عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

بقلم الباحث التهامي حبشي : العيطة والفروسية ( الحلقة الأولى )

بقلم الباحث التهامي حبشي : العيطة والفروسية ( الحلقة الأولى )

 
العيطة، الفروسية، القبيلة والحركة السلطانية
قراءة وتحليل في عيطة (كبة الخيل على الخيل)
                                                   (*) بقلم الباحث: التهامي حبشي
الحلقة الأولى : العيطة والفروسية:
    لقد اتضح لنا من خلال زياراتنا الاستطلاعية، المتعددة والمتكررة، لعدد من المواسم والمهرجانات الحضرية، ذات الطبيعة القروية والشعبية، أن هناك علاقة وثيقة وعتيقة بين طقوس الفروسية التقليدية والعيطة الشعبية، بين حداء الفرسان والسربات، وعيوط وسواكن الشيوخ والشيخات، بين إيقاعات سنابك الخيل أو بارود الخيالة، وضربات الدفوف، ونقرات البندير أو الطعريجة، أو أوتار الكنبري ونغمات الناي أو الليرة، والغيطة و ذبحات الكمان أو الكمنجة..علاقة تستحق منا التوقف للتأمل والتمعن في هذا الكنز التراثي المغربي الذي لا ينضب، والذي يتعاطاه ويتبادله و يتوارثه المغاربة جيلا عن جيل. وبغير قليل من شجاعة الجزم ـ واستنادا إلى ما توفر لدينا من أرشيف غنائي عيطي ضارب في القدم، وإنصاتا إلى وقع حركة القوائم، وميلوديات النغم ـ العيطي طبعاـ نستطيع القول إن مربط الفرس أو واسطة العقد أو  (أم العيوط) في تصوير ومحاكاة حركات الخيل والبارود ، كما يدل على ذلك إسمها، هي عيطة (كبة الخيل) وتسمى أيضا (تكبت الخيل على الخيل). وذلك من فعل كب يكب كبا: بمعنى صب يصب الماء،إذا أراقه أو أساله دفعة واحدة، ومنها قولنا صب عليه جام غضبه، في حالة الانفعال والقلق والهجوم على الغير. والكبة هنا بمعنى الإغارة أو الغارة، ذلك أن مشهد الخيل، سواء في ساحة الوغى/ حالة الحرب أو المعركة، أو في حالة السلم أو فرجة الفروسية التقليدية (التبوريدة)، يبين بوضوح كيف أن الخيل تهب هبة واحدة،(الخيل هبة من الريح) كما يقول المثل العربي، أو تكب كبة جامحة جامعة، عند انطلاقها نحو العدو أو عدوها في المحرك، وهو مشهد عظيم يثير في النفس الحمية والحماسة، والفخر والاعتزاز. وللتعريف والتوضيح، فإن عيطة (كبة الخيل) هي عيطة مرساوية شاوية، جازت إلى نمط الحصبة واندمجت في عيوط عبدة، حتى ظن أو قيل أنها لم يبق لها أثر في نمط آخر غيره. والحال أنها ـ بالاستناد إلى مختبر التوالد أو الولادة الجديدة في فن العيطة، أي ولادة نمط آخر ناتج عن التقاطع أو التمازج ما بين نمطين أو أكثر، كما أرسى دعائمه الباحث الفريد الأستاذ الفقيد محمد بوحميد ـ عيطة مرساوية شاوية، سرعان ما انتشرت، بحكم الجوار الجغرافي واللغوي والثقافي وحركات الرعاة والعمال الزراعيين، وفرق الشيوخ والشيخات، والحبحابة (شعراء التروبادور، الرحل الجوالون) الذين ارتبطوا بظاهرتي الركب والمواسم في المجتمع المغربي الوسيط والحديث ــ كما يرى ذلك الأستاذ علال ركوك في كتابه الغناء الشعبي المغربي أنماط وتجليات، تقديم: د. سعيد يقطين، منشورات جمعية آسفي للبحث والتوثيق، الطبعة الأولى.،2000 ــ فقد وقع الالتقاء والتوالد بين النمطين العيطيين المرساوي والحصباوي في منطقة عبدة السمراء، جنوب أم الربيع، فتولدت لدينا هذه العيطة المركبة الفريدة، التي يؤديها شيوخ المرس/الشاوية على مقامات سيكا بياتي على لا.، ويؤديها شيوخ الحصبة/ عبدة على مقامات بياتي على لا وبياتي على صول. ويؤكد هذا القول، النسخة الأولى من هذه العيطة، التي وجدت مسجلة في أرشيف الإذاعة الوطنية (لدى باتي ماركوني) وتعود إلى سنة 1948، بأداء ثنائي متقن، على آلة الوتر(السويسي) بمصاحبة الطارة أو البندير للشيخين هدي ولد العمرانية وبريول؛ وهما من شيوخ المرس الممتد ما بين الدار البيضاء وسطات، وأغلب الظن أنهما ينحدران من منطقة الفقرا أو البهالة المتاخمة للحدود ما بين المجال الترابي لقبائل أولاد حريز (مدينة برشيد والضواحي) والمجال الترابي لقبائل اامزاب (مدينة ابن أحمد والضواحي). ودليلنا في ذلك أن إسم (العمراني) ومؤنثه (العمرانية) يطلقان في منطقة فخذة الفقرا أولاد عبد الله من اتحادية أولاد حريز، وذلك تيمنا بالجد الأول للقبيلة سيدي عمرو بلحسن، دفين منطقة بزو بأيت عتاب. ويؤكد هذا القول ما ذهب إليه الباحث الفريد محمد بوحميد من أن الشيخين المشار إليهما، لم يقيما أبدا كما بحث في مجال الحصبة، وأنهما قد يكونان من شيوخ البيضاء أو سطات؛ خالصا بذلك إلى أن (كبة الخيل) هي الملك الوحيد المشترك بين المرسى والحصبة. وبعبارة أخرى، نقول إن هذه العيطة الفريدة كانت فيها الشاوية هي موطن النشأة والتكوين والترديد، وكانت عبدة هي مكان الصقل والحفظ والحماية والتنضيد، وذلك لما عرف عن شيوخ وشيخات عبدة، من دقة وصبر وأناة في الأداء والصقل، ولما نالت فرق العيطة عندهم من عناية على يد الحكام الكبار، وعلى رأسهم القايد عيسى بن عمر العبدي وولديه: أحمد باشا مدينة آسفي وإدريس القائد بها خلال تلك الفترة. ومن شدة ولع أهل عبدة السمراء والبيضاء، بهذه العيطة، فقد بوؤوها مكانة معتبرة عندهم تحظى بالاحترام والتوقير، حيث لم يكن المنطلق في الحفل عند أهل الحصبة إلا بأغنية (تكبت الخيل على الخيل)، وذلك من باب التبرك والإلماح إلى الفروسية، وإبانة الإحاطة بكل فن العيطة وإيقاعاتها ونصوصها الموسيقية. (بوحميد، العيطة موروثنا الثقافي، عرض للباحث في الأدب الشفاهي الأستاذ محمد بوحميد، منشور بجريدة رسالة الأمة، عدد يوم 26/27 ماي 2001).
    ونظرا لصعوبة ضبط الجزء الثالث من عيطة (كبة الخيل)، وهو المقطع الفريد الذي يصور بدقة متناهية إيقاع وميلوديا حركة التفريد في الفروسية، ويعرف بمقطع (الفرادي وحدو غادي). ومن متنه: (الله آسيدي/ ما صبرتي/ ما كابرتي/ لكبيدة مجروحة/ اللي كال عجب/ يطلع يجرب/ أبابا الفرادي/ وحدو غادي.). يقول الباحث الفريد المرحوم محمد بوحميد بصدد هذه العيطة: ((ومتتبع تلك العيطة، يعجب لبراعة تصوير طقوس الفروسية فيها، ولا يملك إلا أن يصاب بالذهول والانبهار، كما يعجب أيضا للمسافة الزمنية التي سخرت ــ في الجزء الثالث المشار إليه ــ كامل الزمن الموسيقي (تستغرق أربعة أجزاء من الزمن الموسيقي) الذي تتخذه الجملة لتصل لحبة واحدة أي أربعة على أربعة، إلا ما ظهر فيما بعد على يد الموسيقيين المتحذلقين في شمال غرب أوروبا، لما استعملوا الزمن المزدوج (المربع) أي ضعف الزمن. ولذلك اعتبرت هذه العيطة (كبة الخيل) بين المرساوي والحصباوي...ويحق لنا القول إن العيطة موضوعنا هي نتاج اختلاجات شتى من ظروف عبيدات الرمى، وتقلبات حياتهم حتى ابتدعوا محطة الركب، أي الربط الفرجوي بين البطون الأطلسية ـ الشاوية وعبدة ودكالة ــ حتى بطاح الحوز.)) ــ المرجع المشار إليه أعلاه/ جريدة رسالة الأمة ـ. ومن الشيوخ الرواد الأوائل الذين أدوا عيطة (كبة الخيل) بإتقان، نذكر الشيخ محمد الدعباجي رفقة الشيخة عيدة، والشيخة الطباعة الحاجة الحامونية رفقة زوجها الكوامنجي المرحوم الحاج الجيلالي العبوشي، فكثيرا ما صدحت الحاجة الحامونية (وإسمها الحقيقي فاطمة الكوط) بفصول وحطات هذه العيطة الفريدة، في مجالس الأعيان والعوام والخاصة، وخاصة الخاصة، فقد روت أنها غنت (كبة الخيل) أمام العديد من رجالات الدولة..، بل أدتها برهبة كبيرة على مرأى ومسمع من الملك الراحل المرحوم الحسن الثاني، وقالت عنه أنه كان رحمه الله يحب سماع هذه العيطة، وكان آخر حفل أحيته  في القصر بمناسبة عرس زواج الأميرة لالة حسناء، وكان الملك الراحل لا يمل من تردادها وتكرارها والإنصات إليها بإمعان، وخاصة عندما تقول: تكى عمرو على اهلو/خانوه بني عمو.( الحامونية ...ذاكرة الحصباوي، استجواب مع الحاجة الحامونية من إنجاز خديجة بوعشرين، جريدة الصباح، العدد 2503ـ يوم 26/27 أبريل 2008، ص.18).هذا، ولا ننسى أن من خيرة من أداها أيضا الشيخة الطباعة المرحومة فاطنة بنت الحسين مع مجموعة خدوج العبدية والمحجوب بآسفي، وبعده، صحبة الشيخ الجيلالي السرغيني المعروف ب(سي جلول) والشيخ بوضروكات والشيختين نعيمة والزوهرة، وفيما بعد صحبة الشيخ ولد الحلاوي، ثم رفقة فرقة الإخوة الشيوخ أولاد بنعكيدة (بوشعيب عازف الكمنجة وميلود عازف آلة العود وبوجمعة عازف الإيقاع/ الدربوكة، إلى جانب الشيخات زينب مسيكة والهاترة وسعاد البيضاوية، والشيخة حفيظة زوجة بوشعيب بن عكيدة، ثم غنت بنت الحسين هذه العيطة، وعيوط أخرى، مع مجموعة تضم كل من صالح السمعلي على الكمنجة والكبير العوني على الطعريجة والشيخات خدوج السطاتية وسعاد العبدية والزوبيدة حبوطة، ومن شيوخ المرس الذين أتقنوا أداء عيطة (تكبت الخيل على الخيل) نذكر الشيخ لمعاشي والشيخة لكبيرة، والشيخ عبد الحق ولد الحلاوي رفقة الشيخة سعاد العبدية، والشيخ ساطسا...، ومن المتأخرين نجد أن أحسن من أدى عيطة (كبة الخيل): الشيخ بوشعيب ولد الحوات، والشيخان ولد الصوبا وجمال الزرهوني والشيخة عيدة، والشيخة خديجة مركوم، والشيختان نعيمة وخديجة البيضاويتين، وشيخات وشيوخ آخرين...
يتبع...

Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية