عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

بقلم الجيلالي طهير : الـدرب الجـديـد، لحيـوط الى رابــو...

بقلم الجيلالي طهير : الـدرب الجـديـد، لحيـوط الى رابــو...


الـدرب الجـديـد، لحيـوط الى رابــو...
برشيد نيوز : بقلم الجيلالي طهير
درب جديد لا مثيل له بين الأحياء الشعبية في عزلته ومحنته، واختناقه حتى الموت، بين أربع جدران ولدت الاكتئاب النفسي الدي يقوم على فكرة عدم الانسجام وعدم تقبّل الواقع المزري. درب جديد ليس فضاء بيئيا بالمرة، كونه يشبه المعتقل الجماعي الدي انقرضت فيه مجرد فكرة الحياة الكريمة، وتراكمت فيه الأجساد وكأنها أشباح مرعبة تخيف ذواتها والآخر. الكرامة لا تنبت على حواشي البؤس المسلط على الدروب المنسية. هو لم يكن كذلك في يوم من الأيام، أي في تاريخ الولادة ومراحل النمو، وإنما أصبح على تلك الحال بأفعال فاعلين، أحسوا به يأوي حمولة ثقافية وازنة وأخرى سياسية مزعجة، نالت من كبرياء السلطة المحلية المستقرة بالجوار.
ظهرت تجزئة " الشركي"، وهو الاسم الأصيل للدرب الجديد، في مطلع الخمسينات، على يد مدام شارلوت دوهيز، زوجة القبطان دونات، فوق عقار اقتنته من المعمر جيل بوكلير، وكان اقتناه بدوره من الشيخ أحمد بن الجيلالي وأخيه محمد بن الجيلالي، جد المدعو " قشة".
كان الحي منفتحا على محيطه الخارجي نتيجة التصاقه بالحي الإداري، وقربه من ساحة الاستقلال التي تربط بين الجهات الأربع للمدينة العتيقة، وتداخله مع القيسارية القلب التجاري النابض لبرشيد، ومع المدرسة الإسرائيلية، والمدرسة الأوروبية، ومدرسة البنات، وداخلية المدرسة الإسلامية للبنين. وكانت ساكنة الحي عبارة عن نسيج مختلط يتكون من رجال القضاء ورجال التعليم من مغاربة وفرنسيين، وعمال السكة الحديدية والمطاحن، والممرضين، وبعض التجار والحرفيين وصغار الموظفين. لا يوجد ممر بالمدينة العتيقة إلا واسمه " زنقة"، باستثناء الممر الرابط بين محطة القطار ودرب آرلو، مرورا بدرب جديد، ويسمى " مهج"، أي الطريق المحفوف بالأشجار.
ظلت عمامة الحي مرفوعة لزمن طويل، لكنه الآن نكس رايته ويخاوي المرارة والوحشة التي لا تطاق. ففي نهاية الستينات، صدرت الأوامر السلطوية من رئيس دائرة الشاوية الوسطى السيد علي زلماط بتثبيت علامات ممنوع المرور بمهج مولاي الحسن، العابر لدرب جديد، للحيلولة دون وصول القادمين من حي المنى إلى ساحة الاستقلال. وفي تلك المرحلة، وضع قائد المركز المستقل قيس محمد بن حمو الدكالي بعض عيونه بالحي لمراقبة تحركات الشباب الدين يدرسون بمدينة الدار البيضاء، ووافق على وضع حفير طويل بين المدرسة الأوروبية والمدرسة الاسرائلية، وسط ما كان يعرف بزنقة المدارس، تلاه بناء مدرسة عائشة التيمورية فوق الطريق العام، ليعلن بذلك الطلاق النهائي بين الحي الجديد وحي القيسارية. ثم بعد ذلك ارتفعت الأسوار عالية من كل جهة، لتخنق الحي من جهات المستشفى الأهلي وحدبقة الباشوية والسكة الحديدية. وأخيرا، جاءته الضربة القاضية بلكمة صديقة في التسعينيات، من طرف المجلس الاشتراكي برئاسة محمد طربوز، عن طريق بناء الجسر الدي قطع شرايين الحياة بين سابول و محطة القطار وحي المنى. ليفهم الجمهور من جراء تلك الكوميديا السوداء، بأن الاشتراكية التي ارتبطت صورتها في وعيهم بالتضحيات وبشهداء التحرير ليست عند البعض غير الحلم بأخذ دور الجلاد واحتلال مقعده، من غير إحساس بوجع المظلومين.
إن النوم في الأماكن الضيقة مثل درب جديد يعلمك بأنك ومن حولك تحبون نفس الحسناء، ولكن القفز فوق الحب الأعمى وليالي السمر الطويلة تعلمك بأن العاهرات يغرهن المال وليس الثناء. السياسة عهر. يبدو حزب الاتحاد الاشتراكي، في النقد الذاتي عند بعض أصدقاء الأمس من أصحاب الفكر المتفتح، كقصيدة شعر منحولة، معلقة في سوق عكاظ، لا علاقة لها بالواقع. كيف العثور على الأطلال وآثار الرماد في صحراء الرمال المتحركة؟ أوهام. نحن بحاجة في سياستنا إلى رجل أعمى، مثل طه حسين في الأدب الجاهلي، ليدلنا على ما عحز عن رؤيته المبصرون.
بعد الاستفاقة المتأخرة، أصبح درب جديد السيء الحظ مغيبا عن الساحة السياسية، يفتقر لمن يدافع عن صوته بداخل المجلس البلدي، حتى كاد الرئيس محمد ولد الشيب، في بداية الألفية الأخيرة، أن يطلق عليه رصاصة الرحمة. كان الرئيس السابق ينوي بناء مستودع للأموات في حظيرة المستشفى الأهلي، وكان على وشك أن يوقع شهادة موت الحي المغدور، لولا لطف الله وتنبيهات الدكتور عزالدين حريزي له بأن سكان درب جديد بحاجة إلى منقد وليس إلى قاتل. الدكتور عز الدين سكن درب جديد مع عائلته في مرحلة الطفولة، ويعرف جيدا همومه وبؤسه.
ولكن درب جديد العنيد يرفض أن يموت، أن يأوي إلى كفن أو يلجأ إلى قبر. ودائما الغياب والمغيبون لا يموتون، ويرجعون عندما يأتيهم منقد يعبر بهم إلى عالم الأحياء. نعلم بأن الرئيس الحالي عبد الرحيم كاميلي قال خلال جمع عام بأن للدرب الجديد مكانة خاصة في قلبه. ومن هنا نفهم محاولته فك العزلة عن الحي البئيس بواسطة فتح ارتفاق يشق المستشفى الأهلي، ويربط بين زنقة هيبري وزنقة الزرقطوني. يبدو الأمر آخر طرق الخلاص، وهو ما تبقى لخروج الساكنة من الجحيم الأرضي نحو عالم النور. لكن المحاولة تصطدم بدار الحليب القديمة التي تحول دون مرور الطريق إلى القيسارية وحي المنى، إذ سيظل سائقو السيارات مضطرين إلى قطع مسافات طويلة، يعبرون خلالها زنقة دمشق، من المحكمة إلى إعدادية الجنرال الكتاني، ثم شارع مولاي إسماعيل أو بئر انزران، قبل الوصول الى المنازل بحي المنى المقابلة لسابول.
لا نتوقع من الرئيس عبد الرحيم كاميلي أن يصلح كل الأشياء التي أفسدها سابقوه، ولا حتى نرجو منه أن يحطم الأسوار ويطيح بالجسر ويحيي القيسارية بعد موتها. فذلك كله من المستحيلات، وفوق الطاقة، ولا يمكن لعاقل أن يحلم بشيء من هذا القبيل. هذه هي الحقيقة وهي مؤلمة وصادمة، لكنّها الحقيقة. لكن بالإمكان الاجتهاد في معالجة الوضعية القانونية لدار الحليب التي تشكل عقبة في وجه طموحات الراغبين في مد طوق النجاة لدرب جديد.
في مطلع الستينات كان يقطن بدرب جديد مجموعة من الوطنيين، على رأسهم الحاج لحبيب شكيب، كاتب فرع حزب الاستقلال، وبوشعيب الموحدي، رئيس المجلس البلدي باسم حزب الاستقلال، وعبد القادر بكري، مقرر الميزانية من نفس الهيئة. وقد حاور هؤلاء الوطنيون، ومعهم باشا المدينة مولاي الطاهر العلوي، أحد الأعيان وهو الحاج بوطربوش لما فيها لصالح العام، فتصدق الرجل على المدينة بقطعة أرضية، وهبها لهم دون مقابل، لتشيد فوقها مدرسة البنات التي أسندت إدارتها للمديرة مدام كارديل، وخصصت مساحة صغيرة من الأرض لبناء دار لحليب التابعة للمستشفى الأهلي، لتلبية حاجيات الساكنة التي كانت في أشد الحاجة إليها.
بمرور الزمن، ومع التحولات الديموغرافية، أصبحت مدرسة البنات تحمل اسم مدرسة ادريس الحريزي. بينما تحولت دار لحليب من مرفق عمومي إلى خربة، بعد الاستغناء عن الخدمات التي كانت تقدم للأمهات، ثم إلى سكن خصوصي، بوضع اليد عليها، على طريقة " من أحيا أرضاً ميتة فهي له". والحالة هذه، فإن انقضاء المنفعة العامة التي من أجلها وهب الحاج بوطربوش العقار لمدينة برشيد، لبناء دار الحليب، يحتم قانونا إرجاعه إلى أهله الأصليين من ذوي الحقوق للتصرف فيه، كونهم أولى به من الغريب، اللهم إلا إذا رأى المجلس البلدي تصحيح المسار، وحول المكان إلى طريق عام في تصميم التهيئة المرتقب. ما هموني غير النساء الضائعات، والرجال إذا ضاعوا ...




Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية