عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

المشهد السياسي لإقليم برشيد: هل يؤدي الفراغ إلى التغيير؟

المشهد السياسي لإقليم برشيد: هل يؤدي الفراغ إلى التغيير؟


المشهد السياسي لإقليم برشيد: هل يؤدي الفراغ إلى التغيير؟
برشيد نيوز : بقلم الدكتور ظريف رشيد
مع اقتراب السابع من أكتوبر تاريخ موعد إجراء الانتخابات التشريعية بالمغرب، نلاحظ انتشار الحديث عن فراغ المشهد السياسي، فهل يعود الشعور بالفراغ لذى المواطنين لغياب شخصيات مؤثرة واحتلال المشهد من طرف سياسيين باهتين وعديمي "الحضور"، أم أن الأمر يتعلق بتغير في نظرة المواطن للمشهد وللأشخاص مما جعله يحتقر السياسي ويشعر بتفاهته المفرطة.
تعمل الدولة المخزنية على تكريس عمل سياسي يخدم مصالحها ويوطد سلطتها الاستبدادية، ولتحقيق ذلك، تجتهد في انتقاء أشخاص يتسمون بغياب المبادئ الأخلاقية ويتوفرون على مستوى هزيل من المعرفة، وذلك ليتسنى لها التحكم في زمام الأمور وعدم انفلات الوضع من بين يديها بتدخل شخصيات ذات إرادة صادقة ورغبة حقيقية في خدمة الوطن وتتوفر على المستوى المطلوب من الوعي السياسي والتاريخي والأخلاقي والعلمي.
بفعل ضعف شخصية السياسي التقليدي وهشاشة قدراته التواصلية، وليتمكن من الوصول إلى أصوات الناخبين، قام بتكوين فيالق من السماسرة الذين يتحركون وقت الانتخابات لتوجيه الناخبين نحو وجهات معينة، مستغلين إما علاقاتهم الشخصية والدموية، أو قيامهم بدور الوساطة بين السياسي والمواطن بغرض الإغراء والإرشاء.
وبفعل العزوف السياسي الذي يعرفه المواطنون المغاربة، وبفعل احتكار الأميين والجهلة للمشهد السياسي، وبمساعدة السماسرة؛ أصبح بالإمكان التنبؤ بنتائج الانتخابات قبل إجراءها، الشيء الذي جعل الدولة تستطيع التحكم في رسم خريطة المشهد السياسي وتتحكم في النتائج قبل إجراء الانتخابات.
بقي الأمر على هذا الحال، حيث استمر السياسيون المزيفون في ملأ الفراغ، كما استمر السماسرة في توجيه أصوات الناخبين نحو وجهات معينة لخلق التوازن اللازم ولإعطاء المشروعية اللازمة لرجل السياسة المتحكم فيه. ومن تم استطاعت الدولة أن تكرس في نفوس المواطنين فكرة الثبات وحسم الأمور قبلا دون ترك الباب مفتوح أمام المفاجأة.
غير أن المغالاة في توطيد تلك العوامل التي تساهم في التحكم في مجريات الأمور من طرف الدولة المخزنية قد يؤدي إلى نقيض المرغوب، فتزايد تدني مستوى التعليم عند السياسي بطريقة سافرة، أدى إلى تدني الخطاب السياسي ليصبح خطابا تهريجيا سوقيا، وقد ساعد على ظهور "الرداءة الخطابية" المواجهة التي تقع بين فاعلين سياسيين مخزنيين رسميا، وآخرين جدد يبحثون عن رضى المخزن بطريقة لا تبعدهم عن المواطن المقهور، مما جعلهم جميعا يتصارعون لإرضاء المخزن، الشيء الذي غيب عنهم أهداف سياسية حقيقة، وأسقطهم في صراع مبتذل أشبه ما يكون بصراع الزوجات على نوال رضا زوج مشترك والانفراد به. وبفعل غياب أدبيات المعارضة السياسية العاقلة نظرا لسيطرة الأمية والجهل والولاء اللامشروط للسلطة المخزنية، سقط الخطاب السياسي في دائرة الانحطاط والسوقية لفظا ومعنى، مما جعله مجرد تراشق بالسب والشتم بين أشخاص، دون أن يحمل أي من سمات "الخطاب السياسي العاقل"، الشيء الذي شوه "السياسي" وجعله موضوعا للسخرية من طرف الجمهور.
أدى كذلك انحطاط مستوى السياسي وقصور نظره إلى عدم تقييمه لدور السمسار في الحفاظ على تناسق المشهد المسرحي للسياسة، حيت عمل على تشكيل عصابات تحاول قدر الإمكان اقتسام المناصب على مستوى الأقاليم والجماعات بطريقة توافقية دونما اعتبار لمبدأ المنافسة، رغبة منها في تهميش دور سماسرة الانتخابات. وهذا الإجراء الذي قام به السياسيون، أدى إلى تصدع علاقة السمسار بالسياسي وتشكل حالة من الحقد المتبادل بين السماسرة وعصابات السياسين.
يمثل إقليم برشيد نموذج الدائرة الانتخابية الأكثر تجسيدا لهاته الحالة، سواء من ناحية صعود سياسيين منحطين من ناحية الأخلاق والتعليم، إلى درجة أنه لا أحد منهم يستطيع تكوين عبارة خطابية سليمة المبنى والمعنى، أو من ناحية تشكيل عصابات سياسية تعمل على اقتسام المناصب بطريقة توافقية وتهمش السماسرة الفاعلين في توجيه الناخبين.
هاته هي العوامل التي ساهمت في تفشي الشعور بفراغ المشهد السياسي وعدم القدرة على التنبؤ بنتائج الانتخابات التشريعية المقبلة بالإقليم، على غرار باقي أقاليم الوطن، وذلك لغياب شخصيات بإمكانها كسب تعاطف السماسرة ومن ثمة الحضور على مستوى المشهد السياسي، فجيوش السماسرة هم الحلقة الأكثر ضمانا لسير الأمور، في ظل استمرار العزوف السياسي وغياب إرادة مواطنة حقيقية.
لقد افتقد السمسار الثقة في "السياسي الجديد"، وأصبح يشعر بعداء هذا الأخير له وعمله باستمرار على تهميشه وإقصاءه، الشيء الذي يجعل الوجهة التي سيقوم السماسرة بتوجيه الناخبين إليها غير معروفة، ولربما حصلوا ما يمكن تحصيله من غنائم ثم تركوا الأمور تمشي على طبيعتها في آخر الأمر، حيت لم تعد هناك روابط موثوقة تربطهم برجل السياسة الجديد الذي لا يزيد عليهم مكانة اجتماعية ولا علمية، وإنما امتيازه الوحيد الإفراط في إرضاء رجل السلطة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يمكن أن تؤدي المغالاة في تشجيع الجهلة ومساعدتهم على شغل الفضاء السياسي وسد الباب على المتعلمين إلى تفشي الشعور بالفراغ لذى المواطن العادي ومن ثمة زحزحة تلك الثقة التي كان يتمتع بها المخزن ومعاونيه في استقرار المشهد السياسي والقدرة على التحكم فيه بيقين تام؟
إن تساؤلا كهذا يجعلنا نشعر بفراغ أعمق، إذ أن الإبعاد الممنهج للمتعلمين والأطر التي بإمكانها المساهمة في العملية السياسية وتأطير المواطنين وملأ الفراغ، ينبئ بإمكان حدوث فوضى سياسية يمكن أن تكون على شكل مقاطعة كلية للعبة السياسية المزيفة من طرف المواطنين، الشيء الذي يهدد بحدوث فوضى اجتماعية.
فتشجيع الجهلة والانتهازيين على السياسة وتهميش ذوي الإرادة الصادقة من المتعلمين والأطر لا يشكل خطرا على تنمية البلاد وتقدمها فقط، بل إن خطره يتعدى ذلك ليصل إلى درجة تهديد أمن واستقرار البلاد.

Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية