عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

بقلم الجيلالي طهير : خدام الدولة هم أوتاد المخزن

بقلم الجيلالي طهير : خدام الدولة هم أوتاد المخزن


خدام الدولة هم أوتاد المخزن
برشيد نيوز : بقلم الجيلالي طهير
وداعا 2016، سنة سعيدة 2017. يطلقونها مثل زغرودة مدوية ترحيبا بالعامل أو الكوميسير الجديد، وكتقليزة، بالخنصر قبل البنصر، للباشا أو رئيس مديرية الضرائب عند التنقيل. هكذا حال المنافقين من أولاد حريز، مند سالف العصر والأوان، لا أمن ولا أمان. لا يعرف لهم غير عبد القادر ولد زغينية التعلاوتي الذي كان يطارد أمثالهم في القيسارية، وهو يصيح: " وا... الظالمين، لا دنيا لا دين". رحمة الله على المجنون. إن الفلك يدور والسوايع بدالة، فاعدلوا بين الناس يا أصحاب الضمير، يصلح الله في ذريتكم، ويبقى بعد رحيلكم الذكر الطيب.
في القرءان والكريم، كما في باقي الكتب السماوية، خلق الله تعالى الكون والزمن في آن واحد. فقال في كتابه العزيز: «إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ.". وهيكل سبحانه وتعالى الزمن فكانت الأيام، والأسابيع، والأشهر، والسنوات، والقرون.
يتجلى الزمن في شكل مفهومين لكل مفهوم معنى مختلف. فإلى جانب الزمن الخطي والوحيد linéaireيوجد الزمن التاريخي الكرنولوجي، أو الدائريcyclique ، الملتصق آخرة بأوله، كل دورة تشبه التي سبقتها وكأنها نسخة منها. إن الدين لا يحترمون التاريخ، ولا يأخذون منه العبرة، محكوم عليهم بأن يعيشوا أخطاء الأوائل من جديد. قال تعالى: «فاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ".
من الأخطاء المرتكبة من طرف بعض السياسيين الدين سالت بهم من تحتها الأحزاب، غير المخرقة بكيفية جيدة، اعتقادهم بأن الزمن فقط خط مستقيم إلى الأمام، وهم بدايته ونهايته. هؤلاء المنافقون خدروا السدج والغفل بلباس التقوى، وحليب النوق، وقال الله وقال الرسول، وهذه الصومعة أطول من تلك، في الوقت الدي كانوا يتعاملون فيه مع المدار الحضري بعقلية الغنيمة والغزاة. والآن هم إلى مزبلة التاريخ، نسيا منسيا.
ليس جد صعب تكوين نظرة إجمالية عن تاريخ الفكر السياسي المغربي، مقارنة مع هو عليه الحال في الشرق. الارسطغرافية المغربية لم تضع المغرب ضمن تاريخ الخليقة مثل بلدان المشرق. وإنما ضمن البعثة المحمدية دون غيرها. فاستهلته بدخول المسلمين إلى المغرب الأقصى، وميزت ما بين إسلامي وأدخلته في التاريخ، وما بين ما قبل الإسلام وما سبقه وأنكرته ونعتته بالأزلي، الذي لا تعرف له بداية. وفي هذا السياق، تم إنكار وجود دولة بورغواطة التي حكمت تامسنا لمدة أربعة قرون، خصوصا وأن هذه الحقيقة تزعج الأطروحة الفاسية التي تعتبر دولة الأدارسة بداية الدولة المغربية.
ولم يتم الفصل ما بين بلاد المغرب الأقصى وبقية دار الإسلام إلا بعد احتلال الجزائر سنة 1830. وهي اللحظة التي بدأ فيها تشكيل وعي المغاربة بوطن ترابي، بدل الوطن الروحي الشاسع. وكانت تلك أيضا، بداية استقرار أولاد حريز وتشكيل وعيهم بمجالهم الترابي المحدد تحت قيادة آل الرشيد. ونقصد هنا بالمغاربة النخبة المخزنية والطبقة المتنورة فقط، لأن المجتمع القبلي كان بعيدا كل البعد عن فكرة الوطن والوطنية.
يبدو تاريخ المغرب كسلسلة طويلة من الحروب ما بين القبائل بعضها البعض، أو في مواجهة المخزن كلما ضعفت قواه. بينما كانت الزوايا تقوم بدور الوسيط بين المتناحرين لأجل التهدئة وإنهاء الصراعات. فمن هو المخزن؟ يعرف هنري تيراس المخزن بأنه ائتلاف مصالح. ويتعمق الأستاذ الموسوعي عبد الله العروي أكثر، فيقول بأنه تحالف بين السلطان، والبورجوازية الحضرية وقواد القبائل البدو. أي بين دار المخزن وخدام المخزن.
إن خدام الدولة في الحاضر هم ورثة خدام المخزن في الماضي. فالمخزن الشريف أصبح هو الدولة في الدستور المغربي، والزوايا تحولت إلى أحزاب، والجماعات السلالية تحولت إلى جماعات محلية. والقائد أصبح موظفا عموميا، لم تبق لهم نفس المهام، ولكن تم الاحتفاظ له بالاسم القديم لما يلعبه من دور رادع في الوعي الجمعي.
يقول لويس أرنو، نقلا عن السارد بنسالم العبدي: جمع الصدر الأعظم للمخزن القديم، با حماد بنموسى قواد القبائل، وقال لهم: " المخزن مثل لخزانة، عمودها الفقرى هو السلطان، وأنتم الأوتاد، فاصمدوا واثبثوا في الأرض حتى لا تقتلعكم رياح الفتنة" (على عتبة المحلة). ولأن هناك تعايش بين التقاليد القبلية والقانون العصري في المجتمع المغربي المركب، فإن الأوتاد القواد، أصبحوا اليوم هم الرؤساء المنتخبون. إذ في عهد ادريس البصري، الصدر الأعظم للمخزن الحديث، تراجع دور القياد بصورة تدريجية مرورا من مرحلة " لا أساس لها من الصحة"، " والمعني بالأمر يصطاد في الماء العكر"، وهما المقولتان اللتان كانت تصنف بهما أجوبة رجال السلطة على الشكايات المتعلقة بتزوير الانتخابات، إلى مرحلة التعايش مع الرؤساء المنتخبين، وبعدها مرحلة التجانس ثم التمازج، إلى أن وصلنا إلى مرحلة الانكفاء التي يطلق عليها حاليا مفهوم السلطة الجديدة.
لا تكاد تذكر كلمة خدام الدولة إلا وتذكر معها الإكراميات الممنوحة لهم، حتى تفشى من جراء ذلك، وبشكل خطير " مرض الفابور"، المؤدي إلى التملص الضريبي، والتسابق لسياقة السيارات المرقمة بحرف " الجيم" (جابها الله). فأغلب المرشحين للانتخابات الجماعية أو البرلمانية، وخصوصا منهم الأغنياء، لا تهمهم خدمة الوطن والمواطنين بقدر ما يهم التلذذ النرجسي بحياة " الفابور". في صفحات التاريخ، دفعت النزعة المجانية إلى تهرب خدام المخزن، أبا عن جد، من الواجب الضريبي والعسكري، والبحث عن الحماية الأجنبية لأجل الحفاظ على الممتلكات المنهوبة. وكذلك جل كبار خدام الدولة اليوم ينعمون بالجنسية المزدوجة. لقد أنجبت الطبقة البورجوازية الحضرية سماسرة كانوا يستقوون بالتجار والقناصل الأجانب. وأما شيوخ الجماعة، وقواد المائة في الحركة السلطانية، فتحولوا إلى مخالطين أي رعاة أغنام الأجانب، مستغلين في ذلك أراضي الجموع الشاسعة التي حولوها إلى ملكيات خاصة. إن كل القواد الكبار بما فيهم مساندو الحركة الحفيظية، ممن حاربوا فرنسا، بحثوا في الأخير عن الحماية الفرنسية بعد سنة 1909 حفاظا على ممتلكاتهم من تقلبات الدهر. والكثير من رجال الحركة الوطنية كانوا من المحميين، ولا نجد لأسمائهم أثرا لصعوبة الوصول إلى أرشيفات الحماية. يكتب محمد كنبيب: " تم التستر على دور حملة جوازات الحماية أو بطائقها في الحركة الوطنية بسب ما يثيره كل ذكر للحماية من " خيانة" في الوعي الجمعي، بعدما نال منها العلماء في الماضي من تسفيه، وما استهدفها به الشباب المغاربة من استنكار"(المحميون، مساهمة في دراسة تاريخ المغرب المعاصر).
يقول البعض بأن عبد الله العروي هو من كتب " الاختيار الثوري" للمهدي بنبركة. ويقول عبد الله العروي عن نفسه في كتابه الأخير " المغرب والحسن الثاني": " في المغرب لا يقولون من أنت، ولكن يقولون أنت ابن فلان أو صديق فلان، وأنا بالنسبة إليهم صديق المهدي بنبركة". وبلسان المؤرخ النزيه، يقول عبد الله العروي بأن القادة الاتحاديين، بحكم تكوينهم وتأثرهم بالاشتراكية، موضة العصر في العالم الثالث، كانوا يجهلون تاريخ المغرب ولا قبل لهم بعلم الاجتماع، والبعض منهم متزوجين بأجنبيات. وعلى الرغم من أنهم يستمدون شرعيتهم من انتمائهم للحركة الوطنية، فقد تصرفوا مثل المحميين الدين كانوا يستقوون بالقناصل الأجانب، عندما وضعوا ملف اختطاف المهدي بنبركة بيد السفارة الفرنسية بالرباط.
يستعمل الأستاذ العروي في مؤلفه " الأصول الاجتماعية والثقافية للوطنية المغربية" مصطلح " السيبة الجديدة". ويقصد به تمرد خدام المخزن على المخزن، احتجاجا على إبعادهم من خدمة المخزن، لأجل العودة لأحضان المخزن". لقد كان قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من خدام المخزن، في ظل حكومة عبد الله إبراهيم وما قبلها، وعندما وقع التمرد على المخزن، ورفضوا الاستفتاء على الدستور، ظلوا يشاركون في الانتخابات الجماعية والبرلمانية. حينئذ تم تميزهم في الأوراق الانتخابية باللون الأزرق، الدي يرمز إلى العقوق والتيه والعصيان، في مقابل لون الموافقين على الدستور: اللون الأبيض، وله دلالة قدسية وعرفانية، يرمز الرضى والطاعة والنقاء والصفاء والجود والكرم. وقد ارتبط البياض بالنور المحمدي، وإذ قالت العرب فلان أبيض، فالمعنى نقاء العرض من الدنس والعيوب.
وعند عودة الاتحاديين إلى الحكم في مطلع الألفية الحالية، رفع الوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي برقية إلى الديوان الملكي، بمناسبة عيد العرش المجيد، من بين ما جاء فيها: " مولاي صاحب الجلالة ، يتشرف خديم الأعتاب الشريفة الوزير الأول في حكومة جلالتكم أصالة عن نفسه ونيابة عن أعضاء حكومتكم الأوفياء أن يغتموا المناسبة السعيدة التي يتيحها احتفال الأمة قاطبة بالذكرى الأولى لتربع جلالتكم عرش أجدادكم المنعمين ليتقدموا إلى جلالتكم المنيفة بأحر التهاني وأطيب التبريك، وليجددوا لسدتكم العالية بالله آيات الوفاء والإخلاص والتقدير والإكبار". (جريدة الاتحاد الاشتراكي ليوم الاثنين 31 يوليوز 2000، ص: 7).
يقول باسكون في تحليله للمجتمع المغربي التاريخي: يعمل الناس الدين يعيشون في المجتمع المركب باستمرار على تكييف سلوكهم مع الواقع المعقد كي يتمكنوا من لعب أدوار لهم. إنه واقع بالغ التعقيد يحتوي على أربعة نمادج متداخلة بعضها ببعض: أبوي+ قبلي+ فيودالي+ رأسمالي، إذ لم نقل خمسة بالنسبة للدين يضيفون لهذه الوضعية صعوبة زائدة هي انتماؤهم الاشتراكي أو مشيئتهم في أن يكونوا اشتراكيين.




Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية