عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

بقلم عباس الاصيلي : دور البرلمان في تقييم السياسة العمومية‎

بقلم عباس الاصيلي : دور البرلمان في تقييم السياسة العمومية‎

عباس الاصيلي طالب باحث حاصل على ماستر المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية الفوج الاول بسطات
تقديم عام :
يمثل البرلمان حجر الزاوية في الأنظمة الديمقراطية التي تعد المشاركة الشعبية فيها المصدر الأساسي لتأسيس وممارسة السلطة السياسية ،بحيث تلعب هذه المؤسسة دورا فعالا في إعداد السياسات العمومية وتقييمها،وذلك تبعا للصلاحيات القانونية المخولة لكل برلمان ،بهدف ممارسة اختصاصاته في مجال التشريع والمراقبة.ولقد شكل ظهور البرلمانات العالمية مدخلا مهما للحد من الإستبداد والحكم المطلق الذي عاشته العديد من الدول في الماضي ،وانطلاقة مشجعة لتدشين مبأ الفصل بين السلطات .وتجسيدا لدولة الحق والقانون وصيانة الحقوق والحريات الفردية والجماعية من شطط جميع السلطات والحكام ، قامت مختلف الأنظمة السياسية بإنشاء مجموعة من المؤسسات الدستورية والسياسية ،وفي مقدمتها مؤسسة البرلمان ،هذا الأخيرالذي شكل ركيزةأساسية لتثبيت وإرساء دعائم الديمقراطية الحقة، اعتبارا لمكانته في الحياة السياسية للدولة ،وكذا لارتباطه (البرلمان) بالقانون الذي يعتبر العنصر اليومي الذي يحتك به المواطن ويخضع لأحكامه ومقتضياته. ويمكن تعريفه بكونه هو الجهاز التمثيلي للمواطنات والمواطنين والمعبر عن حاجياتهم وحقوقهم ومصالحهم. أما فيما يخص تعريف السياسات العمومية فإنها تشير إلى حصيلة ماينتجه النظام داخل مؤسسة الدولة. إنها إحدى مخارج هذا النظام لدلك فهي في العمق تستبطن جوابا ممأسسا عن مسألة عامة .والحديث عنها يستلزم التنبه بدءا بكونها إجراءات تتم في إطار القانون، تستنبط جوابا ممأسسا عن مشكلة أو مشاكل ما .وهي أيضا سلسلة قرارات ترتبط بمجموعة تفاعلات ديناميكية معقدة –تشترك فيها عناصر رسمية وغير رسمية -،مميزة في سياقها القراري ،ترتبط بثقافة ومنظومة قيم فكرية وسياسية وبثنائية السلطة وتوزيعها كذلك . وعملية تقييم السياسات العمومية ،غالبا ما نجد بعض التعريفات المبسطة والتي تعتبر التقييم بمثابة محاولة لتحديد فعالية إحدى هذه السياسات ،عبر مقاربة نتائجها بالأهداف المسطرة وبالوسائل الموضوعة رهن إشارتها . فتقوم عملية تقييم السياسات العمومية على مجموعة من المبادئ كالشفافية ، الدقة العملية والاستقلالية .فالتقييم هو مرحلة من أهم المراحل التي تمر منها السياسات العمومية ، يتم من خلالها قياس مدى فعالية السياسات المعتمدة عن طريق مقارنة النتائج بالأهداف والوسائل . وانطلاقا من الدور الجديد الذي منحه دستور 2011 للبرلمان المغربي ،فهذا الأخير أصبح مطالبا بالبحث عن الاثار الحقيقية للسياسات العمومية ، وذلك على غرار البرلمانات الأخرى كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا .فدسترة هذه الوظيفة جاء تبعة لمطالب مجموعة من جمعيات المجتمع المدني والأحزاب السياسية من خلال المذكرات التي تم تقديمها للجنة الإستشارية لمراجعة الدستور،وفي هذا الباب سنعالج إشكالية كيفية ممارسة البرلمان المغربي لهذه الوظيفة التقييمية للسياسات العمومية.دون إغفال القدرات المحدودة للفاعل البرلماني في إنتاج خطاب رصين يهم السياسات العمومية ( والأمر هنا لايهم القدرة الخطابية وحسب ،بل الكفاءة التقنية أيضا ) ، تم نتطرق للصعوبات التي تواجه البرلمان ولجانه البرلمانية الدائمة على مستوى تقييم السياسات العمومية.
المبحث الأول : مساهمة العقلنة البرلمانية في محدودية دور البرلمان في صياغة أو تتبع أو تقييم السياسات العمومية:
فالعقلنة البرلمانية تتجلى على مستوى نظام البرلمان وسير العمل به ،ثم على مستوى العمل البرلماني ( إنتاج التشريع ،السلطة السياسية والإختصاص الديبلوماسي ،ثم مراقبة العمل الحكومي ) .والهندسة الدستورية المغربية تقوم على البرلمانية المعقلنة ،التي تؤدي إلى إمالة التوازنات الدستورية والسياسية للسلطة التنفيذية ، وتعميق اختلال توازن ثنائية هاته السلطة من جهة أخرى . فقراءة الدستور المغربي لا تنفصل عن قراءة دساتير الربيع العربي ، لكونها دساتير للسياسات ،وتحول النقاش حول السياسات العمومية إلى نقاش مهيكل للحياة السياسية .وتسمح هذه القراءة بالرهان على تحول نوعي في علاقة السياسات العمومية بالفضاء العمومي ، وبالحوار العمومي ،من خلال تجاوز البراديغم السلطوي لصياغة السياسات ، والذي ظل يتميز بتجدر تقاليد التدبير التقنقراطي للسياسات،ولهيمنة البنية التقنوادارية على صياغتها وتنفيذها ، وضعف الإهتمام العمومي بقضاياها ، وبعدم تموقعها في صلب رهانات العملية السياسية ، وسيادة النزوع إلى التعامل بمنظار .... في القضايا السياسية الكبرى ونزع الطابع السياسي عن مجال السياسات العمومية والميل إلى تقنرطتها .وفي مقابل اطروحة موت السياسة يقودنا التفكير في الأثر المهيكل لدستور 2011 ،والذي انطلق من محاولة إعادة تسييس التدبير العمومي ، سواء من حيث ترقية وظيفة الأحزاب أو من حيث ربطه لسلطة الإقتراع بالمسؤولية في تدبير الشأن العام . إن بعض الخطابات التي ترفع اليوم بغلاف أخلاقي وبدعوى احترام الديمقراطية،مجرد شعارات تختلف واستراتيجيات الأهداف الحقيقية ،بحيث يسعى أصحاب هذا الخطاب إلى السيطرة تحث غطاء خلق نوع من التوازن في المجال السياسي لا يمكن أن يوصف بالممارسة السياسية بل يوصف بالصراع ،إذ التوازن موضوع النظام وليس موضوع الأطراف السياسية الذين من حقهم البحث عن المواقع بشرط أن لا ينسوا حجمهم السياسي وطبيعة مكوناتهم ، لكون طبيعة الصراع السياسي تحول الحزبية السياسية خاصية. ونحن نعيش في وضع وواقع بعيد كل البعد عن المستوى الديمقراطي ،وخسرنا كل ما ربحناه ديمقراطيا مند عهد حكومة التناوب، فمؤسساتنا تحتاج إلى المزيد من الدمقرطة ،فبعد كل مكتسبات المراحل السابقة ، مازال المجال مفتوحا أمام العمل السياسي الذي نريد تأسيسه : فعليه أن يعزز درجة المسؤولية ويواجه كل المراكز التي تسعى إلى احتكار القرار خارج مراكزه المؤسساتية ،وعليه كدلك أن يتطلع إلى مراحل جديدة يجب أن يتبنى على المزيد من المأسسة ،وتعميق اللاتمركز ، وبناء قضاء جديد ، وإعادة تأطير بعض القضايا في علاقاتها مع دستورنا .... .فتحليل السياسات العمومية لها علاقة وطيدة بالديمقراطية ، فالسياسات العمومية في كل مراحل تبلورها تبقى خاضعة لتدافع سياسي تحاول إدماج الإنتظارات المتناقضة داخل صيرورة تقديم الجواب على المشاكل العمومية . كما قلنا سالفا بكون دستور 2011 أعطى وظائف وصلاحيات دستورية للبرلمان المغربي إلا أننا نجزم القول بأنه من الصعوبة بما كان تجاوز محددات القرار السياسي بالمغرب ،في ظل تمركز الأخير الذي نما في هوامش بنى كلاسيكية لممارسة السلطة ،وبالتالي صعوبة الإنتقال من رؤية دولتية متمركزة حول السياسات العمومية (وهي رؤية القانون العام)إلى رؤية مفادها أن أشكال التعبير عن التفضيلات تصبح أقل شكلية وغير مسطرية. .
فالسؤال المطروح اليوم هو حول الامكانات الفعلية والحدود المعيارية للبرلمان ،غاية في الإنتقال من اليات التقييم الكلاسيكية إزاء السياسات العمومية إلى برلمان مقيم ،يستفيد من الدسترة والتنصيصات الدستورية.
المطلب 1: السياسة العامة والسياسة العمومية والقطاعية بالدستور المغربي :
لقد منح الدستور المغربي للبرلمان صلاحية المبادرة التشريعية كوسيلة للمشاركة في عملية إعداد السياسات العامة واعتمادها ، عن طريق مسطرة اقتراح القوانين ،كالية قانونية وسياسية تمكن أعضاء البرلمان من طرح ارائهم وتصوراتهم . فمقابل الحضور القوي للفكرة البرلمانية في سياق صياغة دستور 2011، فإن وثيقة النص الدستوري نفسه لم تعرف سوى حضورا متواضعا لهذه الفكرة ،على أن هذا الحضور لا بد من الإقرار بتقدمه مقارنة مع كل دساتير المغرب السابقة ،وأساسا مع الهندسة الدستورية لوثيقة 1992 والتي شكلت محطة مهمة لبث النفس البرلماني في البناء المؤسساتي لبلادنا. فقد كان دستور 1996 في فصله 52 الفقرة الأولى ينص على مايلي " للوزير الأول ولأعضاء البرلمان على السواء حق التقدم باقتراح قوانين ....."، فمهمتي المراقبة والتشريع التي يتوفر عليها البرلمان لا تكفي لقياس مدى فعالية السياسات العمومية الموضوعة ، ولهذا تم إضافة دور جديد ألا وهو تقييم السياسات العمومية ودلك لمسايرة التحولات المعاصرة التي أنتجت مشروعية يسميها بعض الباحثين مشروعية معاصرة تقوم على مبادئ الفعالية والكفاية . مما لا شك فيه أن دستور فاتح يوليوز 2011 قد أولى أهمية قصوى لدعم سلطات البرلمان من خلال تنصيصه في الفصل 70 على مراقبة عمل الحكومة وتقويم السياسات العمومية فضلا عن تحديده لسلطته التشريعية والمالية مع عدم إغفال تحديد أعضاء مجلس المستشارين في 90إلى 120عضوا .فقد ورد مصطلح السياسات العمومية وشبيهاته ، خمسة عشر مرة في الدستور المغربي –تقريبا-، ساهمت في إعمال تصنيف للسياسات ، بناء على الموضوع تارة ( سياسة اقتصادية ، اجتماعية ، بيئية ....)، وتارة بالنظر إلى قيمتها في سلم التراتبية الدستورية والقانونية . وخير شاهد على دلك الفصل 92 من الدستور ،الذي نص على أن مجلس الحكومة يتداول تحت رئاسة رئيس الحكومة في القضايا والنصوص التالية : السياسة العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري ،السياسات العمومية ، السياسات القطاعية . ووسعت الوثيقة الدستورية من مجال القانون حيث أصبح البرلمان مكلفا بالتشريع في مجالات أكبر من السابق وهو ما يعني إمكانية تأثيره القانوني على دائرة أكبر من السياسات العمومية ،كما عملت على تقوية مهمته الرقابية عبر تثمين وظيفة المعارضة وتيسير إمكانيات اللجوء إلى الاليات الرقابية الأكثر قوة (اللجان النيابية لتقصي الحقائق). حيث يناط بهذه اللجان جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة ، أو بتدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية ،وإطلاع المجلس الدي شكلها على نتائج أعمالها . فالبرلمان وفضلا عن مهمتي التشريع والمراقبة ، أصبح مكلفا بمهمة تقييم السياسات العمومية (الفصل 101) وجلسة واحدة لكل شهر لتقديم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة (الفصل 100). كما أصبح البرلمان بإمكانه اللجوء إلى مساعدة المجلس الأعلى للحسابات في مجالات مراقبة المالية العامة ولتقديم الأجوبة والإستشارات المرتبطة بوظائف التشريع والمراقبة والتقييم المتعلقة بالمالية العامة . لقد كان المشرع الدستوري واضحا ، ونحى منحى التمييز بين الإختصاصات بناء على المعيار الموضوعي والمسطري ، فكان للمجلس الوزاري وظيفة التداول في الخيارات الإستراتيجية لسياسة الدولة ، قياسا باختصاصات أدنى للحكومة ،الذي له حق التداول وحسب في السياسة العامة للدولة ، قبل عرضها "إجباريا" على المجلس الوزاري.

المطلب الثاني : تعزيز الدور الرقابي للبرلمان في دستور 2011: شكل موضوع السياسات العمومية جزءا من اهتمامات الحوار العمومي الواسع الذي شهده المغرب بعد الخطاب الملكي ل 9 مارس 2011 ودلك من خلال انشغال عدد مهم من الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية بتضمين المذكرات إلى اللجنة الإستشارية لمراجعة الدستور لمقتضيات تهم علاقة السياسات العامة (والعمومية في الإستعمال اللغوي بالمغرب ) بالوظيفة التنفيذية أو بوظيفة التشريع ،وتم تعزيز دور البرلمان باختصاص جد هام ، يتمثل في تقييم السياسات العمومية حسب مقتضيات فصول دستور 2011 وذلك رغبة من المشرع المغربي لإبراز نوع من التمايز الدلالي والوظيفي من المراقبةوالتقصي والتقييم.
فقد دعا الدستور البرلمان لتخصيص جلسة سنوية لتقييم السياسات العامة ، فإن القانون الداخلي لمجلس النواب كما تم إقراره يوم 12 يناير 2012، قد وسع من تأويل هدا الإختصاص المتعلق بالتقييم ، حيث جعل من صلاحية اللجان الدائمة لمجلس النواب أن تخصص اجتماعات لتقييم السياسات العمومية للقطاعات التي تدخل ضمن اختصاصاتها (القصل48)، لكن المجلس الدستوري في قراره رقم 829/12، اعتبر أن هذه الصلاحية الممنوحة للجان مخالفة للدستور ، على اعتبار أن قراءة الفصل (101) يستفاد من أن مناقشة وتقييم السياسات يتم من قبل مجلسي البرلمان في جلسات عمومية تعقد في نفس الفترة وليس في نطاق اللجان البرلمانية الدائمة. فبالرجوع لمقتضيات الدستور المغربي نجده يتضمن النص عل مجموعة من المقتضيات الجديدة المتعلقة بعمل مختلف المؤسسات الدستورية .والتي لن تكن واردة في الدساتير المغربية السابقة لسنوات :1962/1970/1972/1992/1996 . وفي مجال السلطة التشريعية ، أصبح الدستور المغربي الجديد ينص على أن يمارس البرلمان السلطة التشريعية ، ودلك بعد ما كانت في الدساتير المغربية السابقة موزعة بين الملك والبرلمان والحكومة . فالتشريع في دستور 2011 أصبح اختصاصا شبه حصري للبرلمان ، حيث توسع مجال القانون ، ليرتفع من 30 مجالا في دستور 1996 إلى أكثر من 60 مجالا في الدستور الجديد.
وعرف توسع اختصاصات البرلمان في مجال التشريع ،توسعا موازيا في مجال الرقابة على العمل الحكومي ، وهذا مايتجلى بشكل صريح من خلال المقتضيات التالية :

-التنصيب البرلماني للحكومة.
-الأسئلة البرلمانية.
-طلب الثقة.
-ملتمس الرقابة.
-لجان تقصي الحقائق.
-تقييم السياسات العمومية
-الطعن في دستورية القوانين العادية.
-مناقشة مشروع القانون المالي وقانون التصفية.
المبحث الثاني :دور اللجان البرلمانية الدائمةكموقع لتقييم السياسات العمومية : تعتبر اللجان البرلمانية الدائمة أهم فاعل في العمل البرلماني ، ولهذا ، تم التنصيص على وجودها في جل الدول الديمقراطية ،سواء من خلال النص الدستوري أو من خلال الأنظمة الداخلية للمجالس أو هما معا . وتمثل الجهاز المحوري في تفعيل العمل البرلماني وتأطير النشاط الذي تقوم به هذه المؤسسة ، ولا سيما في المجال التشريعي ، وتعمل طيلة الفترة التشريعية ، حيث تستمر في ممارسة اختصاصاتها بصفة دائمة ، ونشاطها يتواصل بين الدورات ، كما أن الدستور أناط في فصله 69 ، للنظام الداخلي موضوع تحديد "الحقوق الخاصة المعترف بها لفرق المعارضة " وكذا " تخصيص رئاسة لجنة أو لجنتين ( من اللجان الدائمة ) للمعارضة على الأقل مع مراعاة مقتضيات الفصل 10 من هذا الدستور " .ودور هذه اللجان البرلمانية جد جسيم داخل الجسم التشريعي ،فلها مهام ثقيلة ، تتمثل في بلورة أشغال المجلس والإعداد للإخبار عنها في الجلسات العامة . وتزداد أهمية هذه اللجان بالنظر إلى تركيبتها وصلاحياتها في المنافسة والتعديل والتصويت على مشاريع ومقترحات القوانين . ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية ،كالقيام بمهام استطلاعية حول بعض القضايا التي تهم المجتمع ، وعقد جلسات استماع للمسؤولين الحكوميين ، وطلب استفسارات بشأن القطاعات التي يشرفون على تدبيرها وتسييرها ،وكذا كل الأجهزة الإدارية الخاضعة لوصاية الدولة وإدارتها المركزية .
فاللجان البرلمانية لها دور هام في مسلسل تقييم السياسات العمومية والذي لا يمكن تغييبه ، فهي تتولى مهمة التحضير للجلسة السنوية للتقييم من خلال المهام الاستعلامية ، والبرلمان في وظيفته التقييمية للسياسات العمومية ، يصبح قادرا على البحث عن المعلومة وصياغتها بعدما كان يكتفي بمراقبة العمل الحكومي انطلاقا من المعلومات المقدمة من لدن الحكومة ، ولتفعيل هذه الوظيفة فقد تضمن النظام الداخلي لمجلس النواب مجموعة من المقتضيات التي توضح طريقة ممارسة البرلمان لتقييم السياسات العمومية ، حيث أسندت للجان الدائمة مهمة التحضير للجلسة السنوية لمناقشة وتقييم السياسات العمومية من خلال دراسة مختلف التقارير والاراء التي تحيلها عليها بعض المؤسسات الدستورية ، وفي هذه المرحلة يمكن للبرلمان الإستعانة بمساعدة كل من المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي ، إذ بإمكانه طلب رأي هذه المؤسسات بخصوص جميع النقط المرتبطة بمواضييع التقييم .
بالنظر إلى طبيعة المشاريع والإقتراحات القانونية التي تنظر فيها اللجنة البرلمانية المختصة ، وكدا ضرورة مرور أي تعديل أمام اللجنة المعنية بالموضوع وأحقية الحكومة في معارضة كل تعديل لم يعرض من قبل اللجنة التي يعنيها الأمر. وهذا ما يستفاد منه أن المشرع حصر تدخل كل لجنة برلمانية دائمة وعملها بالمجال الإقتصادي والسياسي والحقوقي الذي يدخل في اهتمام اللجنة المعنية به ، فهناك ثلات مستويات من السياسات العمومية ،تحدد تدخل اللجان وهي كالتالي :
1-السياسة الاقتصادية والمالية.
2-السياسة الاجتماعية والثقافية
3-السياسة الحقوقية والقانونية


المطلب الأول :دور اللجان البرلمانية في تقييم السياسات العمومية بالمغرب :
تعتبر اللجان الدائمة العصب الرئيسي الذي يتشكل منه البرلمان نظرا للمهام التشريعية والرقابية الموكولة لها ، فهي تقوم بالتحضير لمشاريع ومقترحات القوانين كما تتوفر على صلاحية مراقبة وتتبع الأداء الحكومي. إلى جانب الدستور في فصله 101 الفقرة 2 الذي خصص جلسة سنوية لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها نجد المادة 48من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2012 قد نصت على تخصيص اللجان الدائمة لاجتماعات لتقييم السياسات العمومية بالنسبة للقطاعات التي تدخل ضمن اختصاصاتها ونفس الشئ أيده النظام الداخلي لمجلس النواب المعدل لسنة 2013. ولكن ، بعد إحالة النظام الداخلي لمجلس النواب على أنظار المجلس الدستوري ، للبث في مطابقته لأحكام الدستور ، قضى قرار المجلس الدستوري بخلاف ذلك وبعدم مطابقة هذا المعطى للدستور ، وبنى حيثياته على مقتضيات الفصل 101 من الدستور في فقرته الثانية ، الذي ينص على أن تقييم السياسات العمومية يتم من لدن البرلمان وليس في إطار اللجان البرلمانية الدائمة ،ولم يتبقى لهذه الأخيرة سوى تقنية طلب الاستماع لمسؤولي الادارات العمومية والدور الاستطلاعي والاخباري . وما يمكن ملاحظته ،أنه على الرغم من أهمية وظيفة تقييم السياسات العمومية ،فإن تدخلات القاضي الدستوري تهدف إلى التضييق من مجال ممارسة البرلمان لهذه الوظيفة . وعموما،فإن المجلس الدستوري ،يستمر في الوفاء لعقيدته الثانية في مجال تضييق الصلاحيات البرلمانية ، ضدا على على منطق المسؤولية . فدستور 2011 سار على نهج الدساتير السابقة ،وتم الاكتفاء بالاشارة الى دور اللجان الدائمة في المجال التشريعي فقط ، والتزم الصمت ،فيما يخص دورها الرقابي والاستطلاعي ،فكان للانظمة الداخلية لمجلسي البرلمان دور تحديد الاليات الرقابية ،وسمح لها باللجوء الى عقد جلسات الاستماع والاضطلاع بالدور الاستطلاعي والاخباري .
إن تدخل اللجان البرلمانية الدائمة في مسطرة تقييم السياسات العمومية له ما يبرره ، فاللجان الدائمة هي من الأجهزة الأساسية التي يتكون منها البرلمان ولها من الاختصاصات ما يمكنها من قياس فعالية السياسات العمومية . فاللجان البرلمانية تعد الجهاز الامثل لتفعيل وظيفة السياسات العمومية ، فوظيفتها لا تنحصر فقط في دراسة المشاريع والمقترحات لكنها تقوم كدلك بوظيفة الاستعلام من خلال جمع المعلومات والوصول إلى مصادرها فهي بمثابة مختبرات للتحليل والتشخيص . وما يستشف من خلال القراءة الأولية لصلاحيات اللجان البرلمانية ،نجد أن هناك انتقال من منظومة برلمانية رقابية تقليدية إلى منظومة برلمانية تقييمية حديثة ،وهو ما تمت إقراره في النظام الداخلي لمجلس النواب . فتم تنظيم صلاحية تقييم السياسات العمومية وفق الشكل التالي :
-يخصص مجلس النواب جلسة سنوية خلال النصف الأول من دورة أبريل لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها ،
-يحدد مكتب المجلس السياسات المراد تقييمها في مستهل السنة التشريعية ،بناء على اقتراح من رؤساء الفرق والمجموعات ، وتتم إحاطة رئيس الحكومة علما بدلك ،
-يمكن لمجلس النواب أن يوجه طلبا لإحدى هيئات الحكامة أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي ،لابداء الرأي أو لأعداد دراسة أو بحث حول السياسات موضوع التقييم ،
-تساهم اللجان الدائمة في الإعداد للجلسة العامة السنوية المخصصة لمناقشة وتقييم السياسات ،عبر عرض تقاريرها التي تتبع بكلمات الفرق والمجموعات.
المطلب الثاني :الصعوبات والاشكاليات التي تواجه عمل البرلمان :
في البداية إن الإشكال الأساسي الذي يعترض البرلمان هو مجال تحديد السياسات العمومية وصعوبة هذاالعمل تجد مشروعيتها في :
-مشكل البيروقراطية(بمفهومها السلبي)،الذي قد يعيق تفكيك الظاهرة والتمكن من اليات لرصدها ، كون محتوى ومضمون السياسات العمومية هو محط هروب من طرف الأكاديمي وحتى "الفاعل المقيم"،لأنه جد معقد ومرتبط برهانات ،قد تكون ميكافيلية.
-مشكل القرار ،وبنيته وماهيته ،إد من الصعوبة الوصول لهذه المحددات ، والباحثون في علم السياسة –عموما- يجعلون من منطلقهم البحثي ، السؤال عن من يتخد القرار... والذي تقرر فعلا ...،وكل ما يتعلق ببنية القرار والعمل السياسي.
-أيضا هناك عقبة مهمة ،تتعلق بالخطاب المصاحب للسياسات العمومية ، هل يمكن اعتماده كمادة خام للتحليل والتقييم . وبلغة أكثر تركيزا ، إلى أي حد يمكن اعتباره ذا مصداقية لتقييم السياسات العمومية.
-وبخصوص التقييم ، وقياس ما تم الاعلان عنه ،مع ما تم تحقيقه في الميدان ، والبحث عن المعاني المنطقية ودلالة الاعمال المنجزة ، فإن ذلك ليس مجرد تمرينات رياضية ، بل هناك التعرض للوثائق والاهداف والانشطة و الاساليب ، وكل المراحل التي تمر بها الوسائل التقييمية .
فالمغرب اعتمد نظام اللجان البرلمانية مند أول تجربة نيابية عرفتها البلاد سنة 1963، وقد تميز أداء اللجان بنوع من عدم التوازن وطالته مجموعة من الصعوبات والاشكالات ،تبعا لطبيعة التركيبة السياسية للجنة وطبيعة الاختصاصات المنوطة بها ،وكدا تبعا لنوعية وتكوين الاعضاء البرلمانيين المنتسبين اليها ، وتبعا للظروف العامة ولطبيعة القضايا المحالة إليها ، ولا تفوتنا الفرصة لابد من دكر مشكل العجز المزدوج للبرلمان ، بنيويا وممارساتيا ، على مستوى وسائل الحصول على المعلومات ،وكذا القدرة على التأثير في المشاريع والبرامج الحكومية . هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، وفي ظل ضعف ،إن لم نقل غياب ، اللجوء إلى اليات الرقابة الأخرى المتاحة في العمل البرلماني ، وخاصة منها ملتمس الرقابة تكاد تكون الأسئلة السلاح الرقابي الوحيد المتاح مغربيا لمراقبة عمل السلطة التنفيذية (الحكومة).
ويمكن إجمال الصعوبات التي تعترض اللجان البرلمانية في النقط التالية : -غياب الخبرة والكفاءة القانونية ،كما أكد أحد الباحثين أن 90 من البرلمانين أميون في المالية .
- عدم تخصيص وقت زمني للجان القطاعية من أجل تدارس مشروع قانون المالية ،وكدا تدارس جميع حيثيات هدا القانون لكونه يعتبر وثيقة لتمويل السياسات العمومية .
-تسبيق مشاريع القوانين على مقترحات القوانين ،وما له من أثر على الجسم التشريعي.
-إهمال بعض اللجان وتداخل الاختصاصات ، وعدم تمتيعها بصلاحيات ضبطية ، فمثلا الاشكالية المطروحة مغربيا ،حول ضيق القانون التنظيمي المتعلق بلجان تقصي الحقائق ،يبقى جد ضيق ، بالنظر لمفارقة الرغبة من جهة في مسايرة التشريع المقارن في في هذا المجال ، ومن جهة أخرى إدراك الحدود التي وضعها الدستور لعمل هذه اللجان ، من حيث صعوبة الولوج رغم تخفيض العتبة في الاغلبية الى التلث ومن حيث هشاشتها تجاه أي تدخل قضائي ، وبالنظر لمقتضى الحرية الذي يطال عمل اللجان البرلمانية. فالرهان على تجاوز الإرث السلبي ،بالرغم من التقدم المسجل من الناحية المعيارية على مستوى وضع البرلمان وطبيعته الثنائية وأهمية الاختصاصات ، من خلال دستور 2011 ، يرتبط كدلك بطبيعة النخب البرلمانية وبالاجتهاد على مستوى الممارسة ، فالواقع المغربي يؤكد بالملموس بكون المغرب يفتقر لقيادات ونخب سياسية حقيقية تحمل مشروعا فكريا، ما ساهم في تقهقر الوضع السياسي والحزبي والمؤسساتي للدولة .
على سبيل الختم :
وما يمكن استخلاصه مما سبق أن تقييم السياسات العمومية هي ضرورة فرضتها التحولات التي شهدها التدبير العمومي الذي يقوم على الفعالية والنجاعة ، والمغرب عرف تعديلا دستوريا في سنة 2011 ،وجعل وظيفة تقييم السياسات العمومية من اختصاص البرلمان المغربي ودلك على غرار الدول الديمقراطية كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ،ولكن الملاحظة الأساسية التي يمكن استخلاصها من النموذج المغربي ، على أنه لا يمكن فصل الأداء العام للبرلمان عن البنية الثقافية والوعي المجتمعي العام ،فظواهر الأمية والجهل والفساد المتجدرة في الثقافة والمجتمع تؤثر لا محالة على نوعية النخب التي تلج أعتاب البرلمان وعلى أدواره والقيم الناظمة لأدائه ،فالبرلمان في بعض التمثلات الإجتماعية مثلا،تبدو قناة للتوسط الذي ينهض على اعتبارات قرابية أو مجالية أو سياسية،وهنا يمكن التشديد على الدور الحيوي للتربية والتعليم في التنوير المجتمعي والسياسي ومغالبة العجوزات والحرمانات والفجوات المختلفة . ولهذا وجب تأسيس برلمان صالح يضطلع بأربعة مبادئ أساسية :
1-التمثيل والمشاركة .
2-الإستقلالية .
3-الأداء.
4-النزاهة.
والجدير بالذكر أن البرلمان المغربي لم يشهد انعقاد أية أية جلسة سنوية لتقييم السياسات العمومية على عكس الجلسات الشهرية للأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة ،وهذا التأخير التي طال هذه الجلسة التقييمية السنوية يؤكد على أن إدماج تقييم السياسات العمومية ضمن وظائف البرلمان ليست عملية أو تو ماتيكية بل يتطلب جهدا ومجموعة من الاليات، ثم لابد للبرلمان من توفره على ترسانة بشرية ومادية ولوجستيكية في تلائم وانسجام واضحيين مع هدا الإختصاص مع الإستعانة بأبجديات الديمقراطية التشاركية مع جميع الفعاليات ،من مؤسسات حكومية ومجتمع مدني .
المراجع
الكتب :
-حسن طارق "مبادئ ومقاربات في تقييم السياسات العمومية" منشورات الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان "أبريل 2014 .
-المختار مطيع " نظام البرلمان المغربي ذي الغرفتين بالمغرب " سلسلة الدراسات القانونية والسياسية والإقتصادية "طبعة :1999 .

-حسن طارق "من الثورة إلى الدستور: الهوية والديمقراطية في دستورانية الربيع العربي " سلسلة الحوار العمومي ،2014،الرباط .
-عبد اللطيف وهبي :" بين الوهم والإختناق قراءة نقدية في تجربتي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة " سلسلة الحوار العمومي 9،طبعة:2016 .
-عبد الله ساعف "رهانات التحول السياسي في المغرب "منشورات دفاتر سياسية ،سلسلة نقد السياسة 1 الطبعة2 .

-حسن طارق " السياسات العمومية بين السياسة والادارة ملاحظات حول الحالة المغربية " المجلة المغربية لعلم السياسة العدد2 نونبر 2015
-محمد الغالي " التدخل البرلماني في مجال السياسات العامة في المغرب1984/2002"مطبعة الوراقة الوطنية مراكش طبعة2006 .
-حسن طارق " الدستور والديمقراطية قراءة في التوثرات المهيكلة لوثيقة 2011"منشورات سلسلة الحوار العمومي 4 .طبعة : 2013

-حسن طارق واخرون " من وحي البرلمان نواب برلمانيون في قلب النقاش الدستوري لما بعد 2011 ، شركة المؤسسة الحديثة للكتاب .طرابلس لبنان طبعة :2015 .

-محمد أتركين "نظام المعارضة البرلمانية " منشورات مجلة الحقوق سلسلة الدراسات والأبحاث مطبعة المعارف الجديدة " الرباط 2014.

-حسن طارق " المجتمع المغربي وسؤال المواطنة والدمقراطية والسياسة" منشورات فكر 2010.
المقالات :
-حسن طارق "4شتنبر انتخابات تبحث عن السياسة واقتراع يبحث عن المعنى "مجلة الفضاء المدني سلسلة دراسات وأبحاث 12/2012 .

-حسن طارق " السياسات العمومية بين السياسة والادارة ملاحظات حول الحالة المغربية " المجلة المغربية لعلم السياسة العدد2 نونبر 2015

- عبد الغني السرار "دور اللجان البرلمانية الدائمة في تقييم السياسات العمومية بالمغرب" مجلة مسالك عدد مزدوج :25/26 سنة 2014

- الأشهب يونس في سلسلة الدراسات الدستورية والسياسية ، منشورات مجلة العلوم القانونية العدد الثاني ،طبعة :2014.
-طه لحميداني " البرلمان المغربي واجتراح تقييم السياسات العمومية" المجلة المغربية للتدقيق والتنمية عدد :35 سنة 2012 .

-محمد حركات "دور تعزيز القدرات المؤسساتية والإستراتيجية لعمل البرلمان في دعم الدبلوماسية الإقتصادية ، ومكافحة الفساد عناصر أولية للنقاش " المجلة المغربية للتدقيق والتنمية عدد :34/35 2013

-أحمد مفيد الممارسة البرلماني بالمغرب وإشكالية الفعالية " العلوم الاجتماعية والتفكير في قضايا : السياسة ، الدولة ، السياسات ، المجلة المغربية للسياسات العمومية ، الجزء 1 العدد 20 لسنة 2016 تحت إشراف حسن طارق.
-أحمد مفيد " الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي في الدستور المغربي الجديد " المجلة المغربية للسياسيات العمومية ، دساتير مابعد 2011 قراءات متقاطعة 2015. تحت إشراف حسن طارق.
-زكرياء أقنوش " المعارضة البرلمانية بين النص الدستوري والواقع السياسي "مجلة مسالك العدد :40/39 لسنة 12.
-أسماء الشقري "تقييم البرلمان للسياسات العمومية على ضوء قرارات المجلس الدستوري " المجلة المغربية للتدقيق والتنمية عدد :41/2015

-أسماء الشقري " الحكامة البرلمانية في ضوء الإصلاح الدستوري لسنة 2011 ،مجلة مسالك عدد :43/44 لسنة :2012.

-أحمد بوز العمل البرلماني لحزب العدالة والتنمية –ملاحظات أولية- المجلة المغربية للسياسات العمومية عدد:2و3 ،2008. تحت إشراف حسن طارق.

-عبد الرحمن حداد " في مساءلة الحكامة البرلمانية : حضور التشريع وغياب المشرع قانون المالية نمودجا ،المجلة المغربية للسياسات العمومية عدد :14،2015. تحت إشراف حسن طارق. -طه لحميداني وقطيفة القرقري " خلاصات من وحي عدم الاستقرار الحكومي بالمغرب 1963/2013" المجلة المغربية للسياسات العمومية عدد :10. تحت إشراف حسن طارق.

باللغة الفرنسية:
-ouvrages :
- harakate Mohamed ‘’ les finances publiques a l’epreuve de transparence et de la performance ‘’ el maarif al jadida rabat 2013

Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية