عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

بقلم الجيلالي طهير : تحليق مع رواد الفضاء الأزرق

بقلم الجيلالي طهير : تحليق مع رواد الفضاء الأزرق

بقلم الجيلالي : طهير تحليق مع رواد الفضاء الأزرق
برشيد نيوز : بقلم الجيلالي طهير
وأنا جالسُ بين الأخويين بوكريزية لمشاهدةِ العرض المسرحي " الطلاميس" لفرقة محمد بايْ، من إخراج سامي سعد الله، قلتُ مع نفسي عن كاتب النص، ما قاله أحد الحكماء في حق المرحوم السي محمد بلعربي الابراهيمي، رجل سلطة من نوع خاص، وهو يقدمه لأحد ضيوفه: " هذا رَجلٌ يَطولُ شَرحُهُ". تَفوق محمد باي في اختيار تسميةِ المسرحية، وهي تُذ كرني بالعنوان الذي أعطاه المفكر التونسي الراحل عبد الوهاب المؤدب لكتابه " طلاسيمنو" ، مستعملا كلمة ايطالية تعني الطلاسيم باللغة العربية، أي الخطوط والكلمات والأرقام والرموز التي لا يفهمها أغلب الناس. خصص المفكر المغربي الراحل عبد الكبير الخطيبي 30 صفحة من مؤلفه " مغرب الجمع" Maghreb pluriel ، لتحليل" طلاسيمو" ، تحت عنوان : الازدواجية اللغوية والآداب.
إن أي نص أدبي لا ينبعث من فراغ، فهو ابن بيئته، شاهدٌ على زمنه. فهل تُحيلنا طلاميسُ محمد باي على ازدواجية المثقف (لفهايمي) والغوغائي في عقلية وسلوك الشخص الواحد، المنتشرة حاليا ببرشيد؟ إن الشعراء، وهم مثقفو عصرهم، يتبعهم الغاوون ( إلا الدين آمنوا)؛ والغوغاء هم السفلة كثيرو اللغط والصياح، وسماهم الحسن البصري بقتلة الأنبياء، لأنهم يحاربون كل حركة إصلاحية جديدة. وقد استمد التوصيف من الإمام علي ابن أبي طالب الذي وصف الغوغائيين بأنهم ينعقون مع كل ناعق، ويميلون مع كل ريح. "إن بعض المتعلمين الدين يحملون الشهادات العالية، ويتحذلقون بالأفكار الحديثة، هم عاميون في تفكيرهم، إذ يؤيدون جميع المعتقدات التي نشأووا عليها رغم جوانبها المستهجنة". وأيُ إنسانٍ يستطيع أن يدعي هو المصلح ولو كان مشعودا. والفرقُ بين الصنفين، كما يقول علم الاجتماع، أن المصلح يحاول إصلاح قومه، بينما المشعود يبحث عن قوم غير قومه، ويتظاهر بأنه يريد إصلاحهم وهذايتهم ( علي الوردي ـ وعاظ السلاطين). من لم يصلح بيته أولا، لا يحق له المطالبة بإصلاح بيت غيره.
وأنا أتابعُ كالعادة صفحة نور الدين عبقاوي، مديرُ صحيفة منبر الشاوية، بشبكةِ التواصل الاجتماعي، أثار انتباهي ما قل وذل من الطلب والأماني، في جملةٍ قصيرةٍ، عبر فيها بقوله: " نُريد مواطنين". مما دفعني إلى التساؤل، من نحن؟
وجدتُ الإجابة جاهزةً عند الأستاذ عبد الله العروي في مناظرة ألقاها حول موضوع المواطنة ، حين قال: " إن الانسان عندما يشعر بأنه خارج السرب، غير مشارك أو مساهم، لا يتمتع بحقوق يتمتع بها غيره الذي يحتل مكانة أعلى من مكانته، ووضعه ناقص، يتخيل وضعا مناقضا للواقع الدي يعيشه، ويحاول التكيف، فيعثر على كلمة " مواطن" . ولو لم يجد الكلمة جاهزة للاستعمال لاستعار لفظة أجنبية مثل ديموقراطية وبرلمان، الخ".
وفي هذا السياق، قرأتُ على صفحة عبد المنعم جودت، ناشط جمعوي، بأن المرء يحتاج إلى جهدٍ جهيد من أجل تعبئة المثقفين، ولا يحتاج إلى أكثر من قطعةِ خبزٍ لحشد القطيع. حقيقة أن المثقف في عصرنا، سواء في الشرق أو الغرب، يعرف مسبقاَ أنه لن يصل إلى السلطة بفضل ثقاقته وجهوده، وإنما بواسطةِ قوة ماليةٍ أو حزبٍ سياسي عتيد. والرياسة يحتاج صاحبها للديناميكية والمال، بحسب ابن خلدون وماكيافيلي؛ وإلى الثقافة عند أفلاطون في "المدينة الفاضلة" مع الأحلام. مثلا: حزبٌ قويٌ وحيوية ونشاط مثل مجلس محمد طربوز وحكومة فرانسوا ميتيران؛ حزب قويٌ وخمولٌ مثل حكومة فرانسوا هولاند ومجلس محمد بن الشيب. الإفراط في الذكاء أسقط ميتران ومحمد طربوز. هذا الأخير خاصم أشخاصا، بينما خلفهُ ظلمَ مدينةَ وأرضى أشخاصاَ، نافقوه على حساب مصلحة المدينة.
وفي موضع آخر، يقدم لنا عبد المنعم جودت توصيفا وتصنيفا للفعاليات الجماعية، بداخل المحيط الذي يشتغل به، أسماهم ب " العياشة". أتساءل: هل قرأ عبد المنعم كتاب La politique et le savant لماكس فيبر، أمْ أن اختياره لكلمة "العياشة" جاء بمحض الصدفة. صنف ماكس فيبر السياسيين بناء على المعيار الاقتصادي، وجعلهم فئتين: فئة تعيش لأجل السياسة، وفئة تعيش بفضل السياسة Ceux qui vivent de la politique et ceux qui vivent pour la politique . وبالنسبة إليه، كل الدين يمارسون السياسة يتجهون للسباق نحو احتلال المناصب أو تقوية النفوذ، باسثتناء قلة من الناس، وهم الأثرياء الذين في غنى عن ذلك. وفي نظره، لا يجب على رجل التعليم أن يمارس السياسة، لأن العلم يخص البحث عن الحقيقة الموضوعية، بينما السياسة ديماغوجية وتعبير عن رغبة شخصية.
وعلى هامش المناوشات غير المفيدة التي عرفت مؤخرا بتلاسن أصحاب الحراك وأصحاب العراك، على الشبكة العكبوتية، أمام أنظار العالم بأسره، كتب سمير بوفروج، مناضل يساري، بعقل مستنير، على صفحته : " أحدهم سألني ... أنت معنا أم مع الآخرين ؟... ما جوبتوش !!!!! قد تكلم الجميع ، والجميع انتقد الجميع، والجميع صادر حق الجميع في الاختلاف وابداء الرأي، والحمد لله أن الوطن لم يلفظنا، وقادر على تحمل كل هدا اللغط والضحيج، وخريطة المغرب لم تنقص و لازالت هي هي .. من طنجة الى لكويرة".
تمنيت لو وصلنا في مدينتنا إلى المستوى الدي يسأل فيه الصديق صديقه عن أحب القدمين لديه، قدمه اليمنى أم اليسرى. فهؤلاء وهؤلاء ربما يصنعون التاريخ، أو يعرقلون حركته، من غير وعي. والتاريخ هنا مثل الإنسان يمشي على قدمين، تتوقف القدم الواحدة عن السير، لكي تتقدم الأخرى إلى الأمام، وهكذا ذواليك. وفي كل مرحلة من مراحل التاريخ، لابد وأن نجد طائفة من الناس محافظة، مثل القدم المتوقفة عن السير، وطائفة أخرى تريد التغيير والتجديد مثل القدم المتحركة. ومادام المجتمع بألف خير ويتحرك، فالتطاحن لا يهدأ: المحافظون يتهمون المجددين بالزندقة والعمالة للأجنبي، والمجددون يتهمون المحافظين بالفساد والطغيان وأكل المال الحرام. وكل مجدد وصل إلى الحكم يصبح محافظا، فيثور عليه مجدد من نوع آخر... وهكدا يسير التاريخ ويتم تجديد النخب (علي الوردي، بحث في نفسية الشعب العراقي على ضوء علم الاجتماع الحديث).
إن الإنسان البدائي لا يعرف النسبية ولا يستسيغ الخلاف المبدئي، وكلما خطأه أحد في رأيه، أو سمع منه كلاما لا يتلاءم مع مزاجه، ظن أنه يشتمه، أو يمس وجود الجماعة التي ينتمي إليها، والسيد الذي يمن عليه. فأنت إما أن تكون معه في جميع الآراء، أو أنت عدوه اللذوذ. المجتمع المدني الذي يشتغل بهذه الطريقة السوقية محكوم عليه بالبقاء راكدا على طول الأجيال. (علي الوردي).
إنه كلما ارتقى الانسان في تمدنه قل نزاعه الشخصي شيئا فشيئا، ليصل في النهاية إلى مستوى إنسان الشعوب المتمدنة، حيث التاريخ يمشي على قدميه. حاليا، الأمر مختلف عندنا تماما، لأن السيطرة تأتي من الطبيعة على الثقافة، وليس العكس؛ أي غلبة قيم البداوة على قيم العمران، في قلب المدينة التي هي رمز الحضارة. قرأت مرة للمصطفى بوطاجين، ناشط جمعوي، يسخر من بعض الفعاليات الذين تقودهم الفاقة المقنعة إلى أخذ صور تذكارية أمام أطباق الأكل: " تريدون الثقافة، احضروا الطعام". والحالة هذه، فنحن نعيش حالة من الردة إن صح التعبير، وهي ظاهرة هيغلية ( هيغل) بالمعكوس.
يتناول علي طربوز مواضيع حساسة، وقد كتب على صفحته: "عدد المساجد يفوق عدد المرافق الثقافية ببرشيد"، فأجابه آخر ب: " موتوا بغيضكم". ثم تحولت لائحة الاتهامات ضده إلى طلاسيم يصعب حلها. الله محبة، والدين النصيحة. كلمة طيبة كشجرة طيبة، أصلها تابث وفرعها في السماء. والله حقيقة مطلقة، بينما المسائل الدنيوية قابلة للنقاش، وهو دور الفقهاء.
شخصيا، عندما لا تروق انطباعاتي أحدهم، يجابهها بطريقة بدائية، فاضطر إلى رشها بالمبيدات الحشرية. فمثلا كتب عزيز حميدو على صفحتي، لسبب غير مفهوم : " أصبحت سخرية وأنت فت 60 سنة، تكمش وادخل سوق راسك". من حسن الحظ أن سلامة موسى في كتابه، " حياتنا بعد الخمسين" لا ينصح بالموت في الحياة، وإنما يقول : " ربما كان سن المعاش عندنا، وهي سن الستين، من الأسباب الاجتماعية التي تجعل جمهور الناس تخشى الشيخوخة وتستسلم لأمراضها. إنها تعمم بيننا عقيدة أننا نصل إلى آخر أنفاسنا الحيوية في هدا السن، وأن من الحكمة أن نستكين ونركن للكرسي المسند كي نرتاح عليه. مع أن هذا السن في أوروبا هو سن النضج والأيناع...".
مند زمن بعيد، في بلاد لا تعرف انقطاع النسل، ولا تكبس أنفاس الناس وهم أحياء، قال رئيس بلدية باريس سنة 1934 في ذكرى وفاة الكاتب المسرحي المشاغب هنري بويير ( 1851ـ 1915): " في آخر حياته، بقيت له المتعة المريرة في السير وحيدا في الحياة محاطا بأحلامه، لا العمر هدأ من روعة غضبه، ولا قلل من حماسته. فلقد كره الفساد الأخلاقي، والنفاق، والكذب، والانحناء للأقوياء". أضيف بين قوسين: عاصر هنري بويير ريشارد فاغنر، المؤلف الموسيقي والكاتب المسرحي الألماني، في زمن كان مجرد دكر اسم فاغنر يثير زوبعة لدى العامة المتعودين على الموسيقى الشعبية. فناصره هنري بويير ضد الغوغاء، وتنبأ له بالعبقرية التي "ستتشرف بها الإنسانية"، على حد قوله. ثم بعد سنوات ، سيطر فاغنر على النصف الثاني من العصر الرومانسي في الموسيقى، بعد أن سيطر بيتهوفن على العصر الأول منه.
عندما نتساءل عن ماهية الحرية ، ونحن نحس أنها لا تعني حرية الرأي والتعبير عند البعض، فإننا نفكر في كتابات عبد الله العروي حول مفهوم الحرية. انطلاقا من السؤال هل ممارسة الحرية ، كما تصورها القرن التاسع عشر في أوروبا، منعدمة في المجتمع التقليدي المغربي، يميز الأستاذ العروي بين الحرية النفسية الميتافيزقية والحرية الاجتماعية السياسية، ويخلص إلى القول بأن الحرية عندنا موجودة في البداوة والعشيرة وفي التصوف والتقوى. فالدولة هي رمز العبودية، بينما العشيرة المتجسدة في العادات ترمز إلى ما يعارض تلك العبودية، وبالتالي يحق لنا أن نسميها الحرية. أيضا من خلال التقوى يشعر المؤمن شعورا قويا بالتحرر من عبودية الجسم والعادات. وأما التصوف فهو ارتقاء روحي، وحرية وجدانية مطلقة، يمارسها المتصوف بداخل الدولة المستبدة ( عبد الله العروي، مفهوم الحرية).
علاقة بموضوع الحرية، وأثناء قراءتي لاجتهادات التهامي الحبشي على منبر "برشيد نيوز "، باحثا عن النفخات الصوفية، في ثنايا المأثور الشعبي لفن العيطة، تذكرت فجأة بأن شمس الدين سليل مولاي عبد القادر الجيلالي كان أول من أدخل الآلة الموسيقية إلى الحضرة الصوفية، فنجم عنه خروج جيلالة من صلب الزاوية القادرية. وتحضرني جملة مقروءة في كتاب الايديولوجبة العربية المعاصرة للأستاذ عبد الله العروي يجمع فيها بين المتصوف الديني والبدوي الدي لا هم ديني ولا تجرد صوفي عنده، يقول فيها:
" بينما كان المتفرجون المدنسون يتحررون بالفولكلور، كان آخرون متدينون يتيهون في ليل التصوف".
Les spectateurs profanes s’évadaient dans ce folklore, alors que d’autres, plus religieux, se perdaient dans la nuit mystique) L’idéologie arabe contemporaine)
فهنا " الحال المدنس"، وهناك " الحال المقدس"، وكلاهما يقود إلى التحرر من أغلال المادة وضيق الزمن. يشرح عبد الكبير الخطيبي حرف الحاء، في مغرب الجمع فيربط " الحال" بصرخة الحلاج : " أنا الحق".
وأنت تتفقد صديقك جمال لطفي، الغائب عن التواصل الاجتماعي، تجده وحرمه يركبان الطائرة ، لحضور حفل توزيع الشهادات على الخريجين بإحدى المدارس الجامعية بباريس. وفي لحظة من اللحظات المرحة، بعيدا عن عاصمة الموكي، يتغير الإيقاع الموسيقي، مائلا نحو الميزان المغربي الشعبي، فيصرخ جمال من غير وعي، في قلب عاصمة الأنوار، وسط جموع الحاضرين من مختلف الأجناس: " الله، لله... سير أودي سير". ( الله يرانا، في كتاب التلاوة العربية !).
في الأيديولوجية العربية المعاصرة، يقول عبد الله العروي بأن الشعر غير موجود في الفولكلور البدوي، بل في قلب من يصغي إليه ويطرب له. فهو معقل حنين، يمنح حرية اعتبارية، فردية كاذبة. ويضيف بأن الانسان الذي يغلب على وعيه الحنين، مثلي ومثله، هو انسان منفصم الشعور. وفي هذا الصدد، يقول عالم الاجتماع العراقي علي الوردي: لا يمكن تصنيف الناس إلى محافظين باقين على القيم العشائرية القديمة، ومجددين أخدوا بالقيم الحضارية الحديثة. إن أكثر الناس بين بين، ظاهرهم حضاريون وباطنهم عشائريون. غير أن ازدواجية الشخصية الثنائية التي تتنازعها البداوة والحضارة لا تعني النفاق الاجتماعي الذي يمارس عن وعي من طرف الأفراد. بل إلى تناقض ثقافتين شربهما الفرد مند نعومة أظافرة. الناس ليسوا على درجة واحدة في تحررهم الفكري، والصراع الثنائي القطبية، لقيم البداوة والحضارة، في السلوك والتفكير، يبرز بطرق متفاوتة، على مستويات عدة: قيم التدين/ قيم العلمانية، التوجه الجمعاني/ التوجه الفردي، التفكير العلمي/ التفكير الخرافي، الدافع الاجتهادي/ الدافع النقلي، الخ.


Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية