عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

الحلقة الأولى: ذكريات من ثانوية ابن رشد Souvenirs du Lycée Ibn Rochd

الحلقة الأولى: ذكريات من ثانوية ابن رشد Souvenirs du Lycée Ibn Rochd

ibn-rochd


برشيد نيوز: بقلم نور الذين بوخصيبي


مع أنني لم أقض بثانوية ابن رشد غير ثلاث سنوات من عمري القصير، فقد ظلت تجربتي بهذه المؤسسة تسكنني باستمرار، في الفكر و الحياة معا، حتى في الفترات التي ابتعدت خلالها عن هذه المؤسسة، و عن المدينة برمتها ضمن ملابسات لن أخوض في تفاصيلها الآن.


  بدأت علاقتي بثانوية ابن رشد (1980) موشومة منذ الوهلة الأولى بسوء تفاهم أصلي. فقد أوكلت لي مهمة تدريس مادة اللغة العربية ( السلك الثاني)، فيما كان تخصصي هو الفلسفة. و لا أخفي أن هذه المفارقة شكلت لي عندئذ جرحا غائرا إذ كان علي أن أبذل قصارى جهدي لأحقق التوازن المطلوب بين ما تلقيته بالجامعة، و ما طلب مني القيام بتلقينه.


  لم أكن قد تجاوزت الثالثة و العشرين من عمري، و جئت من الجامعة برأس ممتلئة بالأفكار و النظريات الفلسفية الكبيرة، أفكار و نظريات ديكارت بعقلانيته وشكه المنهجي، و كانط و نقده للعقل و المعرفة، و هيغل بجدليته حول السيد و العبد و فلسفة الحقوق، و ماركس بماديتيه الجدلية و التاريخية، و سارتر بوجوديته و دفاعه عن الحرية و الالتزام ، و ميشيل فوكو بأركيولوجيا المعرفة و نقد السلطة و تاريخ الجنون، و فرويد و أدرلر و يونغ و دولوز و غاتاري و القائمة طويلة من أسماء عمالقة الفكر و الفلسفة، فضلا عن العديد من المثل السياسية التي غرفتها مما كنت أعيشه داخل الجامعة من صخب و نقاشات طلابية ساخنة.


  كان علي أن أطلق كل تلك الأفكار و النظريات التي سهرت الليالي على مئات من كؤوس القهوة السوداء كي أحفظها بعشق كبير داخل تجويفي الروحي العميق، لأعطي دروسا عن المنفلوطي و البحتري و امرئ القيس و عنترة بن شداد، فضلا عن دروس أخرى اعتبرتها في سني آنئذ عقيمة تماما في البلاغة و العروض..


   قضيت سنتي الأولى بداخلية المؤسسة، و وقفت على واقع رهيب يعيشه التلاميذ المنحدرون في غالبيتهم من أصول قروية. و بدأت أسمع لأول مرة عن "جمعة فوكو"، و "أولاد عبو"... و من كثرة ما كان يتردد اسم "جمعة فوكو" على مسمعي، كثيرا ما وجدتني أفكر في هذا القدر الغريب الذي ساقني من فوكو الفيلسوف الفرنسي الماكر جدا و القاسي جدا، إلى "فوكو" هذا الذي أطلق على "فيلاج" يحمل يوما من أيام الأسبوع هو يوم الجمعة   !!  


  سأترك أمر داخلية ابن رشد إلى ورقة أخرى، لأقف الآن عند بعض العلامات المضيئة التي عشتها خلال تجربة عملي بابن رشد.


  التحق بالمؤسسة بالموازاة معي، مجموعة من الزملاء المتشبعين آنئذ بأفكار العقل و التقدم، و بالأحلام أو الأوهام الكبيرة آنئذ، أذكر منهم الأستاذ أبا الحارث ( الرياضيات)، و نورالدين قاسي ( العربية)، و المرحوم لطيف أستاذ الاجتماعيات، و كان و الحق يقال رجلا في غاية الاستقامة و الطيبوبة و اللطف. قدم فيما أذكر من إحدى نواحي مدينة فاس مسقط رأسه، و ربطتني به علاقة حميمية، و أذكر أنه شارك معي في ندوة هامة عن الفكر السلفي نظمت بدار الشباب سنة 1983. إضافة إلى الأستاذ جونادي الذي ربطتني به صداقة قوية بسبب إقامتنا معا في سنتنا الأولى بداخلية المؤسسة، كما بسبب التقائنا في العديد من أفكار الشغب و التمرد و الرفض.. إضافة إلى حضور زملاء آخرين أذكر منهم الأستاذ مقيريج ( الطبيعيات) و عاهد ( الفرنسية).. مما شكل نواة لخلق إشعاع ثقافي بالمدينة عرف أوجه سنة 1982 بتأسيس "نادي الفن السابع"، و بازدهار حركة ثقافية بالمدينة مازال العديد من الأصدقاء يعتبرونها من أهم ما عرفته برشيد على المستوى الثقافي خلال تاريخها..

Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية