عاجل آخر الأخبار
مباشر
wb_sunny

خير عاجل

بقلم الجيلالي طهير : مات الرجل الدي ختنك.

بقلم الجيلالي طهير : مات الرجل الدي ختنك.


مات الرجل الدي ختنك.
برشيد نيوز: بقلم الجيلالي طهير
أبواب السماء مفتوحةَ للدعاء، وقطرات الخير التي طال انحباسها، تساقط كخيوط النور. إنه مطر لم يسقط نظيره حتى الآن، بيديه الخير وهو على كل شيء قدير، لا تيأسوا من رحمة الله.
لبى نداء ربه، المشمول برحمته، أبوبكر بن الجيلالي طهير، يومه الأربعاء 16 نونبر 2016 صباحاوبينما المشيعون يوارون جثمانه الثري، انهلت العين وانهلت السماء بقطرات مطهرة خفيفة غازلت الرؤوس: " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية، وادخلي في عبادي وادخلي جنتي". 
ازداد الوالد حوالي سنة 1926 بدوار لحباشة الزوارة، وفي تلك السنة أجري أول تعداد للسكان ببرشيد حدد عدد الساكنة في 98 نسمة كلهم من خارج الشاوية. حفظ السي بوبكر القرءان الكريم عن ظهر قلب في سن جد مبكرة. وفي التاسعة من عمره هرب من جحيم الكتاب وارتمى في بئر قاعها 15 مترا، وهو مكبل اليدين والقدمين بالأصفاد الحديدية، ولم يصبه أذى، لطفا من الرحمان وعنايته. وعلى إثر ذلك، ترك الدراسة واشتغل كصبي جزار لمدة سنة واحدة، قبل أن يدخل ميدان " تحجامت" وهو في سن الحادية عشرة من عمره. وبعد مرور سنة واحدة، توفي والده الفقيه السي الجيلالي، سنة 1938، فعاش الطفل أبوبكر يتيما، بين أخوين وثلاثة أخوات، في كنف والدته رقية بنت الحضري من آل الزنكي
كان الطفل أبوبكر في صغره يقدف سيارات الفرنسيين يالحجارة، عند مرورها بطريق مديونة، أمام دوار الزوارة، ولما طارده الجندرمية الفرنسيين، فر هاربا ونزل إلى عمق البئر واختبأ فيها. جرى البحث عنه في الدوار، خيمة خيمة، وفي الحقول وفي الجنان، ولم يعثروا له على أثر. وفي آخر النهار، جاء أحد الأقرباء يستخرج الماء من البئر، فسمع الصراخ يتردد صداه من القاع، وساعده على الطلوع.
دشن الشاب السي بوبكر عالم الختانة، بأول ضربة مقص له سنة 1948، وهي السنة التي عقد فيها القران على بنت خالته فاطنة بنت عيسى بنت الحاج محمد الظريف. وكان " اضحيته" الأولى المرحوم عبيدة شكيب (والد عبد الرحيم شكيب من الدار البيضاء). ثم تلاه ضحايا آخرون خلال تلك السنة منهم الأخوين لمفضل والحطاب العباسي، حفظهما الله. وكان علاقة حميمية تربط والدهم بجدي يرحمهما الله
ما فتئ الوالد يحكي ويقول أنه في سنة 1949: " لم يكن سوى 4 دكاكين مفتوحة للجزارة بالقيسارية، وهم ولد حليوة، وحمو اسمعلي، والعربي اسمعلي، وولد هروال. وكان ولد هروال يترك عندنا قفة السكاكين وأدوات الجزارة بالدكان، حيث كنا نقضي أوقات السمر مع الأصدقاء. وفي ليلة من الليالي، جاء الشيخ أحمد بن الجيلالي العثماني واعتقلني ونحن بالدكان. طلبت منه الصفح فرفض أن يسمح لي (شحال عورطت بيه ومبغاش يسمح ليا)، وقضيت ليلتي في السجن. كانت التهمة التي تلاها الشيخ على الباشا ولد شميسة، وهو يعد على أطراف أصابعه: " هذا شفار، وقمار، وسكيري، وسبايسي من أصحاب التقسيسة ". وفي الصباح، تم الافراج عني، بعد أن أدى أخي الأكبر محمد بن الجيلالي عني غرامة قدرها 20 فرنك، رماها في عبون الباشا، كما هي العادة، بينما هدا الأخير خارج من القصبة الجديدة نحو برشيد على متن عربته المجرورة بحصان".  وفي سنة 1952، يضيف الوالد رحمه الله: " دعاني سيدي أحمد ولد الشيخ لأختن له ابنه البكر، فجاء الشيخ ومرر بيده فوق رأسي، وأعطاني أجرة مرتفعة (تهلا فيا، وقال خد، تتساهل، تمحنتي بزاف)». 
يستطرد الوالد، ويضيف: " كان الشيخ يدفع الأجر، وقليلون من عائلة الباشا كانوا يدفعون الأجر، والباقي كانوا يعيشون عالة على الناس. وكذلك كان القاضي السي صالح يدفع أجرا مرتفعا عند حلاقة رأسه ولحيته. ولما طلبنا منه كتابة رسم عدلي للإشهاد على شراء " جوج خدامة"، في ملك لحميدي زوج عمتي حليمة، أخد منا أجرا مرتفعا يساوي نصف ثمن تلك الأرض". 
استقرت العائلة النازحة من لحباشة بدرب آرلو، زنقة الشاوية، ثم باعت المنزل وانتقلت للدرب الجديد حوالي سنة 1954؛ وكذلك كانت عائلة البكري تسكن زنقة مولاي ادريس الأكبر، قبالة دار السي خليفة. ومن الدين أخذوا الحرفة عن السي بوبكر، وتعلموا على يديه، في ذلك التاريخ: المرحوم لحسن ولد لمزوقة (قبل أشهر من وفاته قال لي أنه كان يحمل أختي على ظهره، وأنه لا يزال يخاف من السي بوبكر الذي كانت مع الهيبة)، المصطفى الفاميلا، عبد المجيد ولد با الزين، الخ.
ذات يوم، كنت أتمشى مع الوالد، قرب السكة الحديدية، وعندما مر القطار المحمل بالفوسفاط، قال لي: "هاد لماشينا ركبت فيها أنا وولد عمي المعطي ولد بوعزة ومشينا فيها حتى لخريبكة". في تلك اللحظة، لم أسأله عن التاريخ ولم أسأله عن سبب الذهاب إلى خريبكة: " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا". 
في صيف 1969، جاء زبون يسكن بكريان الشيخ صالح، لأول مرة عند السي بوبكر ليحلق له، فاعتدر له السي ابوبكر وهو يهم بمغادرة الدكان، وقال له أن له موعد يجب احترامه لإجراء عملية الختان، وقال للحاضرين كعادته: " نسألكم الدعاء"، فدعوا له بالتوفيق. غير أن ذلك الزبون، ولأنه رأى والدي يحمل جريدة العلم، ذهب عند ابنه الذي كان يشتغل بوليسيا بالدار البيضاء، ومن هناك أرسل شكاية مجهولة للدرك الملكي ببرشيد يتهم فيها السي بوبكر الحلاق بالمساس بأمن الدولة، والدعاية ضد رأس الدولة بالدكان. وصباح ذلك الاثنين، تم اعتقاله وإخلاء سبيله فورا بضمانة شخصية من اثنين من أعيان أولاد حريز، وهما الحاج محمد البزيوي والشيخ بلحداوي الدرنوني، سمعا بالخبر ولحقا به في الحال عند الجندرمية.
كان الوالد في شبابه من المتعصبين لحزب الاستقلال. وفي سنة 1959 انشطر الحزب وخرج من رحمه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، فتمت مقاطعة السي بوبكر من طرف أصدقائه ببرشيد، ممن التحقوا بصفوف الاتحاد الوطني، واقتصر تعامله مع الزبناء من سكان البوادي بالدرجة الأولى. (مقرقبنهاش داك العام في برشيد، وخدمنا عا في لعروبية).  منذ ذلك التاريخ، أخذ المساحة الكافية بينه وبين السياسة التي تفرق بين الأحباب والأصحاب، حيث لم يعد يحضر الاجتماعات بالمقر، لكنه بقي يساهم في مصاريف كراء المقر، ويصوت للحزب في الانتخابات، ويواظب على شراء جريدة العلم يوميا، عندما كان ثمنها 30 فرنك ثم 40 فرنك، بينما كان المقابل الدي يتقاضاه عن حلاقة الرأس واللحية في ذلك الوقت لا يتعدى 50 فرنكاهو لا يقول شيئا، وأنا لا أجانب الصواب لو سمحت لنفسي بالقول، لعله كان غير راض عن الرئيس الاستقلالي " المؤمن" الذي تعامل معه كنكرة، ومعه المنافقون من حزب العدالة والتنمية، عندما أحالوا ملف كهربة الدوار دون سائر الدواوير إلى اختصاص العمالة، وحولوا القنطرة من مكان بعيد، وأنزلوها فوق أرضه بدون سند قانوني، خدمة لمصالح خسيسة. لم يتكلم الوالد معنا في الأمر، وكأنه لا يعنيه، وأكيد أنه كان يعرف جذور القاع التي يخفيها القناع.
كان الوالد معروفا بصراحته التي لا تطاق، يتجنب المجالس العمومية لعدم إحراج من يهمهم الأمر بالصراحة الجارحة. فهو لم يكن يحب النفاق وكان يتبرم من مجالسة المنافقين، والمتاجرين بالدينوكان لا يحب أن يناديه أحد بلقب " الحاج"، ويقول: " باش عرفتي ديازا لي الحجة؟" أو " أنا ممخلصش عليها باش تقولها ليا". كان رحمه الله يحب الضحك والمزاح، حتى إذا قال له رجل أنا ابن فلان وأنت الذي ختنتني، يجيبه: " خلصني، راني باقي نتسال بوك في ختانتك"، أو " راني حيدت لك النص، وباقي نص"، الخواستمر على تلك البشاشة حتى وهو على فراش المرض، إذ قبل أيام قليلة من وفاته، قال لزوجة ابنه: " وجدي الطناجر والطباسل على تيساع، راك عا في لخلا معندك جيران". ولما زاره أحد أصدقائه وهو طريح الفراش، قال له: " كنسالك شي حاجة". أجاب الزائر: " أش تسالني، ما عاقلش فكرني"، أجابه الوالد رحمه الله: " كنسالك الرحمة، ترحم علي".
هو أيضا كان يقرأ القرءان بانتظام، حزبين في النهار، ويقول أنه يخصص قراءة حزب على كل صديق حميم وافته المنية قبله ( والد بلمقدم، والد حسان، والد العثماني، الخ). وقد ظل إلى آخر رمق يريد أن يرى صورة أخيه المرحوم محمد بن الجيلالي على الورق، مستخرجة من أرشيف جريدة العلم، فلم تتحقق له الأمنية، رغم الجهود الذي قام بها مؤخرا الصديق مصطفى عدي، لأجل الحصول عليها من مطابع الجريدة بالرباطولما أخذ منه العياء مؤخرا، أصبح ابنه أحمد يقرأ له حزبين يوميا في المصحف، وهو يتابع ويصحح عند الخطأ. وفي آخر يوم رأيته قبل أن يسلم الروح، وهو عاجز عن النطق، سألني بالإشارة كم الساعة. لقد كان رحمه الله يسأل عن وقت صلاة العصر (الصلاة بالإشارة).
 مند سنة 1975 انتقل الوالد للسكن ببادية تعلاوت. وفي السنوات الأخيرة التي سبقت وفاته، طلب إحضار بنت الرجل الدي باع له الأرض، وهي أم الأخ السي محمد لحميدي، وأقام لها مأدبة غداء وقال لها: " لا أنسى خير والدك الدي باعني هده الأرض". قضى السي بوبكر المرحلة الأخيرة من حياته شبه معزول عن المدينة، وكان يفرح عندما يتوقف عنده بعد أبناء برشيد الدين يزاولون الركض ويبادلونه أطراف الحديث. هو الآن ينام على طرف المدينة، بمقبرة سيدي المعطي، كما لو أنه يراقبها من بعيد ولا يريد خط التماس بينه وبينها. مات كما أراد أن يموت مرتاح الضمير، فاختار مكان دفنه بنفسه، بالقرب من زوجته ووالدتهوأوصى أن تغسل جثته عائليا بعد وفاته، قبل أن يغسله أي أحد آخر. وأعطى أسماء الطلبة الأتقياء الدين أرادهم دون غيرهم أن يخيطوا كفنه ويقرؤون القرءان على قبره ساعة دفنه.   فقد كان فيزيزيوقراطيا بالمعنى الدقيق للكلمة، يقدس الأرض وما مَا يَلِجُ فِيها وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وما ينزل من السماء، ويحتقر ما يبنى فوقها من صناديق اسمنتية بالمال الحرام، فيقول " استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين". 
ذات يوم، مررنا بالقرب من مقبرة سيدي أحمد بن عتو، فأشار بأصبعه لقبر الشيخ الوزاني وقال لي: " هـذا المكان الدي مدفون فيه الوزاني، هي أرض كان أخدها الوزاني دراع من بندحو ولد حسين، قبل توسيع المقبرة، وسيحاسب عليها. أنا أعرف تلك الأرض جيدا، لأن خلفها بلاد السي بوعزة التي كنت أحرثها بالمحراث وأنا طفل صغير". 
جلس الحاج بوشعيب البزيوي ، أطال الله في عمره، دامع العينين يؤبن السي بوبكر  بهده الكلمات: " أش هاد الرجولة، واش من كلمة، واش من صبر. وحدا وحدا، وبالحلال وبشوية حتى وصل". وتأسف الأستاذ شكيب مبسيط ، من الزاوية البوتشيشية،بعد أن أخرج الفدية عن السي بوبكر، ولم يسبق له أن التقى به من قبل: " مع الأسف، مثل هؤلاء الناس، لا نسمع عنهم حتى يذهبوا الى دار البقاء، وكان الأجدر بنا التعرف عليهم  خلال  حياتهم  للتعلم منهم  الطريق الصحيح إلى الله".   
بهـذه المناسبة الأليمة، أتقدم نيابة عن العائلة المكلومة، بتوجيه خالص الشكر والعرفان إلى مدير جريدة " برشيد نيوز" على الرجولة والتضامن الأخوي، وإلى كافة الإخوة والأصدقاء الدين عبروا عن العزاء بالحضور لمنزل الوالد أو بالوسائل المتاحةوكـذلك نتقدم لأفراد الطيف السياسي الدين ساندونا في الظرف الصعب، وقضوا إلى جانبنا بعض الوقت الثمين في المواساة، وعلى رأسهم، مع حفظ الألقاب: عبد الرحيم كميلي، صابر الكياف، محمد طربوز، سعيد جدعي، محمد طربوز، نور الدين البيضي
وإنا لله وإنا إليه راجعون.







Tags

المتابعة عبر البريد

اشترك في القائمة البريدية الخاصة بنا للتوصل بكل الاخبار الحصرية