عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

بقلم الجيلالي طهير : من ذكريات أستاذي السي القضيوي ببرشيد

بقلم الجيلالي طهير : من ذكريات أستاذي السي القضيوي ببرشيد

من ذكريات أستاذي السي القضيوي ببرشيد
برشيد نيوز: بقلم الجيلالي طهير
تمة أناس يعرفون كل أنواع التملق، وآخرون كل أنواع الركوع لغير الله، أما هو فمورست عليه شتى أنواع التعسفات والمؤامرت. كنت ألهث وراء سيرته الذ اتية، فوجدتها مصادفة في كتاب له بعنوان :" شذرات من الذ اكرة" لعلي القضيوي الإدريسي.
هو سليل الشرفاء الأدارسة بحق ، مناضل اتحادي، دكالي من أخمص قدميه حتى قنة رأسه ، من مواليد سنة 1938 ، بدوار زاوية سيدي عبد الله بنمسعود ، جماعة سبت سايس، قيادة سيدي إسماعيل ، إقليم الجديدة. يقول عن نفسه أنه كان ينام مع إخوته ممددين على حصير على الأرض، وفي فصل الصيف يبيتون في العراء، بالكاعة، فوق النادر أو القشيبل وحيثما كان. لم يكن له من لباس غير " التشامير"، يخلعه في مناسبتين لا ثالث لهما: وقت التصبين وعند فليان القمل. يتميز التشاميره عنده بصفتين من صفات الله: القدم والوحدانية، كونه قديم جدا، وليس منه اثنين أو أكثر.
بعيدا عن دوار زاوية سيدي عبد الله بنمسعود، وفي غياب الآذان، كان وقت الصيام يختلط عند الناس بوقت الإفطار، ولا أحد يعرف تمييز الخيط الأبيض من الخيط الأسود. في ليلة مقمرة، نهض خماس مهرولا ليتسحر في خيمته الموجودة بأحد الدواويير البعيدة عن الزاوية، فقال له خماس قديم: " وا ... امحمد ، عا... شور، راه التحكار عا هنا ، وعا تخرج من هنا، ماكاين عا كولو وشرابو حتي يبان العبد بقرابو".
كان أب السي علي القضيوي يمارس العدلية بمنطقة أولاد بوعزيز، يتنقل فوق ذابته، لثوثيق العقود والالتزامات والاستماع للشهود. وأحيانا كان يصحب معه ابنه السي علي يتبعه ماشيا على الأقدام. وعلى الرغم من توفر الزاوية على كتابين لتدريس الصغار، فقد نصب الأب نوالة بجانب بيته، واستأجر فقيها يعلم له أبناءه القرءان، كي يستطيع من مراقبة تعليمهم عن كتب. وقتها، كان السي علي القضيوي يحلم أن يصبح فقيها مشارطا، في جامع كبير ، يجلس فوق الهيضورة، بينما الأطفال يجلسو ن من حوله على الحصيرة.
بعد الاستقلال، التحق السي علي القضيوي صحبة أخيه إسماعيل للدراسة بمدرسة بن يوسف بمراكش. وفي سنة 1960، انقطعا عن متابعة الدراسة، على إثر وفاة والدهما، فالتحق إسماعيل للتدريس بمدينة الدار البيضاء، والسي علي القضيوي بمجوعة مدارس أولاد زيدان التابعة للكارة. في أحد الليالي توجه السي علي للمدرسة المركزية للمبيت عند بعض الزملاء، فاعترضت طريقه مجموعة من الكلاب. وعوض الفتك به، أخدت تلاعبه وتتمسح به. اندهش المعلمون، وقال له أحدهم: " إنها شممت فيك رائحة الطباشير، وعرفت أنك معلم".
بداية، اشترى السي علي القضيوي دراجة نارية للتنقل إلى المدرسة، وفي العطل الأسبوعية كان يركبها للذهاب عند أخيه إسماعيل بالدار البيضاء. وحين يأتي الشتاء، كان يتركها جنب الطريق عند أحد الساكنة، ثم يبلس الحذاء المطاطي ، ويتابع السير راجلا مسافة كيلمترين للوصول إلى المدرسة. في تلك الأيام، جاء رجل مع ابنه المتغيب عن الدراسة، وطلب منه أن يقبله في القسم دون أخذ الإذن من المدير. قال الأب للمعلم أنا الشيخ، فأجابه المعلم : " كن شيخ ولا شيخة". وكانت تلك الواقعة سببا في ربط علاقات طيبة وطيدة بين الرجلين ملؤها الاحترام المتبادل.
بعد مرور خمس سنوات في التدريس بمجموعة مدارس أولاد زيدان، انتقل السي علي القضيوي لمدرسة برشيد للبنين. وقبل الالتحاق بها قرر المسؤولون إلحاقه بثانوية برشيد المختلطة. غير أن المدير الفرنسي أوبيليان، لم يقبله في مؤسسته، بتحريض من الحارس العام، المعروف بتعاونه مع أجهزة الداخلية، قال له أنه سياسي ونقابي.
مكث السي على القضيوي سنتين بمدرسة البنين، عند مديرها بلهاشمي، الذي يصفه بهذه الكلمات: " استقبلني مدير يثير منظره عدم الرضا، طاعن في السن، منتفخ الأوداج، يغطي صلعته طربوش أحمر يتدلى على أذنيه، يكرهه المعلمون جميعهم في السر، ويتملقه البعض في العلن، يدير المدرسة بطريقة مختلفة يعتبر المعلمين خداما له، ومكلف بالتفتيش في نفس الوقت ، وبه أخضع المعلمين لنفوده وسيطرته لإسداء الخدمات له وحتى التسوق لمنزله. غاضني أمره، وألقيت على عاتقي أن أخلص المعلمين من جبروته، وأوقفه عند حده".
التقى السي علي القضيوي بالمناضل سعد الله صالح الذ ي عرفه بالمقاوم المكي لكبابطي، وبالاتحاديين بالمنطقة، وقدمه للفقيه البصري على أنه مناضل قديم من أيام مدرسة بن يوسف بمراكش. ومن يومها، عمل الثلاثي المكون من السي علي وسعد الله صالح والمكي لكبابطي على إعادة الروح للتنظيم الاتحادي المقموع ببرشيد. ولما ترصد السلطة خطوات القضيوي وسعد الله، استدعاهم قائد المركز وطلب منهما أن يبلغاه بالاجتماعات السياسية التي يعقدونها بالمنازل، حتى يكون على اطلاع بها قبل الاستعلامات الأخرى.
بعد قضاء سنتين بمدرسة البنين، صدر قرار آخر يتعلق بالتحاق السي علي القضيوي بثانوية ابن رشد، الوحيدة بمنطقتي أولاد حريز وأولاد سعيد. وفي تلك الفترة، كان مدير مدرسة البنين بلهاشمي قد غادر برشيد، في إطار الحركة الانتقالية. وقبل رحيله، انتقم من السي علي القضيوي، حيث ادعى في تقاريره الكاذبة أنه تغيب عن العمل بدون مبرر قانوي لمدة أسبوع. لم يتوصل المعلم القضيوي بالإشعار إلا في مطلع السنة الموالية، وتم اقتطاع أجرة الأيام المتغيب عنها زورا وبهتانا، لأن المدير زور توقيعه أيضا.
في ثانوية ابن رشد حظي الأستاذ القضيوي بثقة المدير الفرنسي أوبليان الذي يتصف بالجدية والصرامة، حسب تقيمه لشخصه. فقد تغيب السي علي القضيوي ذات مرة عن العمل بسبب المرض عدة أيام، وعند عودته للتدريس ناوله المدير أوبيليان طلب الرخصة ذلالة على عدم وضعها في الملف الخاص به. عكس ذلك، ظل الحارس العام الجديد يتربص به، واصطحبه عند رئيس الدائرة (السي الضميري) الذي استقبلهما بمنزله وقدم لهما الحلوى والمشروبات. كان رئيس الدائرة قد تولى نفس المسؤولية بإقليم الجديدة، ويعرف السي علي القضيوي مسبقا، فلم يفاتحه في الموضوع الذي من أجله الاستدعاء. سأله السي علي: " هل قيل لك أني امتنعت عن المساهمة المادية للاحتفال بعيد العرش؟". أجابه رئيس الدائرة: " بل قالوا لي أنك أسأت للعرش وصاحب العرش، وأنا أعرف دكالة طيبون، وهؤلاء القوم يحرفون القول عن مواضعه، ويعملون على أن يبلغه لي أكثر من شخص واحد، أنا أعرف مكرهم، وأقسم بالله فقد بلغني عنك أكثر من ثلاثة". وتصافح رئيس الدائرة والسي علي القضيوي وتوادعا، بينما خرج الحارس العام يجر أديال الخيبة. بعد رحيل المدير أوبليان خلفه السي عبد القادر الحزاني: " رجل إداري محنك، لطيف الدعابة، بشوش، دائم التنكيت".
ذات مرة، تم تنظيم محاضرة بسينما كاميرا حول موضوع التعليم، ألقاها الدكتور محمد عابد الجابري. وعندما ذهب السي علي القضيوي مع التلميذ محمد بوعبيد لمكتب الباشا من أجل سحب الترخيص ، سألهما الباشا: " ياكما فيها شي سياسة؟". وتصاعدت الاعتقالات والقمع، ولم يتم اعتقال أي شخص ببرشيد، على الرغم من أن المسؤول عن الدرك تلقى أمرا باعتقال السي علي القضيوي . فهو لم يفعل، بل تنكر وراح يراقب منزله خلال تلاث ليال متتالية، كي يتأكد أولا من صحة الاتهامات . فقد كان على خلاف مع جهات استخباراتية أخرى، وكان يعرف أنها تفبرك الملفات.
في سنة 1975 شارك السي علي القضيوي في الحركة الانتقالية والتحق بثانوية حليمة السعدية بالجديدة، ولكن المكي لكبابطي اعتبر الأمر مؤامرة ضد التنظيم الاتحادي ببرشيد. وفي سنة 1976، ترشح السي علي القضيوي للانتخابات المحلية بالجماعة القروية سبت سايس. ولما بلغ إلى علمه أن السلطة المحلية بأزمور منعت بعض المواطنين من الترشح لفائدة الاتحاد الاشتراكي، اصطحب معه واحدا منهم لمكتب الباشا لأجل الاحتجاج. دخل السي القضيوي مكتب الباشا وترك المواطن بالخارج ينتظره. أنكر الباشا أنه يمنع الناس من الترشح باسم الاتحاد الاشتراكي، ورحب بكل من يرغب في ذلك. ولما خرج السي القضيوي لم يجد المواطن حيث تركه، لأن الباشا خرج من باب كاتبه الخاص، وصفعه وتوعده شرا إن هو ترشح باسم الاتحاد الاشتراكي.
توجه السي علي القضيوي لقيادة أولاد غانم، صحبة مجموعة من المواطنين، لوضع ملفات الترشيح الخاصة بهم. فرحب بهم القائد وطلب منهم العودة في اليوم الموالي لأجل استكمال الإجراءات اللازمة. وأثناء الليل زارهم القائد الواحد بعد الآخر في بيوتهم مع فرقة مدججة بالسلاح، ومارس عليهم الترهيب والتنكيل. في الصباح توجه السي القضيوي مع تلميذه القديم بمدرسة برشيد للبنين، بوشعيب بلمقدم، نائب الكاتب الإقليمي للاتحاد الاشتراكي بالجديدة. ولما توترت الأجواء بين القائد والسي علي القضيوي الذي رفض مصافحة القائد، تدخل بلمقدم، وقال للقائد: " آلسي فلان". أجابه القائد مندهشا: هل تعرف اسمي؟ قال له بوشعيب بلمقدم ، وكلاهما كان يسكنان درب جديد ببرشيد : " وحتى اسم والدك، أنا من برشيد وهذ ا أستاذك السي القضيوي، ألا تستحي منه؟ ". ابتسم القائد ابتسامة عريضة، وقام وصافح السي علي الدي قبل هذه المرة بمصافحته ، وقال له أنه لم ينتبه، أو لم يتذ كر. وأخرج مسبحته من قمطره، وأقسم أنه لم يفعل شيئا مما حدث البارحة.
عندما يتحدث السي علي القضيوي عن رفيقه بوشعيب بلمقدم، يقول عنه: " ظل صامدا مكافحا، لم تنل من عزيمته لا النفي ولا الحرمان من الترقيات والتعويضات عن الساعات الإضافية. ترشح بإحدى الدوائر الانتخابية بالجديدة، فعين الباشا موظفا له على رأس مكتب الاقتراع، وقال له: " إ ذا جئت ب بلمقدم فائزا، فلا تعد إلى هنا".
أعتقل السي القضيوي عدة مرات على خلفية مقالات نشرتها جريدة المحرر، وأثناء محاكمة عبد الرحيم بوعبيد. أحرق طاقته، تعب، انسحب بفعل الشيخوخة، بعد 24 سنة من تولي مسؤولية الكتابة الإقليمية للاتحاد الاشتراكي بالجديدة . لبى نداء ربه سنة 2017، وحضر حفل تأبينه سعد الله صالح والفلسطيني موسى العطاونة، و ما حضر أي مسؤول حزبي، من رفاق الدرب ببرشيد، على الرغم أنه ذكر أحدهم بالاسم في مذ كراته.
لَشَـدَّ ما كان يُحـبُّكم .... تَذَكَّروا ... تَذَكّروا ..

Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية