عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

بقلم الجيلالي طهير : بـرشيـد، الإدارة والسياسة والخطاب الملكي

بقلم الجيلالي طهير : بـرشيـد، الإدارة والسياسة والخطاب الملكي

بـرشيـد، الإدارة والسياسة والخطاب الملكي
برشيد نيوز : بقلم الجيلالي طهير
" وللمغرب نساؤه ورجالة الصادقين " ، يقول صاحب الجلالة محمد السادس في خطاب الذكرى الثامنة لتربعه على العرش. هؤلاء، وهؤلاء، موجودين أيضا ببرشيد، وهم يقاربون حبهم لمدينتهم بمدى تعلقهم بملكهم واستعدادهم للتضحية من أجل وطنهم. إنهم يرون تراب برشيد، أرضا مروية بعرق الأجداد، يتوارث عشقها النسل على مر الأجيال. وعندما ينظرون إلى الخلف على مدى الرؤية، منذ اعتلاء جلالته العرش العلوي، ويتأملون بدايات تلك الفرحة الجميلة، ثم ينظرون إلى الأمام، وصولا إلى ما هم عليه الآن، وإنه لزمن رائع عاشوه في ظلال الحرية والأمن والأمان، لولا التنكيد عليهم من طرف بعض الانتهازيين، من المقامرين في عالم السياسة وعديمي الكفاءة بالإدارة العمومية .
يمكن تقسيم تاريخ المجالس المنتخبة ببرشيد، منذ انطلاق المسلسل الديموقراطي، في منتصف السبعينات، وطيلة اعتلاء الملك محمد السادس العرش، بناء على معيار " الكذب السياسي"، إلى ثلاثة مراحل وهي : مرحلة " الحقيقة أولا"، وما قبلها وما بعدها. ونحن لا نقصد هنا بالحقيقة المعنى المتداول للكلمة، أي مطابقة القول للفعل، بل المعنى العكسي، وهو الكذب المباح في السياسة، لأن الحقيقة بطبيعتها لا سياسية، وقد تكون مضادة للسياسة. لأنه مهما تكن النزاهة الأخلاقية لرجل السياسة، فلا مفر له من الكذب لإيصال الكلمة التي ينتظرها منه الجمهور، لتحريك الوجدان وفتح أبواب الآمال.
لكن بعض الغفل، من فرط السجود والركوع لأحزابهم الميتة، يستحلون الكذب الذي يخلق متعة في الأنفس، ولا يصدقون بأن استعمال كلمة "الحقيقة" في الحملات الانتخابية ، من طرف قادتهم، إنما هو مجرد خدعة لدغدغة المشاعر وتوسيع رقعة الأحلام. يقول أقلاطون، أب السياسة، في نظرية الكهف: إن ما نراه، وما اعتدنا رؤيته، قد لا يكون الحقيقة، بل مجرد ظلال خادعة للحقيقة.
تاريخيا، لا يمكن الحديث عن الكذب السياسي في عهد الرئيس عبد الله القادري، ليس فقط لأن السلطة المحلية قالت : " حايدو ولد فاتح ما صالحش ، وديرو صالح ولد الأخضر صالح "، للحصول على الأغلبية المطلوبة؛ بل أيضا لأن الرجل عسكري النزعة والتكوين والطباع، لا يعرف في كلامه وأفعاله اللف والدوران، يقابل الواقع كما هو، لا كما يجب أن يكون. إنه وبكل بساطة رجل مقدام وشجاع، يؤمن بالتضحية والقوة العسكرية؛ والسياسي ، كما يقول ماكيافيلي، لا ينتصر بالقوة فقط، بل بالحيلة أيضا. إن السياسي لا يؤمن بالواقع كما هو، لأنه دائم البحث عن واقع غير موجود، واقع غير حقيقي، الواقع المضاد، الواقع البديل، يسعى لفرضه على المستقبل، فور تحقيق التناوب على السلطة.
ثم جاء عصر الاشتراكيين الذي أوصل رجال التعليم إلى سدة رئاسة المجلس البلدي، ومعهم المحامون أعطوهم منصب النيابة عن الرئيس. إن المحامين رغم براعتهم في تأويل النصوص، وتكييفها مع النوازل، أقل قدرة على الكذب السياسي من المعلمين. هم يعرفون بأن القانون بطبيعته رجعي، يقنن أوضاعا اجتماعية تسبق استصداره، لكنهم مضطرين مهنيا للالتزام به والعمل به، قبيل تعديله من طرف المشرع. وأما المعلمون فيكثرون من التشبيهات والاستعارات والمجازات التي يتسرب منها الكذب. لا يوجد في تحليلنا قدح لرجال التعليم الذين ندين لهم بالعرفان في تربيتنا وتربية أولادنا. بل هي السياسة، أفعال ، ومشاريع أفعال، مقرونة بالكلام، تقتضي إقناع الجمهور، ولن يتأتى ذلك بواسطة الحقائق. ولو ركن المعلم للحقيقة فقط لما كان سياسيا، فالكذب صفة ذاتية للفعل السياسي.
لماذا يطغى صوت المعلمين على صوت المحامين في المجالس المنتخبة؟ وهل كان صائبا أن يأخذ الأستاذ شنان الكلمة في " نقطة نظام"، ذات سنة، ويعقب على زميله الأستاذ عبد الغني بوكريزية، في أحد دورات المجلس البلدي الاتحادي، بينما الرئيس محمد طربوز "حومة وكاد بفران" ؟ نعتقد أن المحامين في تدخلاتهم، كما في مرافعاتهم، أقرب إلى الجدل الثنائي منه إلى أسلوب الإقناع، كما يفعل المعلم الواقف أمام صفوف التلاميذ لشرح الدروس. إن المحامين ، إلى حد ما، يشبهون سقراط الدي فضل الجدل في مجابهة قضاة عصره، عوض التوجه بالإقناع للجمهور . لقد خسر سقراط تعاطف المواطنين معه، ونال الحكم عليه بالإعدام، تقول المفكرة اليهودية حنة أرندت.
Socrate n’a pas pu convaincre les juges de son innocence. L’art de la persuasion, qui était la rhétorique, était le plus haut et le véritable art politique. La persuasion ne vient pas de la vérité, elle vient des opinions, précisément parce que la persuasion a rapport à la multitude, et que la multitude est incapable de vérité. (Hannah Arendt)
وفي مرحلة ثالثة، تزامنت مع أول استحقاقات جماعية، في عهد العاهل محمد السادس، جاء تحالف رئيس جمعية بناء المساجد فوق الأملاك البلدية مع حزب العدالة والتنمية. ونحن هنا نستذل بإيمانويل كانط Kant لنحاول الإقناع بأن الجماعة، مثل الدولة، لا تحتاج لغطاء ديني من أجل فرض هيبتها على المواطنين. فطاعة السلطة أمر أخلاقي بالدرجة الأولى والأخيرة، وتغليفها بالعباءة الدينية، وقراءة الفاتحة في دورات المجلس على الأموات ولو بدون وضوء، لا يضيف لها أي شيء. إن الأخلاق، كما يقول كانط، مؤسسة على مفهوم الإنسان، أي مفهوم العقل، الذي يجعل الدولة مكتفية بذاتها. يكون الشّخصُ أخلاقيّاً حين ينطلق من إحساس بالواجب ، وليس خشية من عقوبة أو توقّعاً لمكافأة يرجوها .
ربما برشيد المدينة الوحيدة التي أن يمكن يغادرها أي شخص لغسل عظامه بأداء مناسك العمرة ، ويعود ليرى من الطائرة بأن مزارع بني منيار التابعة لسيدي المكي ومزارع التوامة الخاضعة لنفوذ جماعة برشيد، تتبعان للسيطرة الترابية لجماعة أولاد صالح، أحواز الدار البيضاء. وفي برشيد دون غيرها، يمكن لمجلس بلدي محاصرة سكان درب جديد، ويقول : "ابنو عليهم مسجدا" ، وكأنهم من أهل الكهف. وفي برشيد وحدها، يمكن إجراء فحص طبي مضاد، من طرف مصلحة إدارية، على موظفة وهي في اليوم الأخير من شهرها التاسع قبل الولادة. ويمكن لك أن تشتري ببرشيد كل ما تشتهيه الأنفس بأقل من وظيفة، ولكنك لا تستطيع شراء عزة النفس وكرامتها. فلا يزال فيها نساء ورجال صادقون، رمزهم الحاج أحمد الحريزي، أول رجل سلطة في عهد الاستقلال، ومؤسس نادي الودادي الرياضي التي أجرت التداريب في بئر الثور. كان رحمه الله يردد الآية الكريمة من سورة هود: " لا تطغو ا إن الله بما تعلمون بصير، ولا تركنوا إلى الدين ظلموا فتمسكم النار، وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون".
كل عمل جاد يسجله التاريخ على صاحبه، متعة وعناء، وجرعات مركزة من المشقة والعرق، ونكران الذات. وجلالة الملك قال في خطابه: " المواطن يتساءل، ما الجدوى من وجود المؤسسات وإجراء الانتخابات ... وتعيين العمال والولاة ...؟" ونحن في مقال سابق بموقع " برشيد نيوز" قلنا بأن العمالة لم تضف أي قيمة ملموسة لمدينة برشيد التي تستحق الأفضل، وتمنينا بالمناسبة لو أنها لم تصبح كذلك، لأنها كانت أنظف وأحسن عندما لم تكن سوى باشوية، يشرف عليها باشا المدينة. أكيد، نحن عندما نعجز عن تغيير الواقع المظلم، بألسنتنا وبقلوبنا، نلجأ إلى الماضي باحثين عما نظنه مجيداً.
لكن "هناك شرفاء صادقون في حبهم لوطنهم، معروفون بالنزاهة والتجرد، والالتزام بخدمة الصالح العام"، يقول جلالة الملك. ومما لا شك فيه أن عمالة الإقليم تتوفر على كفاءات نزيهة ومستقيمة، تسبقها سمعتها الطيبة بين الجمهور، سواء على مستوى شخص الكاتب العام، وجل رجال الإدارة الترابية بالباشوية والمقاطعات الحضرية. ولكن أيضا يوجد أشخاص تافهون يحلمون لو وضع لهم الرئيس عبد الرحيم الكميلي مرايا تحت الأضواء الحمراء بالشارع العام. فعندما لا يكون للمرء قيمة في نظر نفسه، يكون بحاجة ماسة للمرآة ليرى حجمه الخيالي، وهو راكب سيارة المصلحة، كامتداد لهيلمان المكتب الذي يستقوي به على المواطن البسيط. هؤلاء " المستعمرون البني مسيكيون" يبنون علاقة فيها الكثير من الفوقية مع الناس. قال جلالة الملك: " أما الموظفون العموميون، فالعديد منهم لا يتوفرون على ما يكفي من الكفاءة، ولا على الطموح اللازم ، ولا تحركهم دائما روح المسؤولية ... أنا لا أفهم كيف يستطيع أي مسؤول ، لا يقوم بواجبه، أن يخرج من بيته، ويستقل سيارته، ويقف في الضوء الأحمر، وينظر إلى الناس، دون خجل ولا حياء، وهو يعلم بأنهم يعرفون بانه ليس له ضمير . ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم، رغم أنهم يؤدون القسم أمام الله، والوطن، والملك، ولا يقومون بواجبهم؟ ألا يجدر أن تتم محاسبة أو إقالة أي مسؤول، إذا ثبت في حقه تقصير أو إخلال في النهوض بمهامه؟".
ما هي الكفاءة المهنية إن لم تكن سلطة معرفية، مستوحاة من التراكم التدرجي للتجارب، يستلهمها الخلف من السلف، في سلك الوظيفة العمومية، لأجل التأثير إيجابا على المحيط الإداري؟ عندما تغيب السلطة المعرفية يغيب التواضع، ويحضر الاستعلاء المبني على الفراغ. لا يمكن لي الحديث بصفة قطعية عن توفر الكفاءات في وحدة إدارية حديثة العهد، خرجت من فراغ، حيث لا يزال البعض خائفا على الكرسي من مزاحمة الذي هو أكثر منه كفاءة، فيضطر للتخلص منه عبر المضايقة والتهميش أو النقل إلى مصلحة أخرى. في حملته الانتخابية ما قبل الأخيرة، كتب النائب المحترم المصطفى جبران في ملصقه الدعائي بأنه دافع على ترقية برشيد إلى عمالة. هذا الرجل العسكري، يتوفر على عدة أوسمة تشهد له بالشجاعة والكفاءة، فلماذا سكت المحترم، مثل الآخرين، عن التعسفات التي ضحيتها بعض الأطر الإدارية، من خيرة أبناء برشيد، بالعمالة، عقابا لهم على الهوية والكفاءة؟ لم يتكلم أحد أيضا عن إطار كفء، أمازيغي أغراس أغراس، جاء من عمالة سطات وعاد إلى عمالة سطات ، بعد إصابته بانهيار عصبي، جراء تبخيسه من طرف الممدد والممدد له على الجماعات المحلية، زج به في مكان ضيق، اعتبر المهندس المعماري أنه لا يصلح مرحاضا، وكانت المنظفات تضعن فيه المكنسات وأدوات التطهير.
إن برشيد العمالة يمكن أن تنام فيها ملفات المواطن البيسط حسب الأهواء. وكذلك نام ملف كهربة دوار السحابات بوفروج في رفوف مصلحة الإنارة. وهو عبارة عن مقرر تآمري، صوت عليه كومبارس المجلس البلدي في ظروف مشبوهة، حيث دفعوا بالاختصاص الى العمالة لتنام عليه، وذئاب العقار تحلم بالاستحواد على الأراضي، بعد أن يهجرها أهلها تحت وطأة الأوحال وانعدام الأمن والظلام. وقبل شهر رمضان الفارط، اجتمع المجلس البلدي في دورة عادية، تلتها دورة استثنائية، وذهب عيد الفطر وسيأتي عيد الأضحى، ولا يزال طلب سكان زنقة المسجد، حي النورـ الزهراء، المتعلق بإزالة الأقواس التي تشكل خطورة عليهم، قابعا في رفوف صاحبة التعمير بالعمالة. ومن قبل، وبنفس الشارع، تم الترخيص بدون مسطرة، على عهد المجلس السابق، لمنازل بجابب بقعتين مملوكتين للرئيس، وقبالتها تم اقتلاع الأشجار من الطريق العمومي والزحف فوقه من طرف عمارة الرئيس.
نتساءل مثلما يتساءل المصطفى ولد سمولا، الفلاح البسيط، الذي اكترى بيتا صغيرا بدرب الطاهري كي يعلم أولاده تحت ضوء المصباح: " لماذا، وكم صرفت العمالة على بناء دار مهجورة بالمحطة الطرقية بأموال التنمية البشرية، وكم ستكلفها تهيئة وكهربة طريق السحابات التي تسكنها الكائنات البشرية المنسية؟ صدق جلالة الملك ، وهو يقول : " إن برامج التنمية البشرية والترابية، التي لها تأثير مباشر على تحسين ظروف عيش المواطنين، لا تشرفنا ، وتبقى دون طموحنا ... إن مسؤولية وشرف خدمة المواطن، تمتد من الاستجابة لمطالبه البسيطة، إلى إنجاز المشاريع، صغيرة كانت، أو متوسطة، أو كبرى.... سواء كان المشروع في حي، أو دوار ، أو مدينة أو جهة، أو يهم البلاد كلها، فهو يتوخى نفس الهدف، وهو خدمة المواطن. وبالنسبة لي، حفر بئر، مثلا، وبناء سد، لهما نفس الأهمية بالنسبة للسكان"
وقال جلالة الملك: " فممارسات بعض المسؤولين المنتخبين، تدفع عددا من المواطنين ، وخاصة الشباب، للعزوف عن الانخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الانتخابات. لأنهم بكل بساطة، لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة ، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل". إن ماهية السياسة هي الحرية، والجمهور يُعتبر مصدر قوة السياسي. لكن عندما يأتي بعض الانتهازيين ويفسدون السياسة، فإنهم يحرفونها عن جوهرها النبيل، فتسقط منظومة الأحزاب، ويعجز الجمهور عن الانخراط في تلك التنظيمات القائمة على الصالح المشترك. إن ظاهرة العزوف واللامبلاة التي تدفع الشباب للامتناع عن التصويت، على هذا الحزب أو ذاك، يعتبرها خبراء السياسة في العصر الحديث من الشروط الأسياسية لنمو الحركات الشمولية، والانعزالية المؤدية لممارسة العنف. لكن هؤلاء الفاسدين، الدين أعماهم الجشع والربح السريع، لا يرون نعمة الله على هذا الوطن، ولا يفهمون أنهم يعملون على تخريب بيوتهم بأيديهم.
منذ سبعة عشرة سنة، كتب المرحوم محمد عابد الجابري، من على منبر جريدة الاتحاد الاشتراكي، بأن الدولة راسخة في قلوب المغاربة، ويمكن أن يلاحظ المرء أنه عندما يلحق الظلم برجل في المغرب، فإن ردة فعله تكون: " أنا معاك بالله والشرع"، بمعنى أنه يدعو لتطبيق القانون؛ أو يصرخ قائلا: " ما هذا؟ هل خلت البلاد من المخزن؟" ، أي الدولة. وهذا راجع إلى وجود أحزاب صمام أمان، في اعتقاده. ونحن رأينا لما غابت الأحزاب؛ ولما أخد نائب برلماني يدافع عن سكان خنيفرة في البرلمان ونسي أهله؛ ولما أغلق العامل السابق مكتبه عليه، وفرض التأشيرة على المواطن لدخول العمالة، استغاث المواطنون بجلالة لملك ، وطالبوا بزيارة ملكية تطهر البلاد وتشفي الغليل. ودق الصحفي نور الدين عبقاوي ناقوس الخطر، وكتب بالبند العريض على الصفحة الأولى لجريدة منبر الشاوية : " برشيد أصبحت جمهورية مستقلة".
كيف عجزب الأحزاب الوطنية عن تسليم المشعل الى شبيبتها؟ أهل مكة أدرى بشعابها. كتب المرحوم محمد عابد الجابري بأن لا يرتاح لكلمة " شبيبة" لأنها تُذكره بكلمات شبيهة مثل "فقيرة، حقيرة، نميمية، دسيسة". وقال أنه يفضل كلمة "شباب" لأنها انفتاح مثل "باب"، أي بدون تزمت وانقباض فكري. والشباب، يضيف المفكر الكبير، يجب أن يكسر أصنامه، أصنام الذات كالانتهازية والجري وراء المصالح الخاصة.
عندما عجزت الأحزاب عن تأطير الشباب، وجد هؤلاء ضالتهم في الإدمان على شبكة التواصل الإجتماعي، وأخذ البعض يفتي في السياسة بشكل عشوائي، مثل الصغار من أصحاب اللحي الذين يفتون في الأمور الدينية بدون مرجعيات وبدون شيوخ مشهود لها بالمعرفة والتقوى. إنهم يتكلمون عن القضية نفسها في نفس الآن، يننشرون صورهم وهم يتناولون الطعام في نفس الفترة، يقررون موضوع الساعة، ما هي النكتة، ومن الضحية، ومتى التوصل بالمنحة من البلدية، والكل مقتنع أنه يعبر عن حسن نية، من موقع فردي نابع من صميمه.
وها هم بعض الأفراد الطموحين من حملة الماجستير، ثمرة التعليم العالي المجاني ، يشترطون في تحمل مسؤولية الشأن المحلي التوفر على الشواهد العليا. إن السياسة "فعل"، وليست "عقل" أو "نشاط يدوي". السياسي لا يحتاج الى دبلوم، ولا إلى المعرفة، بل للفعل المرتبط بالمستقبل، بالتغيير والتجديد. وسواء في الشرق أم في الغرب ، أبدا لا يصل المثقف إلى السلطة عبر ثقافته وجهده، بل بواسطة قوة مالية أو حزب كبير . قيحتاج إلى المال زائد الإرادة القوية، كما يعتقد ماكيافيلي وابن خلدون (دراسة مقارنة للأستاذ عبد لله العروي) ؛ أو الشجاعة والبراعة، كما تشترط المفكرة حنة أردنت. هذه الأخيرة تقسم المجتمع الإنساني إلى ثلاثة دوائر لكل منها منطقها الخاص بها. هناك من يعمل بيده في المجتمع؛ وهناك من يعمل بعقله؛ وفي المنتصف نجد " الفعل"، حيث يفكر السياسي بحرية، ويجرد القضايا ويحكم عليها بالعقل، وليس بالغريزة البهيمية. هنا حصريا، يوجد مكان السياسة من حيث هي أفعال ومشاريع أفعال. ويجب أن يقفل هذا الحصن ويمنع اختلاطه مع باقي دوائر المجتمع لصيانة السياسة.
نعتقد بأن فشل المجلس البلدي في الولايتين السابقتين يعود بالأساس إلى عقلنة السياسة بالعمل اليدوي، المطابق للعملية البيولوجية للجسم البشري. كان الاشتغال يتم بمنطق أذاتي، حسابي، استغلالي: في كل سنبلة مائة حبة، في كل زريبة مائة نعجة، في كل عمارة مائة شقة، الخ. قد يداعب الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي نرجسية الفاشلين، ويتوهّمون أنّهم حقّاً فاعلٌون ومستقلونّ، ولكنّ الحقيقة هي أنّ وجودهم أو غيابهم سيّان. وكما قال أحد الظرفاء عندما غطت الحفر والكراريس شوارع برشيد : " الحجوي رحمه الله، كانت له غيره على برشيد أكثر من المنتخبين".
قال جلالة الملك: " هذه التصرفات والاختلالات ، هي التي تزكي الفكرة السائدة لدى عموم المغاربة، بأن التسابق على المناصب، هو بغرض الاستفادة من الريع، واستغلال السلطة والنفوذ.... ومما يثير الاستغراب ، أن من بين المسؤولين، من فشل في مهمته. ومع ذلك يعتقد أنه يستحق منصبا أكبر من منصبه السابق".
المراجع:
خطاب محمد السادس في الذكرى 18 لاعتلاء العرش.
ما السياسة؟ حنة أرندت
الشمولية. حنة أرندت







Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية