخاص. وكان من المفروض أن تتكلف الدولة باسترجاع أراضي الاستعمار الرسمي، وطال انتظار الإصلاح الزراعي، بحيث لم يعلم عنه إلا استرجاع 250 ألف هكتار أخرى بالتدريج. ويمكن أن نستخلص من ذلك بشكل واضح على أن النظام تغاضى خلال عشر سنوات عن التسيير الرديء لهذه الأراضي، لأنه كان يحتفظ بها كوسيلة ضغط لاستعمالها في حالة الاستعجال. عندما أعلن الملك عن نيته لتوزيع الأراضي المسترجعة، أصدر تحذيرا قائلا: (( لقد قررنا استرجاع حوالي 200 ألف هكتار باعتبارها مجموع ما تبقى من الأراضي التي ما زالت بين أيدي الأجانب)). وقد أدلى في ضوء ذلك بآخر التقديرات الرسمية للأراضي التي يملكها الاستعمار الخاص. ومن المرجح أن هذه الأراضي كانت تبلغ في الواقع 270 ألف هكتار، أي ما تبقى من 700 ألف هكتار التي كان يملكها المعمرون في السابق)). جون واتربوري، أمير المؤمنين، الملكية والنخبة السياسية المغربية، ترجمة: عبد الغني أبو العزم، عبد الأحد السبتي، عبد اللطيف الفلق، مؤسسة الغني للنشر، الطبعة الثالثة، دار أبي رقراق، الرباط، 2013.ص.198.

6ــ معطيات أساسية حول الوضعية الفلاحية الراهنة:
على الرغم من حرمانها التاريخي من سياسة الري عبر السدود، تتميز الأراضي الزراعية بإقليم برشيد، مقارنة مع نظيرتها بإقليمي سطات وبنسليمان، بكونها الأكثر عرضة للسقي بواسطة آبار المياه الجوفية: 22000 هكتار( مقابل 10575 بإقليم سطات، و6781.5 هكتار بإقليم بنسليمان)، وذلك بفضل وجود فرشات مائية باطنية مهمة بكل من المنطقة الشرقية للإقليم (برشيد ـ جاقمة..)، والمنطقة الغربية (الساحل أولاد حريز..). 

الإقليم
الأٍراضي البورية
الأراضي المسقية
المجموع
برشيد
179685
22000
201685
سطات
371590
10575
382165
بنسليمان
127138.5
6781.5
133920
المصدر: المديرية الإقليمية للفلاحة بسطات، المندوبية السامية للتخطيط، النشرة الإحصائية الجهوية لجهة الشاوية ورديغة، سنة 2014، المديرية الجهوية للتخطيط بسطات، دجنبر 2015،ص.19.
المساحة الصالحة للزراعة
95000 كلم مربع
المساحة البورية
80550 كلم مربع
المساحة المسقية
14450 كلم مربع
المصدر: المغرب، ويكيبيديا الموسوعة الحرة.
  بلغت المساحة الوطنية المزروعة من الحبوب برسم الموسم الفلاحي 2012/2013 ما مجموعه 5390.4 ألف هكتار ، منها 5202.7 ألف هكتار من الحبوب الشتوية، زيادة على 187.7 ألف هكتار من حبوب الربيع. منها القمح الصلب 944 ألف هكتار، والقمح الطري 2259.3 ألف هكتار، والشعير 1967.1 ألف هكتار، والخرطال 32.3 ألف هكتار. والذرة 178.1 ألف هكتار. والأرز 5 آلاف هكتار والبشنة 4.6 ألف هكتار.
   بينما بلغت المساحة الوطنية المزروعة من القطاني 400.4 ألف هكتار، منها 205.5 ألف هـ من الفول، و57 ألف ه. من الحمص، و55.7 ألف هـ. من الجلبانة، و53.3 ألف هـ. من العدس، و28.9 ألف هكتار من قطنيات أخرى.ـــ  المغرب في أرقام، سنة 2015، مطبعة إيديت، الدار البيضاء، سنة 2015.ص.52.
وتكاد زراعة الحبوب (القمح الصلب والطري، الشعير، الخرطال، والذرة..) تهيمن على تراب الإقليم بنسبة تعادل 63 بالمائة من المساحة الإجمالية الصالحة للزراعة ( 127120 هكتار). تليها مساحة إنتاج الخضروات ب 15395 هكتار، ثم مزروعات علف الماشية بمساحة 12000 هكتار، بينما تحتل زراعة القطاني ( الفول، العدس، الحمص، الجلبانة..) الرتبة الرابعة بعد المزروعات العلفية، بحصة 11320 هكتار من مجموع المساحة الصالحة للزراعة بالإقليم، تليها مساحة الأشجار المثمرة (الزيتون، اللوز، التفاح، المشماش، الكروم، التين...)ب 1736 هكتار، بينما لا نجد بالإقليم أية مساحة تذكر بالنسبة للزراعات الزيتية والصناعية والعطرية، كالقطن وقصب السكر والشمندر وعباد الشمس...

أصناف المساحات الزراعية بالهكتار 2012/2013
التراب
الحبوب
الخضروات
أعلاف الماشية
القطاني
الأشجار المثمرة
المزروعات الزيتية والعطرية
إقليم برشيد
127120
15395
12000
11320
1736
ــــ
إقليم سطات
326500
3198
16150
25370
5325
350
إقليم بنسليمان
87980
7496
10317
8500
5149
635

المغرب
5390400
ــــ
ـــــ
400400
ــــ
144800
المصدر: المديرية الإقليمية للفلاحة بسطات، المندوبية السامية للتخطيط، النشرة الإحصائية الجهوية لجهة الشاوية ورديغة، سنة 2014، المديرية الجهوية للتخطيط بسطات، دجنبر 2015، من ص. 20 إلى ص.25.+ المغرب في أرقام 2015، مطبعة إيديت الطبعة 54، الدار البيضاء، 2015.،ص.52
  أما من حيث الإنتاج،  فإن إقليم برشيد، يأتي بعد إقليم سطات، على مستوى إنتاج الحبوب، بينما يتصدر أقاليم الجهة من حيث الإنتاجية على مستوى القطاني ، والخضروات، والمزروعات العلفية للمواشي، ومعلوم أن الإنتاج الفلاحي من الحبوب قد بلغ سنة 2012/2013 ما مجموعه 98636.3 ألف قنطار، موزعة ما بين الأصناف التالية:
إنتاج الحبوب بالألف قنطار سنة 2012/2013.ص.20.
التراب
القمح الصلب
القمح الطري
الشعير
الذرة
الخرطال
البشنة
المجموع
إقليم برشيد
7.88
17.14
6.26
0.15
5.75
ـــ
37.18
إقليم سطات
1847.4
28882.4
2325.4
9.6
ــــ
ـــ
7064.8
إقليم بنسليمان
784
1666
230
2.58
100.1
ـــ
2746.68
المغرب
18972.3
50367.5
27226.2
1181.4
463.3
48.4
98295.1
المصدر: المديرية الإقليمية للفلاحة بسطات، المندوبية السامية للتخطيط، النشرة 
الإحصائية الجهوية لجهة الشاوية ورديغة، سنة 2014، المديرية الجهوية للتخطيط بسطات، دجنبر 2015، من ص. 20 إلى ص.25.+ المغرب في أرقام 2015، مطبعة إيديت الطبعة 54، الدار البيضاء، 2015.،ص.53
 كما يتبين ذلك من معطيات ترجع إلى سنة 2012/2013:
إنتاج القطاني بالألف قنطار.2012/2013ص.21.
الإقليم
الفول
العدس
الحمص
الجلبانة
نوع آخر
المجموع
برشيد
38.80
15.30
18
35.64
ـــ
107.74
سطات
7.04
62.80
12
23.25
ـــ
105.09
بنسليمان
17.5
15
14
7.29
1.2
54.99
المغرب
1566.7
429.5
250.0
370.7
316.5
2870.4
المصدر: المديرية الإقليمية للفلاحة بسطات، المندوبية السامية للتخطيط، النشرة
الإحصائية الجهوية لجهة الشاوية ورديغة، سنة 2014، المديرية الجهوية للتخطيط بسطات، دجنبر 2015، من ص. 20 إلى ص.25.+ المغرب في أرقام 2015، مطبعة إيديت الطبعة 54، الدار البيضاء، 2015.،ص.53
إنتاج الخضراوات بالألف قنطار.2012/2013ص.22.
الإقليم
البطاطس
البصل
الطماطم
البانذنجان
الجزر واللفت
أنواع أخرى
المجموع
برشيد
182
360
94.5
ــــ
1216
1238
3090.5
سطات
156
187
1.4
ــــ
234
198.25
776.65
بنسليمان
189.92
214
6.01
13
20
194.9
637.83
نفس المصدر أعلاه.
إنتاج مزروعات علف الماشية بالألف قنطار سنة 2012/2013ص..2
الإقليم
شعير الكلأ
ذرة الكلأ
الفصة
البرسيم
خرطال الكلأ
أنواع أخرى
المجموع
برشيد
1530000
ــــ
ــــ
ــــ
ــــ
180000
1710000
سطات
720000
ــــ
ــــ
ــــ
ــــ
250000
970000
بنسليمان
880
275.85
24
4.2
1458.81
30.29
2673.15
عدد رؤوس الماشية وحيوانات الجر.سنة2013ص.28
الإقليم
الأغنام
الأبقار
الماعز
الخيول
البغال
الحمير
الإبل
برشيد
125000
48000
2000
3000
500
1500
120
سطات
126000
136450
21855
ــــ
9800
28600
425
بنسليمان
190000
57000
18000
4000
4200
13000
10
نفس المصدر أعلاه.
إنتاج اللحوم الحمراء / كمية اللحوم المراقبة بالطن سنة2011.ص.30
الإقليم
الأبقار
الأغنام
الماعز
أنواع أخرى
المجموع
برشيد
4035
217
26
4
4282
سطات
5862
1246
6559
5
136257
بنسليمان
2355
560
118
1
3034
  ومعلوم أن جهة الدار البيضاءـ سطات توجد على رأس القمة بخصوص إنتاج اللحوم الحمراء بنسبة 30 بالمائة من مجموع الإنتاج الوطني للحوم الحمراء.
عدد وحدات تربية الدواجن سنة 2011.ص.31.
عدد الوحدات
برشيد
سطات
بنسليمان
وحدات إنتاج لحوم الدجاج
05
28
01
وحدات الدجاج الولود
ـــ
ـــ
ـــ
وحدات الدجاج البياض
01
ـــ
ـــ
وحدات إنتاج لحوم الديك الرومي
12
07
01
المصدر: المكتب الوطني للصحة والسلامة الغذائية بسطات، سنة 2011.

  والملاحظ أن القطاع الأولي/ الفلاحي (الزراعة وتربية المواشي والدواجن) بإقليم برشيد، جد مرتبط بالقطاع الصناعي ، وخاصة ما يتعلق بالصناعة الغذائية ، حيث  بلغت القيمة المضافة للصناعة الغذائية بالإقليم سنة 2012 ما مجموعه 917540ألف درهم، محتلة بذلك الرتبة الثانية بعد الصناعة الكيماوية وشبه الكيماوية بقيمة 3823315 ألف  درهم. حسب معطيات المندوبية الإقليمية للتجارة والصناعة بسطات. ونفس الشيء بالنسبة للإنتاج الصناعي بالإقليم، حيث بلغت قيمة الصناعة الغذائية سنة 2012 ــ حسب نفس المصدر، ما مجموعه 10042692 ألف درهم بعد الصناعة الكيماوية وشبه الكيماوية بقيمة 12081849 ألف درهم بالإقليم. كما نجد أن الصناعة الغذائية تحتل الرتبة الثانية بالإقليم على مستوى مؤشرات التصدير والاستثمار الصناعي، بعد الصناعة الكيماوية وشبه الكيماوية. (جداول، ص.42 من النشرة الإحصائية المشار إليها أعلاه.). كما أن منتجات القطاع الزراعي من الحبوب بالإقليم، تبقى جد مرتبطة أيضا بمعطيات القطاع التجاري في ما يتعلق بقطاع المطاحن الصناعية. بحيث يحتل إقليم برشيد، المرتبة الثانية بأقاليم الجهة، على مستوى عدد المطاحن والقدرة السنوية للطحن 8265000 قنطار سنة 2013، مقابل 1836000 قنطار بالنسبة لإقليم بنسليمان. إلا أن إقليم برشيد يتصدر بقية الأقاليم على مستوى كميات الحبوب المطحونة، 4146201 قنطار، متبوعا بإقليم بنسليمان ب 656066 قنطار. كما يتبين ذلك من الجدولين التاليين:


عدد المطاحن الصناعية والقدرة السنوية للطحن بالقنطار سنة 2013.
الأقاليم
عدد المطاحن
القدرة السنوية للطحن بالقنطار
برشيد
13
8265000
سطات
02
630000
بنسليمان
01
1836000
المجموع
16
10731000
المصدر: المكتب الوطني لمهنيي الحبوب والقطاني.
كميات الحبوب المطحونة بالقنطار سنة 2013.
الأقاليم
القمح الطري
القمح الصلب
الشعير
المجموع
برشيد
3318856
646441
180904
4146201
سطات
170228
ـــ
ـــ
170228
بنسليمان
461941
194125
ـــ
656066
المجموع
3951025
840566
180904
4972495
 المصدر: المكتب الوطني لمهنيي الحبوب والقطاني.
نشاط المطاحن الصناعية بالمغرب سنة 2012/2013 بالألف قنطار
سحق القمح الطري
سحق القمح الصلب
سحق الشعير
49108
7210
868
المصدر: نشرة المغرب في أرقام 2015، ص.72.
  وهكذا، وبالاستناد إلى معطيات للمكتب الوطني للحبوب والقطاني سنة 2013، نجد أن إقليم برشيد يوجد على رأس بقية أقاليم الجهة على مستوى كمية الدقيق المنتجة، وعلى مستوى كمية الدقيق المباعة .
كميات الدقيق المنتجة حسب النوع بالقنطار سنة 2013.
الأنواع
إقليم برشيد
إقليم سطات
إقليم بنسليمان
الدقيق المحرر
2205615
75176
330907
الدقيق المدعم
319509
58358
16200
دقيق القمح الصلب
138423
ـــ
33000
السميدة
377806
ـــ
122300
دقيق الشعير
ــــ
ــــ
ــــ
سميدة الشعير
135922
ــــ
ــــ
نوع آخر
ــــ
ــــ
153659
المجموع
3177275
133534
656066
المصدر: المكتب الوطني لمهنيي الحبوب والقطاني.
المنتوجات المستخرجة من الحبوب على الصعيد الوطني سنة 2013 بالألف قنطار 
القمح الطري
القمح الصلب
الشعير
فضلات القمح
37169
5644
644
10304
المصدر: المغرب في أرقام 2015، ص.72.
كميات الدقيق المباعة حسب النوع بالقنطار سنة 2013.
الأنواع
إقليم برشيد
إقليم سطات
إقليم بنسليمان




الدقيق المحرر
2212720
75839
312238




الدقيق المدعم
321006
58391
13539




دقيق القمح الصلب
133287
ـــ
32150




السميدة
426982
ـــ
118100




دقيق الشعير
ــــ
ــــ
ــــ




سميدة الشعير
133110
ــــ
ــــ




نوع آخر
ــــ
ــــ
152890




المجموع
3227105
134230
628917




المصدر: المكتب الوطني لمهنيي الحبوب والقطاني.
مبيعات المنتوجات المستخرجة من الحبوب على الصعيد الوطني، سنة 2013 بالألف قنطار
القمح الطري
القمح الصلب
الشعير
المجموع
26141
5614
220
31975
المصدر: نشرة المغرب في أرقام 2015، ص.72.
    إن المعطيات الواردة في الجداول أعلاه، تبرز بوضوح كيف أن منتوجات الحبوب والقطاني بالإقليم تساهم في إفراز واستنبات وحدات صناعية غذائية تنتج بدورها مواد استهلاكية أساسية في التغذية بالنسبة للأفراد والأسر ( الدقيق، اللحوم..)، وبالنسبة للقطيع الحيواني (كلأ علف وتسمين المواشي والدواجن) سواء داخل الإقليم أو الجهة أو الوطن ككل. وهو ما يستلزم من الجهات المشرفة على القطاع الانتباه إلى أن القطاع الفلاحي المحلي، لا زال يحتاج إلى المزيد من تعبئة وتنظيم وتأطير الفلاحين الصغار والمتوسطين لبلوغ أهداف المخطط الأخضر للفلاحة الذي يتوخى تحقيق التخصص والتدقيق والتسويق على مستويات عالية. وكل ذلك بما يتماشى مع المعايير والمواصفات الوطنية والدولية للصحة والسلامة الغذائية للمواطنين وللقطيع الحيواني ( الأغنام، الأبقار، الدواجن..)، وبما يراعي ضمان الأمن الغذائي، والحفاظ على التوازنات البيولوجية للمحيط الإيكولوجي للإقليم على مستوى جودة الماء والتربة والهواء. ولذلك، فلا بد من سياسة تعيد النظر في عملية تنزيل المخطط الأخضر على أرض الواقع، بالبدء من تحت إلى فوق، على مستوى برامج وأنشطة توعية وتأطير وتكوين الفلاحين المشتغلين والمهتمين بقطاع زراعة وتسويق الحبوب والقطاني بالإقليم. فبدون الاشتغال على القاعدة/ قاعدة المشروع الترابي، ستضيع ـ ربما ـ سنوات أخرى من مسلسل تنمية القطاع الفلاحي/الزراعي وتأهيل موارده البشرية (الفلاحين والمزارعين) على مستوى مهن وتقنيات الحرث والزراعة و التسميد والتخزين والتثمين، للدفع بهم بعيدا على مستوى ولوج عالم الإنتاج الذكي والتسويق المعاصر، وإنعاش المبيعات، بكل فعالية ونجاعة و جودة ومردودية. 
  أما بالنسبة لأشغال فلاحة الأرض ومدخلات الإنتاج، المتعلقة بمعطيات أصناف الحرث بالهكتار، والبذور الزراعية المختارة، الأسمدة بالقنطار، فالملاحظ في هذا الصدد أن جداول النشرة الإحصائية الجهوية للمندوبية السامية للتخطيط بسطات في صفحتها 26، لا تخبرنا بشيء بالنسبة لإقليمي برشيد وسطات، وتكتفي بإيراد معطيات تخص إقليمي بنسليمان وخريبكة. ونفس الشيء ينطبق على جدول تحسين النسل والتخصيب الاصطناعي في الصفحة 28 من النشرة المذكورة. 
7ــ اليد العاملة أو الفئات النشيطة:
   وفي ما يخص اليد العاملة حسب القطاع، فالملاحظ أن قطاع الصناعة الغذائية بإقليم برشيد يشغل يدا عاملة مهمة (5743 عامل سنة 2012 من أصل 21954 عامل صناعي بالإقليم)، بينما لا يتعدى عدد العمال بالصناعة الغذائية بإقليم سطات 720 عامل من أصل 4640 عامل صناعي، وبإقليم بنسليمان 656 عامل بالصناعة الغذائية من أصل 4733 عامل صناعي بالإقليم.ص.41.
العاملون الدائمون حسب القطاع سنة 2012.ص.41.
القطاعات
إقليم برشيد
إقليم سطات
إقليم بنسليمان
المجموع
الصناعة الغذائية
5743
720
656
7119
الجلد والنسيج
2087
957
109
3153
الكيماوية وشبه الكيماوية
6737
2156
674
9567
الميكانيك والمعادن
4021
236
1051
5308
الكهربائية والإلكترونية
3366
571
2243
6180
المجموع
21954
4640
4733
31327
المصدر: المندوبية الإقليمية للتجارة والصناعة.
  ويساهم إقليم برشيد في تعزيز معدل النشاط بالجهة الذي بلغ سنة 2014 نسبة 42 بالمائة مقابل 43 بالمائة سنة 2013. وقد انتقل معدل البطالة بتراب الجهة من 10.5 بالمائة إلى 11.4 بالمائة ما بين سنتي 2013 و2014، في مقابل 9.9 في المجالات القروية و9.3 بالمائة بالنسبة للمعدل الوطني سنة 2014. ويبلغ عدد العاطلين بالجهة اكثر من 155000 شخص، 93.8 منهم يقيمون بالحواضر. ويمثل هذا العدد نسبة 13.3 بالمائة من عدد العاطلين على المستوى الوطني، وذلك حسب معطيات منشور باللغة الفرنسية لولاية جهة الدار البيضاء سطات تحت عنوان: أية حكامة لتنمية مستدامة لمتروبول الدار البيضاء؟ 31 يناير 2017.
8ــ تشكيلة فلاحية بدون تصنيفات فئوية:
   الملاحظ غياب معطيات إحصائية رسمية ودقيقة حول عدد الفلاحين بأقاليم الجهة، بما فيها إقليم برشيد. فإذا كانت لغة الأرقام تخبرنا بأن عدد الفلاحين بالإقليم قد وصل سنة 2010 إلى (43164 فلاح موزعين على 271 دوار بالإقليم، حسب معطيات لمركز الأشغال الفلاحية ببرشيد)،ــ وهو العدد الذي يمكن تقديره اليوم بما يناهز 50 ألف فلاح بالإقليم ــ فإننا لا نكاد نعثر على معطيات تتعلق بالتصنيف السوسيواقتصادي لهؤلاء الفلاحين حسب حجم الملكية أو الاستغلالية الفلاحية ( فلاحون كبار، صغار ومتوسطون) أو حسب الطبيعة السوسيومهنية المتعلقة بالعمالة أو الشغيلة الفلاحية ( رعاة، مياومون، خماسة، رباعة، عمال زراعيون...).
    إن التحليل السوسيومهني لنشاطات أو أعمال الإنسان القروي، من منطلق السوسيولوجيا القروية يقتضي من جداول التحليل الإحصائي الإفصاح عن طبيعة أو نوعية العمل بالمجال القروي: ما هي أصناف، وأجناس، وأعمار، وفئات، ومساكن السكان بالجماعات الترابية (القروية) بالإقليم؟. ذلك أن سكان المجال القروي، اليوم وغدا، ليسوا بالضرورة كلهم فلاحين أو مزارعين، فهناك منهم من يقطن الدوار أو القرية ويشتغل بإحدى الضيعات أو الاستغلاليات الفلاحية الرأسمالية بالبادية، وهناك منهم من يعمل بأحد المعامل أو المصانع بالبادية أو المدينة...وبالتالي، يمكننا الحديث عن ((فلاحين بدون أرض)) أو ((مزارعين بأراض غير كافية)) على حد تعبير الباحثين المغربيين بول باسكون ومحمد الناجي (Pascon.P. et Ennaji. M, Les paysans sans terre au Maroc,Editions Toubkal,casablanca,1986 ، كما يمكننا الحديث عن يد عاملة صناعية أو شغيلة فلاحية ليس لها من المجال القروي أو الفلاحي إلا الانتماء الجغرافي أو المجالي فقط. وهي فئات سوسيومهنية متنوعة ومتباينة حسب السن، والجنس، والدخل، والسكن، وحسب حجم وطبيعة الملكية العقارية للأرض والاستغلالية الفلاحية (عائلية، تعاونية، شركاتية، دولتية...؟؟؟).
    من هذا المنظور، فإن تكميم ظاهرة الفلاحين بإقليم برشيد ذي الطابع القروي الفلاحي، وحصرها في مجرد عدد (ما بين 45000 أو 50000 فلاح على أبعد تقدير)، عمل غير مقنع من منظور السوسيولوجيا القروية (بول باسكون وآخرون)، وحتى من منظور سوسيولوجيا الشغل أو العمل والفعل الاجتماعي ( آلان تورين وآخرون). ذلك أن هذا العدد، قد يعني كل شيء، على المستوى الماكروسوسيولوجي (العام والكمي)، ولكنه لا يعني أي شيء يذكر على المستوى الميكروسوسيولوجي (الخاص والكيفي). وبالاستناد إلى عمل بول باسكون ومحمد الناجي، ــ من الصفحة 8 إلى الصفحة 94 ــ  يمكننا التساؤل بكل موضوعية وعلمية: ما هو حجم ونوعية ومعيار تصنيف فئات الفلاحين بإقليم برشيد، وخاصة منهم فئات الفلاحين بدون أرض كافية؟ ما هو عدد ونسبة وأصناف/ فئات سكان البادية بالإقليم (les paysans = البدو أو العروبية)، وهم الأشخاص الذين يكنون بالبادية، أي القرويون القاطنون. إلا أن التحديد الرسمي لهذه الفئة يقصي منها السكان الذين يقيمون بالتجمعات السكنية التي تحتوي على أزيد من 2000 نسمة، كما أن مسألة الإقامة فيها نظر، ذلك أن القرويين المغاربة يتنقلون كثيرا إما للعمل بشكل موسمي أو مؤقت في أوراش بناء العمارات والسدود والطرق ومعامل الصناعة الغذائية، والتي لا تكون دائما بالمناطق القروية. وما هو حجم واصناف/فئات الفلاحين(agriculteurs)، وهم الذين يعيشون على الإنتاج الفلاحي بنوعيه الإنتاج النباتي (الحبوب والقطاني والخضروات) والإنتاج الحيواني (تربية المواشي)..إلا أن بعضهم لا يملكون الأرض وآخرون يستغلونها بشكل مؤقت في الزمان والمكان،ص.10؟؟؟. وما هو حجم وأصناف الملاكين(propriétaires)، الذين يملكون الأرض.. وهم فئة غامضة التحديد وسط متاهة النظام العقاري المغربي المعقد، والموزع ما بين ملك الدولة، والأوقاف أو الحبوس، وأراضي الإصلاح الزراعي، والأراضي السلالية والملكيات الخاصة أو الفردية...تبعا لذلك ألا يمكننا القول بأن ((الفلاحين بدون أرض كافية)) هم غير مجموع غير المالكين للأرض...نظرا لوجود فئة منهم تستفيد من الأراضي الجماعية على مستوى الرعي، وحتى الحرث..؟؟، و بالتالي يحق لنا التساؤل: هل كل الملاكين والملاكين الصغار بالإقليم هم فلاحون بدون أرض كافية؟ ــ ص.14ـ. وداخل فئة الفلاحين المالكين للأرض، أليست هناك عدة مجموعات متباينة، نميز فيها بين: ــ فئة المربين للمواشي(Les éleveurs) أو (الكسابة ) الذين ليست لهم أراضي، ويكتفون برعي قطعانهم (أقل من 80 رأس) فوق مساحات أرضية لا توجد في حيازتهم، ولكنهم يستغلونها نظرا لانتمائهم إلى جماعة معينة، إما بالولادة أو التحالف أو الإقامة، أو تبعا لدفعهم ثمن استغلالها المؤقت..ــ وفئة العمال الزراعيين الدائمين بالضيعات الفلاحية الخاصة (أكثر من 50 هكتار) أو الضيعات الفلاحية التابعة للدولة، وبالتالي يتوفرون على استقرار في العمل، وعلى دخل مضمون، وــ وأحيانا على الانتماء النقابي ــ بالنظر إلى مؤهلاتهم البدنية وخبراتهم التقنية في ميادين الحرث والزراعة والحصاد والعناية بالقطيع وسياقة الآلات الفلاحية...وعلاوة، على هذه الفئات ما هو حجم ونسبة فئة العمال الفلاحيين القائمين على فلاحة أراضي المالكين المقيمين بالمدينة، من قبيل: "الصاحب" أو "المكاري" و "الخماسة" و"الرباعة" و"النصاصة" وأصحاب فلاحة الأرض ب "الخبزة"؟؟ وما هو عدد وحجم الرعاة، والعمال الفلاحيين الموسميين والمؤقتين؟؟؟
   إن العديد من هذه الأصناف التوصيفية أو الفئات التصنيفية غائبة وغير معروفة في بيانات وجداول النشرات والدراسات الإحصائية بالمغرب، وحتى بعض ما توفر منها منذ الإحصاءات السكانية والفلاحية لسنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، لا نجدها تقوم على نفس الأسس والمعايير، فبعضها يعتمد حجم وطبيعة الملكية العقارية للأرض كمقياس للتحديد والتعريف، وبعضها الآخر يعتمد إما طبيعة الاستغلالية أو حجم الدخل العائلي أو الفردي، أو معدل الإنفاق الأسري الشهري أو السنوي...ولعل السبب في ذلك يرجع في قسط كبير منه إلى طول فترات الوضعيات الاجتماعية والسياسية المؤقتة الانتقالية التي يصعب معها القيام بالإحصائيات والدراسات الموضوعية، نظرا لتردد الدولة المغربية، من خلال الحكومات المتعاقبة، أمام  الدخول في مشروع كبير لإصلاح زراعي شامل وعادل، يراعي الحفاظ على التوازنات بين مبادئ المساواة والتوزيع العادل للثروات والفعالية أو النجاعة الاقتصادية في أفق تحقيق التنمية المجالية الشاملة والمستدامة.
   وإذا كان تحديد فئة الفلاحين بدون أرض كافية، يبقى عملا صعب المنال، على المستوى التراب الوطني، وحتى الجهوي والإقليمي، فإنه يمكننا مع ذلك الاستناد إلى عمل الباحثة جين شيش، التي وضعت جدولا للتصنيف يتضمن مؤشرات حول الأنشطة المرتبطة بالفلاحين بدون أرض على مستوى التراب الوطني، كما نجده في الصفحات ما بين 85 و94 من مؤلف بول باسكون ومحمد الناجي المشار إليه. فبالنظر إلى الخانتين 13 و14 من هذا الجدول حول الشاوية السفلى والشاوية العليا، التي توجد بها ملكيات كبير ( ما بين 100 و500 هكتار)، يمكننا تقدير حجم فئة الفلاحين بدون أرض كافية بإقليم برشيد في ما بين 15 إلى 20 بالمائة من مجموع الفلاحين بالإقليم، أي بعدد يقدر بحوالي 10000 فلاح بدون أرض كافية من مجموع حوالي 50000 فلاح بالإقليم، ومن المرجح أن يكون عدد هؤلاء الفلاحين المعدمين اليوم قد ناهز عشرة آلاف فلاح فقير، وقد يزيد العدد عن ذلك إذا ما اعتمدنا مؤشرات الهشاشة الاجتماعية والتعرض للفقر. و لعل خريطة الفقر بالإقليم تشفع للإحصائيات الرسمية بأن تفصح عن الواقع الذي يعلو ولا يعلى عليه.
9ــ فلاحون معدمون، أم قرويون مفتقرون...؟؟
   وبدون شك، فإن أغلبية هؤلاء الفلاحين المعدمين يعيشون بالمجالات/الجماعات الترابية ذات الكثافة السكانية الضئيلة بالإقليم: سيدي عبد الخالق، زاوية سيدي بن حمدون، الفقرا أولاد عامر، أولاد زيدان، أولاد صباح، بن معاشو، لمباركيين..وحتى بتراب جماعة سيدي المكي وجماعة الساحل اولاد حريز والسوالم الطريفية...وهي الجماعات ذات المؤشرات الدالة على مستوى تكرارات ومعدلات الفقر والهشاشة الاجتماعية والتعرض للفقر، كما تبين ذلك الجداول التالية المستنبطة من خريطة الفقر بالإقليم لسنة 2004 ( في انتظار صدور البيانات الرسمية والتفصيلية حول خريطة الفقر  الجهوية، الإقليمية والمحلية حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014):
حجم الفقر والهشاشة الاجتماعية ببعض الجماعات الترابية بإقليم برشيد
 (خريطة الفقر حسب الإحصاء العام 2004)
الجماعة
عدد السكان
عدد الفقراء
معدل الفقر
عدد ذوي الهشاشة الاجتماعية
معدل الهشاشة الاجتماعية
عدد المعرضين للفقر
معدل التعرض للفقر
ارياح
7562
2300
30.42
1950
25.79
4251
56.21
الفقرا أولاد عامر
6024
1089
18.08
1386
23.01
2475
41.01
بنمعاشو
8680
1465
16.88
1892
21.80
3357
38.68
سيدي بنحمدون
10039
1658
16.78
2161
21.53
3846
38.31
سيدي عبد الخالق
5933
902
15.20
1244
20.97
2146
36.17
الساحل أولاد حريز
19285
3317
17.20
4285
22.22
7603
39.42
المصدر: المندوبية السامية للتخطيط، المديرية الجهوية للتخطيط، سطات، ديسمبر 2007.

مؤشرات التنمية البشرية والتنمية الاجتماعية ببعض الجماعات الترابية بإقليم برشيد
(خريطة الفقر حسب إحصائيات سنة 2004)
الجماعة
مؤشر قساوة العيش
مؤشر اللامساواة
المؤشر الجماعي للتنمية البشرية
ICDH
المؤشر الجماعي للتنمية الاجتماعية
ICDS
برشيد
1.12
44.48
0.720
ـــ ـــ ـــ
الدروة
1.26
41.85
0.700
ـــ ـــ ـــ
الكارة
1.47
42.74
0.625
ـــ ـــ ـــ
السوالم
1.05
42.76
0.698
ـــ ـــ ـــ
اولاد عبو
1.86
43.02
0.646
ـــ ـــ ـــ
الغنيميين
1.38
33.46
0.562
0.296
بنمعاشو
1.73
34.76
0.596
0.324
ارياح
3.92
33.20
0.476
0.332
الفقرا أولاد عامر
1.79
33.80
0.479
0.348
سيدي بنحمدون
1.81
34.00
0.560
0.196
سيدي عبد الخالق
1.45
33.12
0.524
0.264
المصدر: المندوبية السامية للتخطيط، المديرية الجهوية للتخطيط، سطات، ديسمبر 2007.
ويستفاد من معطيات تحيين خريطة الفقر بالمغرب ــ المعدة من قبل خبراء مرصد ظروف حياة الساكنة، بناء على مزاوجة بين معطيات الإحصاء العام للسكان والسكنى 2014، وكذا معطيات البحث الوطني حول استهلاك ونفقات الأسر بالمغرب 2014، ــ أن إقليم برشيد يوجد ضمن الأقاليم التي يتراوح فيها معدل الفقر ما بين 2.5 بالمائة و5 بالمائة حسب خريطة الفقر الإقليمية بالمغرب لسنة 2014. 
   وعلى مستوى الجماعات الترابية، يشير تقرير المندوبية السامية للتخطيط إلى أن 39.2 بالمائة من الجماعات والمراكز الحضرية بالمغرب يصل فيها معدل الفقر النقدي أقل من 5 بالمائة ( من أصل 1683 جماعة ومركز حضري). أما على المستوى القروي، فإن 28.5 بالمائة من الجماعات من أصل 1279 جماعة قروية يقل معدل الفقر النقدي بها عن 5 بالمائة، و34.4 بالمائة منها يتراوح ما بين 5و10 بالمائة. وتوجد جماعة سيدي علي بالراشدية على رأس المناطق الأكثر فقرا بالمغرب، بنسبة فقراء تصل إلى 80 بالمائة بالنظر إلى درجة العزلة التي تعيشها هذه الجماعة الترابية النائية بإقليم الراشدية الذي تصل فيه نسبة الفقر 29.5 بالمائة، إلى جانب عدد من المدن الفقيرة كما هو الشأن بالنسبة لزاكورة، شيشاوة، جرادة، تاوريرت، فكيك، ورزازات... وحسب نفس التقرير، فإن محور الدار البيضاء.. ــ الرباط ..، يبقى هو الأقل فقرا بالنظر إلى أن النسبة تصل في العاصمة الاقتصادية إلى 2.27 بالمائة، وفي العاصمة الإدارية إلى 2.38 بالمائة. إلا أنه في نفس المحور تصل نسبة الفقر في منطقة الهراويين مثلا إلى 22 بالمائة، تما كما هو الحال في مناطق مثل مديونة، عين حرودة والنواصر، الدروة، الكارة، بنسليمان، برشيد، سطات، وسيدي بنور.. ــ أنظر: خريطة الفقر بالمغرب، جريدة الصباح على النت، منشور يوم 18 مايو 2017 + أيضا: العلم ش. ل. اختلالات خريطة الفقر بالمغرب، جريدة العلم على النت، يوم 18 مايو 2017. وأيضا: مندوبية التخطيط تقدم خريطة الفقر بالمغرب وطريقة استهدافه، الموقع الإلكتروني موطن المغرب، منشور يوم 17 مايو 2017. أيضا: معطيات جديدة عن خريطة الفقر بالمغرب، الموقع الإلكتروني casa24 يوم 18 مايو 2017. واستنادا إلى تقرير البنك الدولي لسنة 2016، فإن نسبة 19 بالمائة من سكان القرى والبوادي بالمغرب الذين يعتمدون على الزراعة وتربية المواشي، ما زالوا يعيشون في فقر أو معرضون للسقوط في الفقر. وأشار هذا التقرير الدولي إلى أن معدل البطالة الإجمالي في المغرب لا يزال مرتفعا، إذ يبلغ 9 بالمائة، وهو أعلى بدرجة ملحوظة بين أوساط الشباب في المناطق الحضرية التي وصلت فيها نسبة بطالة الشباب إلى 38.8 بالمائة إلى حدود شهر يونيو من سنة 2016.

  والخلاصة، إن فئات اجتماعية قروية لا يستهان بها بهذه المناطق، وبإقليم برشيد بالخصوص، توجد تحت عتبة الفقر أو على حافة الهشاشة الاجتماعية، وبالتالي فهي تدخل ضمن خانة الحرمان أو الإقصاء من المشاركة، أي دائرة الاستبعاد الاجتماعي، وهي الدائرة التي يعد فيها الفرد مستبعدا اجتماعيا، إذا كان لا يشارك في الأنشطة الأساسية للمجتمع الذي يعيش فيه...أي لا يشارك في الإنتاج بقيمة اقتصادية فعالة، ولا يشارك في الاستهلاك، لعدم تمكنه من شراء السلع والتجهيزات والخدمات، ولا يشارك في عملية صنع القرار على المستوى المحلي، والجهوي والوطني، ولا يشارك في التفاعل الاجتماعي على مستوى التكامل مع الأسرة، ومع المجتمع المحلي (التعاون، التضامن، التطوع...)... مما يجعله يعاني من اللامساواة ومن عدم تكافؤ الفرص، على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ــ جون هيلزـ جوليان لوغران ودافيد بياشو، الاستبعاد الاجتماعي، محاولة للفهم، ترجمة: أ.ذ. محمد الجوهري، سلسلة عالم المعرفة، عدد 344، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، أكتوبر 2007، ص.70 ـ 71.
    إن هذه التحديدات السوسيومهنية في غاية الأهمية لدراسة أشكال وبنيات وهياكل وتحولات النشاطات القطاعية للإنسان القروي، وخاصة فوق تراب إقليم ما فتئ يتداخل فيه التقليدي بالعصري، والقروي بالحضري، بل الوطني بالدولي...بالنظر إلى وتيرة ديناميات التصنيع والتعمير والهجرة والتمدن التي يعرفها إقليم برشيد، داخل جهة غنية وجاذبة هي متروبول الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية والمالية للبلاد وواجهته المفتوحة على مدارات الرأسمالية الاقتصادية ورهانات العولمة السوسيوثقافية العابرة للقارات والدول والأقاليم والجهات. 
10 ــ تعاونيات فلاحية....بأية هياكل وبأية مردودية؟؟
  من حيث التعاونيات، تدلنا معطيات الجدول بالصفحة 27 من النشرة الجهوية للمندوبية السامية للتخطيط...أن إقليم برشيد، مقارنة مع إقليم سطات، يتسم بضعف الجمعيات على مستوى مجالات الإصلاح الزراعي، والمعدات الفلاحية، وتربية الماشية وجمع الحليب والتموين وإنتاج الحبوب والخضراوات.. ليبقى الإقليم متميزا بوجود أربع تعاونيات للسقي. 
المجال
إقليم برشيد
إقليم سطات
إقليم بنسليمان
إقليم خريبكة
المجموع
الإصلاح الزراعي
19
21
13
04
57
المعدات الفلاحية

01


01
تربية الماشية

03
07
08
18
تجميع الحليب
22
111
19
98
117
التموين

02
06

08
أشغال الأراضي الفلاحية

03
01

04
إنتاج الحبوب

01
08

09
الخضروات

01


01
السقي
04
01


05
المصدر: مكتب تنمية التعاون.سنة 2013.
   تتصدر التعاونيات الفلاحية أصناف التعاونيات بالإقليم ( 57 تعاونية فلاحية تضم1678 منخرطا، مقابل 46 تعاونية للإسكان ب 5104 منخرطا ، حسب معطيات مكتب تنمية التعاون سنة 2013. وهو رقم ضئيل بالمقارنة مع عدد التعاونيات الفلاحية بكل من إقليم سطات 198 تعاونية فلاحية ب 7175 منخرط، مقابل 74 تعاونية للسكن ب 7755 منخرط وإقليم بنسليمان ب68 تعاونية فلاحية ب 1920 منخرط، مقابل 12 تعاونية للسكن ب420 منخرط. بينما لا نكاد نجد تعاونيات للاستهلاك ولا أخرى خاصة بالسلع الغذائية بالإقليم. وأكثر من ذلك، لا تخبرنا الإحصائيات الرسمية بأية معطيات بخصوص المميزات السوسيوـ اقتصادية للمنخرطين في التعاونيات الفلاحية، من حيث السن والجنس، والسكن، والدخل، والملكية العقارية، وحجم الاستغلالية الفلاحية...مما يصعب معه تقديم تحليلات سوسيواقتصادية بخصوص الظاهرة التعاونية بالوسط القروي أو الفلاحي بالإقليم.
توزيع عدد التعاونيات وعدد المنخرطين حسب القطاع والنشاط سنة 2013.ص.47.
القطاع
إقليم برشيد
إقليم سطات
إقليم بنسليمان
المجموع

التعاونيات
المنخرطون
التعاونيات
المنخرطون
التعاونيات
المنخرطون
التعاونيات
المنخرطون
الفلاحة
57
1678
198
7175
68
1920
323
10773
محاربة الأمية
ــ
ــ
01
09
ــ
ــ
01
09
الصناعة التقليدية
01
11
07
133
ــ
ــ
08
144
التجارة بالتقسيط
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
الاستهلاك
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
المياه والغابات
ــ
ــ
01
13
ــ
ــ
01
13
الإسكان
46
5104
74
7755
12
465
132
13324
المعادن
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
ــ
الصيد البحري
02
15
01
19
01
80
04
114
النقل
01
ــ
01
10
ــ
ــ
02
10
النبتات الطبية والعطرية
ــ
ــ
01
12
ــ
ــ
01
12
السلع الغذائية
ــ
ــ
01
12
ــ
ــ
01
12
المجموع
106
6808
285
15138
81
2420

24371
المصدر: مكتب تنمية التعاون.سنة 2013.

     تبقى الإشارة، ــ وللتذكير التاريخي المفيد ــ ، أن نظام التعاون بالنسبة للملكية العقارية الفلاحية بالمغرب، بدأ منذ سنة 1977 ، وذلك بتوزيع الأراضي على الفلاحين في إطار ما سمي ب((الإصلاح الزراعي))، لتفادي التجزييء اللامتناهي للملكية، ولتكون التعاونية مجالا لنوع من الاستغلال الجماعي للأرض...ويستفاد من تجارب تشكيل الجمعيات الفلاحية بالمغرب، أن كل محاولة لإدخال الإنسان القروي داخل إطار للتعاون، يعتريها نوع من التردد والشك في الملكية والاستفادة من حجم المردودية أو الإنتاجية. هذا من جهة الفئات المستهدفة ( الفلاحون)، أما من جهة الدولة المانحة أو الموزعة، فإن عملية توزيع الأرض غالبا ما كان لها بعد رمزي سياسي أكثر من أن يكون لها بعد اقتصادي، إذ تحاط عملية التوزيع ـ وإن صغر حجمها ـ بالدعاية اللازمة، تجعل منها مظهرا من مظاهر صولة الدولة التي تملك الأراضي وباستطاعتها أن توزعها، ــ بورقية،الدولة والسلطة والمجتمع، ص.157. و كما يقول بول باسكون (( في غياب فعالية اجتماعية مهمة، في غياب مردودية اقتصادية ملموسة، في غياب مصلحة سياسية محلية، تبدو عملية توزيع الأراضي في إطار الإصلاح الزراعي، مسألة رمزية)) ــ Pascon.P., Le haouz de Marrakech,2Vol.,CNERS et SMER,1977,P.577. لم يشعر المغاربة في تقدير إمكانيات الإنتاج الفلاحي، وإدراك قيمته إلا بعد مجيء المعمرين. قبل ذلك كانت الأرض تستغل بوسائل عتيقة، مع جهل شبه تام لمفهوم الإنتاجية الزراعية والفلاحة المتخصصة...وكان الملاكون المغاربة يعتبرون أن عقاراتهم تشكل قبل كل شيء رمزا من رموز الجاه التي لا تربط قيمتها المالية ـ المستقرة آنذاك ــ بإنتاجها السنوي، وطالما بقيت الحاجيات الغذائية كافية، فن ضرورة الاستثمار لم تبرز من أجل استصلاح الأراضي والرفع من مردوديتها ــ واتربوري،ص.196.
     وبعد الاستقلال، حاولت الدولة القيام ببعض الإصلاحات الإدارية الضرورية، لكن المخزن لم تكن لديه نية القيام ببرامج تنموية من شأنها أن تؤدي إلى تحولات اجتماعية واقتصادية عميقة، وبذلك ظل مفعول التنمية الاقتصادية بعد سنوات الاستقلال بطيئا وضعيفا أمام قلة الاستثمارات والهروب المستمر للرساميل والتزايد السريع للسكان..وأمام تردد الدولة في القيام بالتدابير التي تؤدي إلى تغيير البنيات الاجتماعية القائمة: كالتأميمات والإصلاح الزراعي وتوسيع التعليم، و حتى خلق بورجوازية وطنية حقيقية، وقد أدت اختيارات حلول الترقيعية التي تبنتها الحكومات المتعاقبة إلى قبول الازدواجية الفلاحية، وضعف التصنيع، وارتفاع نسبة البطالة، وهجرة عالية قوية إلى أوروبا.. وحتى وإن خصص أكثر من 30 بالمائة من استثمارات التصميم الخماسي للفلاحة العصرية، بهدف تنمية المزروعات الصناعية (الشمندر وقصب السكر) والحوامض والطماطم، وتوسيع المساحات المسقية وبناء السدود، فقد تم إهمال قطاع الفلاحة التقليدية و وأصحابه من الفلاحين الصغار الذين يهتمون قبل كل شيء بزراعة الحبوب وتربية المواشي ــ واتربوري،ص.412.
11ــ شبكات سلم التنمية والترقية الاجتماعية:
      إن المجال الترابي لإقليم برشيد، بحكم تاريخه الحديث والقريب، وحاضره ومستقبله المتوسط أو البعيد،  وبحكم مكوناته الطبيعية أو الإيكولوجية  ومؤهلاته السوسيوـ اقتصادية  وإمكانياته البشرية والديمغرافية، يشكل شبكة سفلى للاقتصاد المحلي، جد مرهونة بالشبكة العليا للرأسمال العالمي المتمثلة في ميتروبول الدار البيضاء، كمدينة وطنية ودولية تحتضن كبريات المؤسسات البنكية والمالية والصناعية والتسويقية والتجارية والخدماتية والتكنولوجية العصرية، وإذا كانت الشبكة السفلى، التي تتميز ببساطتها وضعف مردوديتها وطابعها المحلي، توجد تابعة للشبكة العليا، التي تتميز باستعمال التكنولوجيا العصرية ذات المردودية العليا.. ـــ ميلتون سانتوس، ص.35. فإنه (المجال الترابي لإقليم برشيد) بإمكانه أن يلعب دوره الانتقالي كوسيط تنموي بين محيطه القروي ومركز جهته الحضري والحيوي (الدار البيضاء). على اعتبار أن الشبكة العليا تحتل عادة أهمية قصوى في المدن الكبرى (الدار البيضاء) وأهمية أقل في المدن والمراكز الحضرية الصغرى ( الكارة، أولاد عبو، الدولة، السوالم..)، وذلك ما جعل سانتوس يرى بأن المدن الكبرى (( تحدث فراغا حولها باحتكارها للأنشطة مع تقليص أو تبديل إمكانيات تحقيق تلك الأنشطة في المدن الأخرى التي تنتمي للنظام نفسه)) ــ سانتوس،ص.293.
    وإذا كانت الدولة، كجهاز مؤسساتي مركزي ومديني، يستهدف قيادة وتنمية المجتمع على مستوى بنياته التحتية والفوقية، تعمل كحليفة وراعية للشبكة العليا في المجال الاقتصادي في المجتمعات المتخلفة أو التابعة، فإن المدن الكبرى تجني وتستفيد من ثمار التنمية أكثر من المدن والمراكز الصغرى والبوادي، وبالتالي تكون لهذه الرعاية الاقتصادية تأثيرات هامة على المستويات الأخرى كالاجتماعي والثقافي، كما تستفيد الحواضر ( وإن كانت صغرى) نسبيا من أجهزة الدولة أكثر من البوادي. ((نستخلص من ذلك، أن المناطق أو الجماعات الترابية البعيدة عن كبريات المراكز الحضرية بالجهة (الدار البيضاء، الجديدة، ونسبيا سطات وبرشيد) لا يصل إليها صبيب المصالح التنموية للدولة بنفس المنسوب الذي يصل إلى الجماعات الترابية القريبة، وأن الفئات الاجتماعية البعيدة عن مراكز التخطيط و التكوين والتقرير، كالفلاحين الصغار والحرفيين و المياومين، والعمال المأجورين، الدائمين أو المؤقتين..لا تستفيد من صبيب التنمية بالشكل نفسه الذي يتوفر للفئات المقربة من تلك المراكز، والتي تكونها الرأسمالية الفلاحية والتجارية وترعاها. وهكذا يتحدد الإشعاع التنموي للتدخلات والمشاريع والبرامج التنموية العمومية بالمسافة الجغرافية والمسافة الاجتماعية التي تفصل مختلف المجالات الترابية والفئات الاجتماعية عن الأجهزة العليا للدولة.  ــ بورقية، ص.141ـ ص.142. وعلى ضوء ذلك يمكننا دراسة أشكال التراتبية الاجتماعية وسلاليم الترقية السوسيو ـ اقتصادية لفئات طبقية مشتتة وغبر متجانسة، سبق أن شبهها كارل ماركس ب(أكياس البطاطس))، كناية على درجة تشتتها وعدم انسجامها أو تضامنها...لافتقارها ــ طبعا ــ إلى الوعي الطبقي الذي يحدد مسارها ومصيرها.. ليبقى قدرها معلقا دوما بين السماء والأرض التي تنتظر الغيث..، وهو ما يمكن أن يستشف من تاريخ طقوس الاستسقاء أو استدرار المطر بجغرافيا الشاوية الشاسعة، المفتوحة على كل الاحتمالات الممكنة والمستحيلة...ولذلك فلا غرابة أن نجد الفلاح الشاوي يردد دوما عبارات دالة وحكيمة، من قبيل:((الله يعطينا شي عام ينسينا في عام)) ــ ((وعام هذا واش من عام)) ــ (( الخير غير مع الشتاء)) ــ (( وقت ما جا الخير ينفع))....
    وإذا كانت الأطروحات الماركسية الكلاسيكية أو التقليدية بخصوص تشكيل الطبقة الفلاحية بالعالم، قد انتهت إلى الضمور والزوال (الشيوعية بالأساس)، فإن النظرية الماركسية المتجددة مع دعاة الفكر الاشتراكي الاجتماعي والحركات الاجتماعية ( آلان تورين على سبيل المثال) لا زالت تعدنا بالشيء الكثير، نظرية وممارسة، بالنسبة للمسألة الفلاحية. ذلك أنه إذا كانت فئة الفلاحين تحت ضغط مجتمع السوق الرأسمالية، إما تنتهي بتحول هذه الفئة إلى عمال أجراء (شغيلة زراعية) مستقرين بالمجال القروي كوحدة جغرافية، وبالتالي يبقى الفلاح الصغير أو المتوسط موزعا بين الهنا والهنالك، بين القرية والمدينة. فكما أن الرأسمالية تخلق الفلاح الصغير (المالك أو المستأجر)، فهي أيضا تؤدي إلى هلاكه والقضاء عليه، وهذا قانون حتمي من قوانين المجتمع المعاصر القائم على نهب فائض القيمة وعلى التبادل السلعي. فالرأسمالية التي تخلق الفلاح الصغير لا تنهبه فقط، وإنما تضعه في وضع اقتصادي وسياسي متناقض: فهو أولا رأسمالي يستخدم نفسه كأجير، وثانيا (غالبا) مالك أرض. وثالثا: عامل يعمل لدى نفسه.    وكرأسمالي يحصل الفلاح على الربح، وكمالك أرض  يحصل على الريع (الإيجار)، وكعامل يحصل على الأجر. وغالبا ما تنهب الرأسمالية الربح والريع، فلا يبقى للفلاح سوى ما يمكن ـ بالكاد ــ أن يعد أجرا له. ولكن بالرغم من هذا، فإن الفلاح الفقير، حسب ماركس، يظل متمسكا بغرام شديد بقطعة الأرض التي لديه، وبملكيته المحض إسمية أو شكلية، وفي نهاية المطاف يخشى الفلاح من الانزلاق لمرتبة العامل الأجير ويطمع في الصعود للأعلى إلى مصاف المالكين المتوسطين أو الكبار . إن جبروت الرأسمالية الزراعية يسير من تحويل حكم وسيطرة الإقطاعي أو الفيودالي ( فئة الأعيان والوجهاء) إلى يد الرأسمالي ( فئة البورجوازية الزراعية)، وتحويل الأعباء الإقطاعية على كاهل الفلاحين(السخرة/ الخماسة...) إلى التزامات الرهينة البورجوازية. فالمستفيد من التحويل البرجوازي للزراعة لم ولن يكون هو المالك أو الحائز الحر الصغير أو المتوسط، وإنما هو الرأسمالي والمرابي والدولة الذين يتضافرون من أجل نهب المالك الإسمي أو الشكلي ـ كما يسميه ماركس ــ عن طريق فوائد الديون، والريع (الإيجار) والضرائب والرهونات...ولا يبقى للمالك الإسمي بعد النهب والسلب المنظم إلا أقل من أجر العامل المتوسط. وهذا ما يؤدي بعدد متزايد من الفلاحين الفقراء إلى التدهور إلى صفوف العمال الأجراء، رغما عنهم، من جراء النهب المتواصل ومن جراء المنافسة غير المتكافئة مع الفلاحين الأغنياء.ــ الماركسية والمسألة الفلاحية، الناشر مجلة الشرارة، موقع الاشتراكي إعلام من أجل الثورة، يوم الأربعاء فاتح أكتوبر 1997 ــ . هذا إن لم نجد أن أعدادا وفيرة من هؤلاء الفلاحين المجتثين أو المقتلعين من جذورهم الاجتماعية والمجالية، مضطرين للهجرة نحو المدينة..مع ما يستتبع ذلك من مشاكل متعددة  على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والمجالي بأوساط الاستقبال الحضرية (المدن الكبرى والمتوسطة)، كما أشار إلى ذلك الباحث عزيز اجبيلو ــ.Ajbilou,A, analyse de la variabilité spatio-temporelle de la primo-nuptialité au Maghreb (1970-1980),ouvrage publié chez ACADIMIA et L’Harmattan,1998.P.344.ــ فتعاظم البطالة وقلة السكن ونقص الخدمات الاجتماعية وتعدد أنشطة القطاع الثالث، وتزايد أنشطة القطاع الاقتصادي غير المهيكل وتمركز السكان بضواحي المدن وتدهور النسيج الحضري (توسيع الأحياء غير القانونية المحرومة من البنيات التحتية الأساسية...) تشكل الانعكاسات الأساسية لظاهرة التمدين الكثيف.، كما أن انتشار نظام من القيم والمعايير والسلوك وأشكال جديدة من ردود الفعل والتطلعات تجاه النظام الحضري يساهم في مسلسل ( ترييف المدن).
جدول تصنيف بعض المدن الصغرى والمتوسطة بجهة الدار البيضاء حسب معدل تزايدها الإجمالي ما بين سنة 1994 و2004.
أكثر من 3 في المائة
من 2 إلى 3 في المائة
من 1 إلى 2 في المائة
من 0 إلى 1 في المائة
برشيد
الدروة
عين حرودة
تيطل مليل
لبير الجديد

بوزنيقة
بنسليمان
النواصر
مديونة
الشماعية
سيدي بنور
أزمور
بن أحمد
الزمامرة
الكارة
أولاد عبو
أولاد مراح
سيدي رحال
المصدر: الإحصاء العام للسكان والسكنى معدل التزايد ما بين 1994و2004.
   يلاحظ أن مدن من قبيل النواصر، برشيد، مديونة، وبنسليمان...وهي مدن تحيط بالدار البيضاء، تعرف تطورا في نموها السكاني الإجمالي، مما يؤشر على أنها وراء تراجع الاستقطاب الهجري للعاصمة الاقتصادية للبلاد. فمعدلات تزايد سكان هذه المدن الصغيرة والمتوسطة مرتفعة نسبيا وتتباين ما بين 2.3 في المائة بابن سليمان و5.7 بالمائة ببرشيد، في حين أن مدينة الدار البيضاء لم تعد تستقطب اعدادا هامة من القرويين كما في الماضي القريب، فمعدل تزايدها الإجمالي أضحى جد ضعيف 0.8 في المائة ـــ  تقرير الخمسينية،ص.33.
  وكما أن التدبير الحضري اليوم يستلزم التخطيط الاستراتيجي على مستوى إعداد بنيات وهياكل استقبال المهاجرين القرويين بالوسط الحضري، فإن الأمر نفسه ينبغي أن يسري على التدبير الجماعي بالوحدات الترابية القروية، للبحث في  ممكنات وآليات وبرامج شد القرويين الفلاحين إلى محيطهم القروي، من خلال السعي الحثيث إلى توسيع متاحات اندماجهم السوسيواقتصادي في السوق الليبرالية الجديدة على مستويات عديدة، عالمية ووطنية، وجهوية وإقليمية ومحلية. فكيف السبيل إلى سياسة إدماجية على كل هذه المستويات من أجل النهوض بحاجيات وتطلعات فئات الفلاحين الصغار والمتوسطين بالخصوص، داخل محيط دولي ما فتئ يتعولم؟.
12 ــ في الحاجة إلى حكامة ترابية عقلانية وناجعة:
      تفترض العقلانية البيروقراطية بالمفهوم الفيبيري( ماكس فيبر)، على مستوى مراكز القرار والمسؤولية الإدارية والقيادية، سلوكات جديدة وتحركات عديدة تضفي طابع الفعالية والنجاعة على طرق وكيفيات تدخلها في المجتمع القروي، على غرار الدولة الرأسمالية المعاصرة. وتبدو هذه العقلانية في ضرورة ملازمة ومواكبة مؤسسات عصرية للأجهزة الإدارية البيروقراطية للدولة على الصعيدين المركزي واللامركزي حتى تصبح من أهم مكوناتها، وفي الأجهزة الاقتصادية التي احدثت لإنماء الوسط القروي، وهي عديدة كشركات تنمية وتسيير الأراضي الفلاحية، والصندوق الوطني للقرض الفلاحي، والمكاتب الجهوية للاستثمار، وفي مؤسسات اجتماعية، كالتعاونيات والإنعاش الوطني، والمدارس القروية والمستوصفات، وفي هياكل التأطير كالمجالس الجماعية المنتخبة، والأحزاب السياسية، والنقابات المهنية، والجمعيات المدنية، الحقوقية منها والثقافية والاجتماعية والبيئية...ولعل الوجه المعاصر للعقلانية البيروقراطية اليوم هو ما بات يعرف عند الباحثين والسياسيين والإداريين بالحكامة الجيدة أو الرشيدة.
  والحكامة، في تعريف البنك الدولي، هي الآلية التي من خلالها تتم إدارة الموارد الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع بهدف التنمية. وفي تعريف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCED)، هي وسيلة لإضفاء الشرعية على الحكومة والعناصر السياسية فيها، واحترام حقوق الإنسان وحكم القانون ــ المهدي بنمير، الحكامة المحلية وسؤال التنمية البشرية، دار وليلي للطباعة والنشر، 2010،ص.10.أما من منظور الوكالة الكندية للتنمية الدولية (ACDI)، فالحكامة تعني التدبير السليم للشؤون العامة، بما يدل على ممارسة السلطة عبر مختلف مستويات الحكومة، والذي يجب أن يكون فعالا ومندمجا، عادلا وشفافا، ويقدم الحساب عن الأعمال التي تم القيام بها. ــ عبد العزيز أشرقي، الحكامة الجيدة (الدولية ـ الوطنية ـ الجماعية) ومتطلبات الإدارة المواطنة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2009،ص.32 ــ33. ونستخلص من هذه التعريفات أن مفهوم الحكامة (الجيدة) متعدد المستويات الجغرافية والإدارية ( دولي، وطني، جهوي، إقليمي ومحلي)، وهو مفهوم مركب من عدة هياكل وأجهزة (الإدارة، الاقتصاد، السياسة، الاجتماع، التنمية...ويعتمد على عدة مؤشرات لقياسه ( الشرعية الديمقراطية، التدبير السليم، احترام القانون وحقوق الإنسان، المواطنة، الشفافية، العدالة الاجتماعية، الاندماج، التشاركية، المسؤولية والمحاسبة..)...وتلك هي أهم المعايير أو المرتكزات الأساسية في ممارسة الحكامة الجيدة أو السلطة بمفهومها الجديد..، من أجل إدارة مواطنة تكون في خدمة القرب والمصلحة العامة على مستوى الدولة والمجتمع معا. إنها المرتكزات التي نجدها واردة في أدبيات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، التي تلخص معايير الحكامة الجيدة في اعتماد المشاركة السياسية والمدنية الشرعية الديمقراطية، وحكم القانون، وفصل السلط، والشفافية والمحاسبة، والتوافق أو التراضي عبر آلية التحكيم الجماعي، إضافة إلى الرؤية (التنموية) الاستراتيجية الرامية إلى تحسين شؤون الناس وتنمية المجتمع والقدرات البشرية. كريم لحرش، تقديم لمؤلف جماعي: الحكامة الجيدة بالمغرب، سلسلة اللامركزية والإدارة الترابية، رقم 230،ص.5. ــ وبالتالي فإن هذه المعايير تنسحب على الإدارة العمومية والمؤسسات التابعة لها والجماعات الترابية، كما تنطلي أيضا على القطاع الخاص والمجتمع المدني والمواطنين، باعتبارهم فاعلين أساسيين في السياسات العامة وفي مشاريع وبرامج التنمية كل من جانبه ــ سعيد جعفري، الحكامة وأخواتها مقاربة في المفهوم ورهان الطموح المغربي، الشركة المغربية لتوزيع الكتاب، الطبعة الأولى الدار البيضاء، 2010،ص.49.
وبالنظر إلى هذه المعايير والمؤشرات المتداخلة، فإن المؤسسات التي تروم اعتماد الحكامة الجيدة تكون في حاجة ماسة، اليوم وغدا، إلى آلية أساسية من أجل المزيد من توضيح وترسيخ مبادئها ومرتكزاتها الأساسية على مستوى محيطها الداخلي والخارجي..، وهي بذلك أشد ما تكون في حاجة إلى الإعلام والاتصال المؤسساتي، ومن ضمنه التواصل الترابي، الذي يشكل فيه التسويق المجالي حجر الزاوية.
إن سياسة تستهدف تثبيت الفلاحين بالمجال الترابي القروي، وتفادي عمليات اجتثاتهم أو اقتلاعهم من جذورهم الأصلية، وبالتالي التخفيف من حدة هجرتهم الضاغطة والمكلفة على مستوى تهيئة المجال الحضري، لا بد لها من البحث عن طرق واستراتيجيات ترابية جديدة تتوخى الرفع من مؤشرات التنمية الاجتماعية والتنمية البشرية لهؤلاء القرويين، وذلك من خلال متابعة المزيد من برامج التنمية البشرية المستدامة على مستوى خوض معركة تقوية شبكات الربط بالماء والكهرباء، والصحة، والتطهير، والسكن والشغل و الأنشطة المدرة للدخل لفائدة ساكنة العالم القروي، لا سيما وأن الإحصائيات الرسمية ( تقرير المندوبية السامية للتخطيط بتاريخ 26 أكتوبر 2016) تخبرنا بأن 80 بالمائة من الفقراء بالمغرب يوجدون بالعالم القروي الذي يحتضن 1.27 مليون شخص يعيشون تحت عتبة الفقر. وذلك من أصل 1.6 مليون مغربي، أي ما يمثل 4.8 بالمائة من الساكنة، لا يزالون تحت عتبة الفقر. بينما لا يزال 4.2 مليون مغربي في وضعية هشاشة اجتماعية. ويبرز هذا التقرير الوطني أن الفارق في مستوى المعيشة بين الوسطين الحضري والقروي قد ارتفع من 1.8 بالمائة سنة 2007 إلى 1.9 بالمائة سنة 2014، مستنتجا بأن هذا الفارق بدأ يتسع من جديد مما يستدعي مراقبته وذلك بالنظر إلى التقلبات السوسيواقتصادية التي يعيشها سكان البادية، داعيا في هذا الإطار إلى أن النمو لصالح الفقراء يجب أن يتخذ في المغرب اتجاها نحو الرفع من مؤشرات النمو لفائدة الساكنة القروية. ــ إشكالية الفقر بالمغرب الواقع والتحديات، منشور على النت يوم الجمعة 23 دجنبر 2016 من طرف يوسف زروق.
    إن إقليم برشيد، وبالنظر إلى واقع العديد من جماعاته الترابية، في حاجة ماسة إلى ضخ المزيد من دماء التجديد والتحديث والعقلانية (الحكامة الترابية) داخل مختلف شرايين هياكله التنظيمية والمؤسساتية، الإدارية منها والسياسية والاستشارية، والتعاونية والمدنية، وكذا الاجتماعية والاقتصادية، بما فيها المؤسسات والتعاونيات والاستغلاليات والمقاولات الفلاحية الصغرى والمتوسطة...ذلك أن مشروع الحكامة الجيدة والتنمية البشرية الشاملة، المندمجة والمستدامة، يتم اليوم، وغدا، في إطار ظروف مغايرة لم يعد فيها من الممكن للمجتمع المحلي (القروي والحضري) أن يعيش في عزلة تامة عما يجري في محيطه الخارجي العالمي...وهو القريب جدا من مطار دولي ومن ميناء بحري ومن مدينة صناعية، مالية وتجارية كبيرة وجاذبة (مدينة الدار البيضاء)... فهذا المحيط هو الذي يجدد له نماذجه المرجعية، سواء تعلق الأمر بالمؤسسات أو التصورات أو أنماط السلوك والتصرفات، بل وحتى الدينامية الاجتماعية. هذا ما عبر عنه بلاندييه عندما أكد على أن دينامية "الخارج" تستطيع أن تحول وأن تغير بعمق دينامية "الداخل")) ـــ رحمة بورقية،ص.117 ــ بلاندييه، 1971،ص.39.  
    فإذا كان مفهوم المجال الترابي لا يأخذ معناه بشكل مضبوط إلا في تفاعله مع الإنسان الذي يحتله ويغيره تبعا لضرورات اقتصادية سياسية، ــ رحمة بورقية، ص.135.وربما عالمية جعلت الباحث الجغرافي البرازيلي ملتون سانتوس يرى بأن المجالات في البلدان المتخلفة تتميز بكونها تنظم نفسها، وتعيد تنظيمها، تبعا لمصالح بعيدة تكون في غالب الأحيان على مستوى عالمي ــ Santos (M), l’éspace partagé,Edition Génin,Paris,1975,P.16، فإن المجال الترابي لبرشيد قد تغير تغييرا ملموسا من القرن التاسع عشر إلى  القرن الحالي، وذلك نتيجة لتغير ملموس في استعمال/استغلال هذا المجال، أدت إليه عدة دوافع اقتصادية، سياسية واجتماعية. فالمجال إذن كمعطى سكوني وراسخ لا وجود له: إنه لاوجود للتقسيمات العامة والثابتة المعبر عنها بالمجال الحضري والمجال القروي، بل كل ما هناك في الماضي، ولا يزال مستمرا في الحاضر في اتجاه المستقبل، هو ذلك التفاعل الدينامي الموجود بين هذين المجالين عبر التاريخ الجماعي. إن المدينة  كتجمع حضري للسكان لم تكن ظاهرة موجودة فوق المجال الترابي لبرشيد. لقد كانت برشيد، حتى بداية القرن العشرين، مجرد قصبة صغيرة لسكن القايد تحيط بها مئات من الأهالي، وشيئا فشيئا وتحت ضغط الهجرة القروية، منذ الأربعينيات من القرن الماضي، بدأت الأنوية الأولى للتمدن في البروز والتشكل بالمنطقة، بفعل الاستعمار الذي فرض نمطا معينا من التمدن تبعا لمصالحه الاقتصادية والعسكرية.....وشيئا فشيئا لم تبق علاقة البادية بالمدينة علاقة تبادل، في إطار علاقات ومعاملات بسيطة للمقايضة والمساعدة بين سكان البادية وسكان الحاضرة...لقد أصبحت المدينة تمارس دور الوساطة بين المنتجين للتجهيزات والمواد الاستهلاكية والرأسماليين الأجانب من جهة، وبين الجماهير المستهلكة من جهة أخرى، والمكونة أساسا من الفلاحين المفتقرين الذين تحولوا أكثر فأكثر إلى مستوى شبه بروليتاريين أو العاطلين عن العمل في المدن، ــ أنظر في هذا الصدد: Poncet.J. « rapports villes-campagnes »dans CERM, sur le féodalisme, Editions sociales ,1997, P.213..


13 ــ التسويق التراب: المفهوم، المقومات والأهداف:
  التسويق (Marketing) مصطلح أنجلو ساكسوني براغماتي، مقتبس من حقل اقتصاد السوق (Market) وميدان تدبير المقاولات الحرة منذ بداية القرن العشرين، لمساعدتها على ضمان استمرارية أرباحها والتكيف مع محيطها في ظل مناخ اقتصادي يتميز بالرفع من الإنتاجية و التنافسية التكيف مع محيطها الاقتصادي المتميز بالتنافسية. وهو في أبسط تعريف له (( مسعى يرتكز على الدراسة العلمية لرغبات المستهلكين، ويسمح للمؤسسة، في الوقت الذي تحقق فيه أهداف المردودية المنشودة، بعرض سلعة أو خدمة نهائية في سوقها المستهدفة)) ــ  نجيب المصمودي، الجماعات الترابية بالمغرب بين مقومات التسويق الترابي ورهان التنمية المحلية، سلسلة الحكامة، الطبعة الأولى ،ص.13. ومنذ نهاية القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة انتقل مفهوم التسويق إلى مجال تدبير مؤسسات القطاع العام..، وصولا اليوم إلى مجال إدارة الجماعات الترابية. إلا أنه لا يمكننا الاقتصار في تعريف التسويق الترابي بأنه (( مجموع الأنشطة التي يقوم بها الخواص أو الجماعات نفسها بغاية توسيع شبكة الوحدات الاقتصادية المتواجدة بالجماعة عبر جلب أنشطة اقتصادية جديدة )) ــ Chakor (A), Le marketing territorial au services de la bonne gouvernance locale, REMALD,serie :Manegments Stratégiques,N°5,2004,P.165.ــ ،أو أنه مجرد منهجية تدبيرية حديثة لجلب المقاولات والمستثمرين لتراب الجماعة وتسهيل أنشطتهم بها،ــ بل إنه (التسويق الترابي) أكثر من ذلك هو آلية تواصلية من آليات تشكيل شخصية سوسيوـ اقتصادية للجماعة  وتسويق صورة جيدة عنها، ومساعدتها على وضع استراتيجية تنموية شاملة ومستدامة بترابها ومحيطها. ــBen Abdelkader (M), la communication des collectivités locales ;REMALD,N)19,décembre,2004,P.117.  . إن التسويق هنا متعالق مع التواصل المؤسساتي للجماعة الترابية، من حيث الرهان على عنصر الإنماء الاقتصادي والاجتماعي وعنصر التخطيط الترابي التشاركي في صياغة مشاريع وبرامج محلية للتنمية الترابية تستجيب، عن قرب وتفاعل، لحاجيات وتطلعات ساكنة المجال الترابي المحلي. وبذلك يكون التواصل المجالي وضمنه التسويق الترابي هو ذلك المجهود الجماعي المراد به تشخيص وتقييم (تقدير) التراب وإمكانياته في الأسواق أو المجالات الترابية المنافسة، لجعله ــ أي التراب ــ ذي مؤهلات استقطاب فعالة، وهذا النشاط يدبر عموما من طرف وكالات التنمية لصالح السلطات العمومية والقطاع الخاص. ــ Vinent Gollain, Réussir son marketing en 9 étapes,Aout 2008,P.4. . فالتسويق الترابي بهذا المعنى، يعتمد على التشخيص المجالي لتراب الجماعة والتحليل المسبق للسوق، وعلى ضوء ذلك يقدم خططه أو استراتيجياته لتنمية المجال وتحقيق اندماجه وتنافسيته في محيطه الجهوي والوطني، ولما لا الدولي؟
    ولتبيئة مفهوم التسويق الترابي وتطويعه أو تكييفه، حتى يتأقلم مع طبيعة الجماعات الترابية، يمكن القول بأن الجماعة الترابية من حيث أنها مجال ترابي، جغرافي وبشري، اقتصادي، إداري، وسوسيولوجي وتاريخي...، في الحاجة إلى أداة من أجل خلق جاذبيتها الترابية، وترويج ما تتوفر عليه من مؤهلات وثروات طبيعية واقتصادية وموارد وكفاءات بشرية ، ومن تجهيزات أساسية وبنيات تحتية وخدمات سوسيو ثقافية متنوعة.ــ  محمد بودواح و عبد السلام بوهلال، التسويق الترابي وآفاق التنمية المحلية بالمغرب، ضمن كتاب: المشروع الترابي أداة استراتيجية للتنمية المحلية، حالة جماعة إغزارن الجبلية، مطبعة IPN الطبعة الأولى فاس،2014، ص.88. وبالتالي، يكون التسويق الترابي هو مجموعة من الآليات والأدوات التي توفرها الجماعة الترابية بهدف تأسيس وتمتين علاقاتها العامة والمستدامة مع مكونات محيطها السوسيو اقتصادي والإداري، المؤسساتي و المقاولاتي، والمدني، لتحقيق التنمية المحلية في إطار مناخ من الالتقائية والتشاركية، و المردودية والتنافسية، والنجاعة والفعالية، والشفافية والمسؤولية. ولبلوغ غايته بشكل فعال، لا بد لأي مشروع تواصلي تسويقي للتراب المحلي أن يستند على مرتكز تشخيصي ترابي، يتجسد في توصيف وتشخيص، مع تحليل و تقييم، التراب بناء على ما يسمى بالثوابت المجالية، أي مجموع مؤهلات المجال، الجغرافية والإيكولوجية والجيو استراتيجية، وموارده المادية والبشرية، ومناخه السياسي والثقافي...ومن خلال تحديد ما يمكن أن نسميه ب "الرأسمال الترابي"/ Le capital territorial  يمكن تكوين نظرة شاملة عن وضعية العرض الترابي وتقييم مدى قدرته على التكيف والمنافسة  مع عروض المجالات الأخر، وبالتالي، تشكيل بطاقة تعريفية أو خارطة مجالية تشمل كل المؤهلات الاقتصادية وتهم مختلف الفئات الاجتماعية. ــ أمال بلشقر، التسويق الترابي دعامة أساسية للتنمية الجهوية المندمجة، مجلة دراسات ووقائع دستورية وسياسية، العدد التاسع، مطبعة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الرباط، 2013،ص.72 ــ 73. وبذلك، يكون التسويق الترابي جهدا دؤوبا للبحث عن أفضل السبل لتطوير مكونات العرض الترابي ولضمان حسن تموقع الجماعة الترابية داخل السوق التنافسية، الجهوية منها، والوطنية والدولية من خلال آليات الجذب التي تتخصص فيها الوكالات والمؤسسات المهتمة باستقطاب الاستثمارات وتنمية المجالات الترابية ــ  ياسين الأندلسي بندحمان، حكامة التسويق الترابي وإشكاليات التدبير المجالي، رسالة لنيل الماستر في العلوم الإدارية للتنمية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية طنجة، جامعة عبد المالك السعدي، السنة الجامعية 2009/2010،ص.15ـ16. وتتميز هذه الاستراتيجية التسويقية بالتعريف بالتراب، والبحث عن تميزه  داخل أسواق المنافسة، من خلال اختيار علامة/ ماركة للمجال الترابي، تمكنه من التعبير عن هويته وأصالته وتساعده على التموقع والتنافسية ــ أمال بلشقر، مرجع سابق،ص.79 ــ . إن استراتيجية التسويق الترابي هي البحث المتواصل عن الممكنات والفرص لإضفاء قيمة أكبر على المجال، في الأسواق التنافسية للتأثير في اتجاهات وسلوك المستثمرين عن طريق تقديم عرض للمنتوجات والخدمات، تكون قيمته أفضل من تلك المقدمة من طرف المنافسين الآخرين، وهو ما يمكن أن يجعل من الجماعات المحلية مقاولات حقيقة، ذات مردودية مباشرة تمكن من مجاورة الدولة في حل الرهانات المطروحة عليها. ــ  نجيب المصمودي، مرجع سابق،ص.15ص.17.
14 ــ نحو تسويق ترابي عقلاني ورشيد لإقليم برشيد:
  ولعل اختيار إقليم برشيد كتراب لتنظيم واحتضان معرض الحبوب والقطاني، مبادرة صائبة تندرج في سياق تعزيز آليات التسويق الترابي للمجال الإقليمي، وتوجد في صلب انشغالات كافة مكونات الإقليم من أجل تسجيل وترسيخ ))علامة/ ماركة ترابية(( مميزة لهذا المجال الترابي الفلاحي بامتياز. مبادرة بإمكانها أن تكون خلاقة إن واكبتها حكامة ترابية رشيدة على مستوى التدبير بكل شفافية، ومسؤولية، وعدالة سوسيومجالية تراعي كافة مكونات حقل أو مسلسل إنتاج وتسويق الحبوب والقطاني بإقليم برشيد..وفي مقدمتهم الفلاحين والزراعيين، بكافة فئاتهم، والوسطاء والموزعين والتجار والمسوقين...وعلاقة كل ذلك بالمستهلكين والمدافعين عن الحقوق الإيكولوجية والبيئية بهذا الإقليم الموزع بين الفلاحة كإرث سوسيو اقتصادي تاريخي عريق، والتصنيع والتعمير كسيرورة مجالية جديدة ضاغطة ومتزايدة. وهو ما ينبغي أن يترتب عنه رؤية استراتيجية تنموية مندمجة بين كافة المتدخلين والقطاعات من فلاحة، وصناعة وتجارة، وتعمير وإسكان، وبيئة وإعداد للمجال..رؤية ذات ذكاء ترابي يراعي التوازنات بين مصالح كافة الفاعلين في المجال الترابي، للمساهمة في حسن عرض تراب الإقليم وضمان حسن وفعالية تموقعه داخل السوق الجهوي، الوطني والدولي بهدف جلب الاستثمارات الفلاحية والصناعية و السياحية والخدماتية الجديدة. ما دام التسويق الترابي هو إبراز نقط قوة المجال وإعطاء صورة إيجابية عن مكوناته والارتقاء به من مجرد رقعة جغرافية فلاحية شاسعة إلى فضاء للتفاعل والتكامل بين السياسات والبرامج التنموية أفقيا وعموديا، مع ما يفرضه ذلك من إشراك كافة الفاعلين والمستويات الترابية، وإبرام لاتفاقيات الشراكة والتعاون، والإكثار من فرص الإنصات وتبادل وجهات النظر والخبرات، واستثمار أفضل الموارد والخيرات. وهو ما يجعل من التسويق الترابي آلية من آليات التضامن الترابي يتحدد دورها في كل تدخل أو سياسة اقتصادية واجتماعية معقلنة تستهدف تحسين جودة المجال وتوزيع أفضل للسكان والمنتوجات والأنشطة والتخفيف من حدة التباينات المجالية دون إغفال الخصوصيات المحلية أو الإمكانيات المادية لكل جهة والحفاظ على البيئة.Abdelhay Benabdellah et Sanaa moussalim,Le Marketing térritorial cas de la région de l’oriental,REMALD, collection Manuels et Travaux Universitaires,n°93,1er édition,2012,P.25-30.. وعلاقة بموضوعنا،(التنمية الفلاحية بإقليم برشيد)، تدلنا هذه المعطيات والتحليلات على أن القطاع الفلاحي المحلي، لا زال يحتاج إلى المزيد من تعبئة وتنظيم وتأطير الفلاحين الصغار والمتوسطين لبلوغ أهداف المخطط الأخضر للفلاحة الذي يتوخى تحقيق التخصص والتدقيق والتسويق على مستويات عالية. فبدون الاشتغال على القاعدة/ قاعدة المشروع الترابي، ستضيع ـ ربما ـ سنوات أخرى من مسلسل تنمية القطاع الفلاحي/الزراعي وتأهيل الموارد البشرية (الفلاحين والمزارعين) على مستوى مهن وتقنيات الحرث والزراعة و التسميد والتخزين والتثمين لولوج عالم الإنتاج والتسويق بكل فعالية ونجاعة و جودة ومردودية. ذلك أن التسويق هو مجرد إسم آخر لعملية البيع. يقول الخبير البريطاني الدولي في التسويق أوبري ويلسون/ Aubrey Wilson: (( إن عملية البيع دائما ما تركز على الحجم وليس الربح، ولكن التسويق له وظيفة أخرى أساسية وهي التخطيط للربح. البيع في أغلبه نشاط قصير الأمد، بينما التسويق يهتم بالاتجاهات والتهديدات والفرص البعيدة الأجل. إن البيع في مجمله يركز على زبون واحد، ولكن التسويق يختص بقطاعات وأنواع مختلفة من الزبائن. إن البيع ـ كما يعلم جيدا كل العاملين به ـ عمل ميداني في أساسه وليس عملا مكتبيا. ولكن التسويق يشمل أنظمة تحليل الأسواق و لتخطيط والضبط. البيع يقوم عن طريق إقناع الزبائن لاستبدال نقودهم مقابل منتجات وخدمات، ولكن التسويق يرتبط بالقيم التي تقوم عليها عملية الاستبدال هذه. وينظر للعملية كلها على أنها تتكون من مجهودات وثيقة الصلة ببعضها لاكتشاف وخلق وإثارة وتلبية احتياجات الزبون. باختصار فإن عملية التسويق تختص بالتأكد من أن الشركة تقدم المنتجات التي يشتريها الزبون، بينما عملية البيع تهتم بالتأكد من أن الزبون يشتري المنتجات التي تنتجها الشركة. إن الاختلاف بين العمليتين ليس مجرد اختلاف لغوي بل هو جوهري وحقيقي ، ويعكس طريقتين مختلفتين تماما ــ وإن كانتا متكاملتين ــ للنظر إلى الشركة ومنتجاتها وزبائنها وتوسعها وربحها واستمرارها.)). أنظر:  اتجاهات جديدة في التسويق، تأليف: أوبري ويلسون، ترجمة: د. نيفين غراب، الدار الدولية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، القاهرة، 1996 ــ ص.202.
          وما دام التسويق يرتكز على منظومة القيم (السياسية، والاجتماعية، والثقافية..) التي تجري في إطارها عملية التبادل أو الاستبدال الاقتصادية، فإن عملية وقيمة التواصل الترابي أو التسويق المجالي، لن تتم اليوم وغدا إلا في إطار يضمن المزيد من توسيع مناخات ومدخلات الحكامة الترابية الجديدة، من شفافية ومسؤولية، تضمن مصداقية المؤسسات الترابية، ومن حرية اقتصادية تضمن المنافسة الشريفة لمقاولات وجماعات ترابية مواطنة، ومن تخطيط ترابي استراتيجي تشاركي، ينتج برامج تنموية ترابية واقعية واستشرافية، تستهدف الرفع من وتيرة مؤشرات الوقع الاجتماعي الإيجابي لمختلف مشاريع التنمية الاجتماعية المندمجة والمستدامة. وهو ما يستلزم من منظورنا تحقيق انتقال سلس من منطق تراب المشروع الفوقي إلى منطق المشروع الترابي القاعدي.
15 ــ من تراب المشروع إلى المشروع الترابي:
   إن المشروع الترابي التنموي العقلاني في مغرب اليوم والغد، لا بد له أن يستهدف، بكل دقة ونجاعة وفعالية، الوصول إلى غايات عقلانية على مستوى المردودية الاقتصادية، والحكامة الإدارية ، والتنمية الاجتماعية.. ولبلوغه ذلك، لا بد لهذا المشروع أو الورش التنموي الكبير أن يتجاوز عقلية إبراز صولة الدولة البيروقراطية عن طريق الاكتفاء بإظهار علامات ورموز عنفها أو سخائها المادي والرمزي، دون احتضان لمضامين و مستلزمات ومقاصد البيروقراطية العقلانية بالمفهوم الفيبيري للحكم والسياسة. ((..فسلوك الدولة هنا لا يختلف عن سلوك فرد في المجتمع المغربي يستنفذ كل ما عنده لتقديم هدية لأحد أقاربه في مناسبة ما كرمز للثراء. فالهدية هنا تشكل رمزا للثراء في غياب الثراء، وقد تبدو هذه المسألة لاعقلانية، إلا أنها مع ذلك منطقية داخل منطق المحافظة على الاعتبار والسمعة وداخل منطق التنافس حول رموز السلطة)) ــ د. رحمة بورقية، مرجع سابق، ص.118. إلا أن هذا المنطق التقليدي المحافظ للسلطة وللمجتمع، وإن كان ضمن لهما التوازن والاستمرارية لمدة تاريخية متوسطة، فإنه يتعرض اليوم إلى حلحلة سوسيواقتصادية وسياسية ملموسة، بحكم التصاعد المتنامي لأجيال جديدة من المغاربة، تعيش تحت إكراهات اقتصادية وحضارية ضاغطة ومتسارعة، تجعلها اليوم وغدا، أكثر إلحاحا على مستوى مطالبة الدولة والمجتمع بإعادة النظر في الرموز والنماذج المرجعية والوضعيات الاجتماعية، والوظائف والأدوار الاقتصادية والسياسية...فلقد تنامى مسلسل الاحتجاجات الاجتماعية بالمغرب المعاصر بشكل لافت، كما رصد ذلك أحد الباحثين المغاربة، بناء على أرقام إحصائية لوزارة الداخلية. بحيث انتقلت الأفعال الاحتجاجية الجماعية، وفي ظرف وجيز،  من 700 وقفة سنة 2005 ( بمعدل وقفتين في اليوم) إلى حوالي 5000 فعل احتجاجي جماعي سنة 2008 ليصل العدد إلى ما يفوق 8600 حركة عام 2010. وفي عهد حكومة التي قادها حزب العدالة والتنمية برئاسة عبد الإله بن كيران تضاعف عدد الاحتجاجات إلى 17186 احتجاجا سنة 2012، أي بمعدل يقارب 50 احتجاجا في اليوم. وقدر مجموع الأشخاص الذين شاركوا في هذه الاحتجاجات بحوالي 321 ألف شخص. ــ عبد الرحمان رشيق، لهذه الأسباب تضاعفت الاحتجاجات في عهد بن كيران، حوار أجراه معه إسماعيل حمودي، موقع اليوم 24 كوم على النت ــ. والملاحظ أن الوقفات تصدرت الأشكال الاحتجاجية طيلة أربع سنوات ما بين 2008و2010 بنسبة 41 بالمائة من مجموع 40282 شكلا احتجاجيا ــ الحبيب استاتي زين الدين، من الاحتجاج على التسلط إلى سلطة الاحتجاج: حالة المغرب، مجلة المستقبل العربي، منشور على النت.ـــ

الأشكال الاحتجاجية
سنة 2005
سنة 2008

سنة 2009
سنة 2010
سنة 2012
مسيرات
ـــ
496
1354
1485
ـــ
وقفات واعتصامات
ـــ
2270
2459
3545
ـــ
التجمعات
ـــ
1679
2027
2503
ـــ
أشكال أخرى
ـــ
598
646
1079
ـــ
المجموع
700
5043
6486
8612
17186
المصدر: عبد الرحمان رشيق، الحركات الاحتجاجية في المغرب من التمرد إلى التظاهر. ترجمة: الحسين سحبان، ملتقى بدائل المغرب، مشروع حريات التجمعات والتظاهرات بالمغرب بدعم من الاتحاد الأوروبي، يناير 2014.
   تبين أرقام الجدول أعلاه أن مجالات الاحتجاج ومضامينه وأشكاله قد اتسعت عند الجيل الجديد من المغاربة. بحيث يمكن الحديث عن ثلاثة أجيال من الاحتجاج المغربي الحديث والمعاصر: جيل الاحتجاج السياسي...، وجيل الاحتجاج الحقوقي...، وصولا إلى جيل الاحتجاج للمطالبة بالحق الترابي كما يسميه عبد الرحمان رشيق ــ المرجع المشار إليه، ص. من 70 إلى 75 ــ. أي جيل الاحتجاج على السياسات التنموية من خلال وقفات الشموع وتنظيم الرحلات والمؤتمرات والحملات الإعلامية، ومسيرات المشي على الأقدام في اتجاه العاصمة أو مقر الولاية أو العمالة، ووضع الكمامات على الأفواه، وتأسيس تنسيقيات محلية لمناهضة ارتفاع الأسعار، وحمل أواني الطبخ فوق رؤوسهم احتجاجا على تدني القدرة الشرائية، وارتفاع حالات محاولات التهديد بإضرام النار في الذات...وهي كلها أشكال تعبر عن وعي الساكنة المغربية بفشل أو عجز السياسات العمومية التي تتكفل بها الدولة عبر قطاعاتها الحكومية المركزية، أو السياسات المحلية التي تضطلع بها وحداتها اللامركزية عبر الجهات والأقاليم، أو تلك التي عهد بها إلى الجماعات المحلية الحضرية أو القروية، بالتأثير في الواقع المعيشي اليومي، سواء تعلق الأمر بالسكن أو الصحة أو التعليم أو الشغل أو البنى التحتية ـــ الحبيب استاتي زين الدين، مرجع سابق،ص.65.
   تلك هي المدخلات السوسيولوجية الجديدة في علبة النسق السوسيو اقتصادي والسياسي المغربي المعاصر، والتي تدفع الفاعلين الدوليين والمسؤولين المحليين، من منظمات دولية، وحكومات، ومؤسسات محلية، إلى إعادة النظر في عمليات إعداد وصياغة وتنفيذ برامج ومشاريع التنمية على كافة المستويات الترابية. ومن هذا المنظور، فإن أية سياسة ترابية تستهدف إنماء العالم القروي اليوم، لا بد لها أن تتبنى منطق البناء من الأسفل إلى الأعلى، وذلك بجعل تنمية الجماعات الترابية نقطة الارتكاز القاعدية والأساسية في مسلسل التنمية الشاملة المندمجة والمستدامة. ومن هذا المنطلق، فإن الإنصات إلى هموم واهتمامات فئات الفلاحين الصغار والمتوسطين، يكشف عن وجود عدة إكراهات واختلالات على مستوى العيش واللامساواة المجالية وندرة الفرص الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتاحة أمام فئات عريضة من أبناء الفلاحين والقرويين عموما. وبالتالي، فالوضعية تتطلب المزيد من الرصد الموضوعي، والتشخيص التشاركي، والتخطيط الاستراتيجي، والتنفيذ التتبعي  المرتكز على النتائج، على مستوى البرامج العمودية والأفقية التي تستهدف التخفيف من حدة الفقر و الاستبعاد الاجتماعي والهشاشة الاجتماعية بالبادية المغربية. وهو الدور المنوط أو الوظيفة الوسيطية الجديدة المنوطة بالمدن الكبيرة والمراكز الحضرية المتوسطة. فبدون شك أن التدبير العقلاني المعاصر أو الحكامة الترابية الجيدة اليوم هي التي تقوم على أساس نظرة تفاعلية وتكاملية، واقعية ومستقبلية، لإشكاليات ورهانات الروابط الحضرية/القروية، وخاصة في مجال ترابي مركب، كمجال إقليم برشيد، ما فتئ يعرف عدة تحولات على مستوى أنماط الوساطة السياسية والنقابية، وفي أشكال التجمهر والتظاهر، والاحتجاج والتعبئة الجماعية.     ولا شك أن هذه الأفعال الاحتجاجية الجديدة للمغاربة، تبدو جد مقلقة ومزعجة للسلطات العمومية والنخبة السياسية والاقتصادية بالبلاد، إنها مصدر تشويش ( تبرزيط) على النظام أو النسق السياسي المغربي برمته، وهي دليل أو مؤشر واضح على أن مغرب اليوم والغد، لن يكون هو مغرب الأمس، وبأن هناك دائما من داخل قديم لا يريد أن يموت ، جديدا يريد أن يولد بسرعة، وتلك هي صعوبة مخاض التغيرات الديمغرافية و السوسيولوجية المحدقة بالنسق السياسي المغربي...التي جعلت  الباحث الأمريكي في النسق السياسي المغربي جون واتربوري، يكتب  منذ خمسين سنة قائلا: (( تعد أساليب عمل النخبة (المغربية) أساليب هشة وغير ثابتة. إنها هشة، لكون النخبة فقدت كل اتصال مع واقع المجتمع المغربي، ولأنها أصبحت بدون شك عاجزة عن مواجهة مشاكل التنمية الاقتصادية. وهي غير ثابتة، لأن تركيب النخبة وإطار عملها سوف يشهدان حسب ما يبدو تغييرا شاملا في المستقبل القريب(...). يبدو أن النخبة الآن في حالة وقف التنفيذ، ولن تظل زمنا طويلا جماعة ضيقة، ومنسجمة ومنغلقة على نفسها. يحتفظ المجتمع المغربي بتوازنه بفضل لعبة الأرجوحة الدائمة الموجودة بين مختلف عناصره الثابتة. لكن التزايد الديمغرافي يغير معطيات المعادلة على جميع المستويات. لقد أدى تضخم عدد "المتعلمين" إلى انفجار ديموغرافي...ولقد شكل التعليم في الماضي مفتاحا بالنسبة لوضعية النخبة، ويضع فيه شباب اليوم كل طموحاتهم المستقبلية. غير أن جذورهم الاجتماعية مختلفة عن جذور الجيل السابق، وأسطورة الوطنية بعيدة عنهم، وفي كل الأحوال يتعذر إدماجهم في شبكات التحالف والأتباع الحالية، نظرا لضخامة عددهم. توجد النخبة أمام خيارين: أن تقف إزاءهم موقف التجاهل وستصبح متجاوزة بسرعة، أو أن تحاول إدماجهم، وسيؤدي بها ذلك إلى تحول كامل.)) ــ واتربوري،ص.227ص.228.ـــ وفي الصفحة 420 يصرح واتربوري قائلا: (( لقد عملت الملكية باستمرار على توفير "المتع الشخصية" للنخبة بهدف إسعادها. لكن الاستمرار في اتباع هذه السياسة، وإن كان ضروريا، فإنه في الغالب لم يعد ممكنا أمام موجة شباب الجيل الثالث... هذه الاستراتيجية سوف تزداد صعوبة في المستقبل، لأن النظام لا يتوفر على الموارد الكافية لإشباع جميع الرغبات...هناك عنصران يمكن أن نفسر بهما كيف أن الذين كانوا يستفيدون أكثر من غيرهم من نظام "المتعة والهوى"، هم الذين قرروا أن ينقلبوا على سيدهم...فمن جهة، كانوا واعين بمصالحهم الخاصة، ومن جهة أخرى، كان الثمن النفسي لنسق يدور حول الامتيازات غير المشروعة ثمنا فادحا.ص.430و431)). إن القيمة الكبرى التي ينبغي للتواصل الترابي تسويقها اليوم، هي أن النسق السياسي، على مستوى الدولة والمجتمع، يقتضي أكثر مما مضى، الترويج لفكرة أن نظاما قد ولى، وهو نظام الريع والامتيازات.. ليفسح المجال لنظام جديد هو نظام التعاقد والشراكات، ليساهم كافة الفاعلون، وعلى مستوى كافة الوحدات الترابية، في صيانة وتنمية الموارد الطبيعية والاقتصادية والبشرية، وفي استمرارية الوطن/الأمة المغربية المعاصرة. 
                                                                         التهامي حبشي
                                                  متصرف للإدارات المركزية، ملحق بالجماعات الترابية.
                                                باحث في شؤون التواصل، التخطيط وسوسيولوجيا التنمية.

Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية